على من ستؤثر عقوبات النفط الروسية الجديدة؟
إيفان بوليتيف إيفان بوليتيف

على من ستؤثر عقوبات النفط الروسية الجديدة؟

في نهاية ولايتها، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن عن توجهات جديدة في سياسة العقوبات ضد روسيا. حيث يمكن الآن معاقبة أي كيان قانوني لمجرد حقيقة تعامله السابق أو الحالي مع قطاع الطاقة الروسي، حتى وإن لم تكن له صلات مباشرة مع الدولة الخاضعة للعقوبات.

ترجمة: أوديت الحسين

وتوصلت إدارة بايدن إلى قناعة بأن الوقت قد حان الآن لفرض أقسى العقوبات على قطاع الطاقة الروسي. إذ تشهد السوق الداخلية الأمريكية وضعاً مواتياً يتمثل في زيادة حجم الإنتاج وحتى فائض في مصادر الطاقة. ولا يخفي الاستراتيجيون الأمريكيون خططهم البعيدة المدى. ففي مؤتمر صحفي خاص، صرح مسؤولون أمريكيون كبار بأن «الجوانب الجديدة المهمة لهذه الحزمة الواسعة لا تقتصر فقط على تقليل عائدات روسيا، بل تشمل أيضاً تدمير قدراتها الإنتاجية، بالإضافة إلى تشجيع المستوردين على البحث عن مصادر بديلة للإمدادات».
تعوّل واشنطن على أن تؤدي هذه الإجراءات إلى أن «روسيا ستخسر مليارات الدولارات شهرياً». إذ إنّ القيود تطال، بشكل خاص، لاعبين كباراً مثل شركتي النفط والغاز «غازبروم» و«سورغوت».
اعتبرت «غازبروم» قرار إدراج أصولها في قائمة العقوبات الأمريكية غير مبرر وغير مشروع. ومع ذلك، فإن الشركة لن تخضع للترهيب بسبب القيود الجديدة. حيث أوضح ممثلو «غازبروم» للصحفيين أن «الشركة تخضع منذ عام 2022 لعقوبات أجنبية أحادية الجانب، وبالتالي فإن العديد من هذه القيود أُخذت بالفعل في الاعتبار ضمن العمليات التشغيلية». وبناءً عليه، «ستواصل الشركة عملها مع الحفاظ على استقرار الأعمال». بفضل المشاريع المنفذة لتحقيق السيادة التكنولوجية، سيتم ضمان استقرار العمليات التشغيلية وسلاسل الإنتاج، مما يكفل موثوقية تزويد السوق والمستهلكين. ولا يمكن لأي خلفية سياسية، خاصة في الوقت الراهن مع تراجع قوى نظام زيلينسكي بشكل كبير، أن تجبر قطاع الأعمال على التسليم بالخسائر المتوقعة.

أوروبا ستعاني وليس روسيا

يشعر المجتمع الاقتصادي بالقلق من أن الولايات المتحدة، في محاولتها المتكررة للإضرار بروسيا، تلحق ضرراً بمنظومة الطاقة العالمية بأكملها. ففي تحليلات الخبراء الأجانب يمكن قراءة أن «العقوبات الأمريكية المفروضة ستؤثر بشكل أكبر على أوروبا أكثر من روسيا».
على غير توقعات واشنطن، جاء رد فعل السوق على الحزمة الجديدة من العقوبات الأمريكية ضد قطاع الطاقة الروسي، والتي فُرضت لأول مرة منذ ثلاثة أشهر، بارتفاع سعر خام برنت إلى أكثر من 80 دولاراً للبرميل، كما ارتفعت أسهم شركات «غازبروم» و«نوفاتيك» و«لوك أويل». في ظل هذه التطورات، بدأ المستثمرون يشعرون بالقلق من احتمال حدوث اضطرابات في إمدادات المواد الخام الروسية منخفضة التكلفة.
وكتب زولتان كوشكوفيتش، المحلل في المركز المجري للحقوق الأساسية، على منصة X: «تهدف العقوبات التي فرضها بايدن اليوم إلى رفع أسعار الطاقة للجميع، بما في ذلك الأمريكيون أنفسهم». فالنفط يتفاعل بالارتفاع مع موجات الصقيع والثلوج في بعض مناطق أوروبا والولايات المتحدة، ولا سيّما في تكساس التي تضم العديد من منشآت استخراج النفط. ولا يستبعد المحلّلون تكرار سيناريو شباط 2021، حينما أدت موجة الصقيع غير الطبيعية في هذه الولاية الحيوية للطاقة الأمريكية إلى توقف إنتاج المشتقات النفطية في معظم المصانع.
ويبدو أن الساسة المنتهية ولايتهم قد نسوا ما ترتب على قرار الدول الغربية في عام 2022 بالتخلي عن استيراد النفط الروسي ومنتجاته. فقد أدى حظر دول مجموعة السبع على تأمين وشحن النفط عبر البحر إلى مناطق أخرى من العالم بسعر يتجاوز 60 دولاراً للبرميل إلى ظهور «أسطول الظل».
وقد رأت العديد من الشركات الدولية وأصحاب الناقلات الخاصة أن القيود الغربية ستستمر طويلاً، فاتجهوا إلى نقل النفط الخاضع للعقوبات من روسيا وإيران وفنزويلا، لأن «الأعمال غير الشرعية» أثبتت أنها أكثر ربحية، إذ تُدفع مبالغ أكبر مقابل تجاوز العقوبات.
ويبدو أن مخطِّطي السياسة العقابية العدوانية نسوا أيضاً كيف اضطرت الشركات الروسية في عام 2022، عند بدء إعادة هيكلة تدفقات التجارة، إلى تقليص إنتاج النفط وتصديره مؤقتاً، مما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية إلى 120 دولاراً للبرميل، وتبع ذلك ارتفاع قياسي في أسعار البنزين داخل الولايات المتحدة نفسها. ورغم تقليص روسيا للصادرات وتقديمها خصومات كبيرة للمشترين الجدد، فإنها واصلت تحقيق نفس حجم العائدات بسبب الارتفاع الحاد في الأسعار.
منذ ذلك الحين، ترددت الولايات المتحدة في فرض قيود أكثر صرامة على صادرات النفط الروسية، حيث كانت ترافق كل حزمة عقوبات جديدة استثناءات، وتمنح تأجيلات، وتؤخر مواعيد تنفيذ الصفقات المحظورة، وتمنع البنوك من تنفيذ المدفوعات الروسية ثم تعود لتمديد تراخيص خدمة الموردين من الدول غير الصديقة. والآن، تم تصميم الإجراءات الجديدة بحيث تخلق صعوبات إضافية لـ«روسيا» دون أن تُحدث انهياراً كبيراً في السوق العالمية.
وبحسب أكثر التقديرات تشاؤماً، كان من الممكن أن تؤدي عقوبات كانون الثاني إلى خفض الصادرات الروسية بنحو 800 ألف برميل يومياً، لكن المحللين يرون أن الخفض الفعلي سيكون أقل بكثير. نعم، سيواجه مورّدو النفط الروسي تحديات لوجستية ويضطرون للبحث عن وسطاء تجاريين جدد، لكن التجارة ستستمر على أي حال. ولن يكون من الممكن توجيه ضربة حرجة لمجمع الوقود والطاقة أو للاقتصاد الروسي.
من الطبيعي أنَّ أيّ قيود لا تجلب أيَّ فوائد لأيّ اقتصاد خاضع للعقوبات. وقد سارعت وكالة «بلومبيرغ» إلى الإبلاغ بأن الوضع الحالي فاجأ المشترين الرئيسيين للنفط الروسي، وهما الصين والهند. بينما ذكرت وسائل إعلام أجنبية أخرى أنّ المشترين الموثوقين للطاقة الروسية اضطروا للتخلي عنها بشكل عاجل. لكن هل هذا صحيح فعلاً؟ من غير المرجَّح أنْ يُقدِم أحدٌ على إنهاء عقود طويلة الأمد ومربحة للطرفين قبل تولّي الرئيس الأمريكي الجديد مهامه. فقد حدثت حالات خفّضت فيها الهند أو الصين مشترياتهما من النفط الروسي تحت ذريعة العقوبات، لكنها عادت لاحقاً لزيادتها بناءً على الطلب الموسمي. ومع ذلك، لم يحدث تراجع كبير في صادرات الطاقة الروسية، رغم أن الخصومات والحوافز للمشترين الراغبين في التعامل مع الموردين الخاضعين للعقوبات قد زادت.
أظهرت تجارب السنوات السابقة أن القيود على الأسعار لا تعمل كما كان مخططاً لها. فالأعمال التجارية دائماً ما تجد طرقاً جديدة لتجاوز العقوبات، رغم أن المحللين يرون أن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع التكاليف وانخفاض الشفافية، لكن بشكل عام، من غير المرجح أن تؤثر هذه القيود الجديدة على حجم صادرات النفط.
وأوضح المتحدث باسم الرئيس الروسي، دميتري بيسكوف، للصحفيين أن مسارات تصدير الطاقة الروسية التي تشكلت بشكل طبيعي لا يمكن قطعها بالعقوبات، لأن البدائل تظهر فوراً لتقليل تأثير تلك العقوبات.
أما صحيفة «فاينانشال تايمز» فقد ذكرت أن حالة من الذعر تسود أروقة المفوضية الأوروبية، حيث كلّف بروكسل الخبراء بتحليل كل بند من أوامر بايدن التنفيذية لمعرفة أي منها قد يُلغيه دونالد ترامب أولاً. ويخشى الاتحاد الأوروبي بشدة من أن يقوم ترامب بتخفيف العقوبات ضد روسيا. ومع ذلك، فإن هذا السيناريو ممكن وفقاً لما يتوقعه المحللون المحليون والدوليون، خاصة فيما يتعلق بالعقوبات الثانوية التي تستهدف دولاً أو شركات أو أفراداً يُعتقد أنهم يساعدون موسكو في الالتفاف على العقوبات الرئيسية أو يشاركونها في صفقات محظورة.
وقد يُلغي ترامب بعض القيود الطفيفة، مثل السماح بتوريد النفط والغاز الروسي إلى الولايات المتحدة أو تسهيل تجارة المعدات المدنية، وهو ما سيكون مفيداً للأمريكيين أنفسهم. ومع ذلك، حتى مع ترامب، من غير المرجح أن يتغير نهج الضغط الاقتصادي بشكل جذري، إذ يمكن للكونغرس أن يحد من صلاحيات الرئيس لضمان استمرار سياسة الولايات المتحدة الصارمة تجاه روسيا.
تحاول أبرز وسائل الإعلام في أوروبا وأمريكا إيصال رسالة إلى صناع السياسة المعادية لروسيا مفادها أن «محاولة الولايات المتحدة فرض ابتزاز طاقي عالمي بمثابة إعلان حرب اقتصادية ضد روسيا والعالم بأسره». ولهذا، من الضروري لأولئك الذين يسعون لبناء اقتصاد سيادي ألّا يرضخوا لضغوط «الهيمنة الزائفة»، بل يجب على الجميع مواجهتها من خلال تكتّلات مثل مجموعة «بريكس» والاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومنظمات مستقلة أخرى تجمع غالبية سكان الكوكب. فبهذا فقط يمكن بناء عالم جديد حُرّ ومتعدد الأقطاب يحدّد مستقبل البشرية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1211