المكسيك وطريقها الخاص بين الصين والولايات المتحدة
قال ترامب ذات مرة: «أجمل كلمة في القاموس هي الرسوم الجمركية، إنها كلمتي المفضلة». في نظره، لم تكن الرسوم الجمركية مجرد قضية اقتصادية، بل أداة سياسية لتحقيق أهدافه. وها هو، وقبل أن يعود رسمياً إلى البيت الأبيض، يلوّح مجدداً بـ «عصا الرسوم الجمركية». فقد أعلن نيته فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على جميع السلع المستوردة من المكسيك وكندا فور تسلمه الرئاسة. بالإضافة إلى ذلك، هدد بفرض رسوم إضافية بنسبة 10% على جميع السلع المستوردة من «الصين».
ترجمة: أوديت الحسين
وفقاً لبيانات عام 2023، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة 27.72 تريليون دولار، مقارنة بـ 1.79 تريليون دولار فقط للمكسيك. يعني ذلك أن الاقتصاد الأمريكي أكبر بنحو 15.5 مرة من الاقتصاد المكسيكي. إذا كانت الحروب التجارية والجمركية بين الولايات المتحدة و«الصين» تندرج تحت مبدأ «قتل ألف من العدو، وخسارة 800»، فإن الوضع مختلف تماماً بالنسبة للمكسيك.
فيما يخص التجارة الثنائية، يعتمد الاقتصاد المكسيكي بشكل كبير على السوق الأمريكية، خاصة في الصادرات. وخلال السنوات السبع الماضية، وبسبب عوامل مثل الحرب التجارية بين «الصين» والولايات المتحدة، تعزز التعاون الاقتصادي بين البلدين. لم تصبح المكسيك الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة فحسب، بل أصبحت أيضاً في عام 2023 المصدر الأول للمنتجات إلى السوق الأمريكية.
لكن هذا التعاون عزز بشكل أساسي أهمية الاقتصاد الأمريكي بالنسبة للمكسيك، مما أدى إلى زيادة تركيز صادرات المكسيك نحو السوق الأمريكية. ففي عام 2017، بلغت قيمة صادرات المكسيك إلى الولايات المتحدة 326.78 مليار دولار، وهو ما يمثل 79.8% من إجمالي صادراتها. وبحلول عام 2023، ارتفعت هذه النسبة إلى 82.7%، وفي الأشهر السبعة الأولى من هذا العام، وصلت إلى 83%. مما يعني زيادة بنسبة 3.2% في أقل من 8 سنوات.
على الجانب الآخر، انخفضت نسبة الواردات المكسيكية القادمة من الولايات المتحدة من 46.3% في عام 2017 إلى 41.1% في عام 2024، أي بانخفاض قدره 5.2%.
أما فيما يتعلق بالمنتجات التي تصدرها الولايات المتحدة إلى المكسيك، فإنها تتكون بشكل أساسي من منتجات الطاقة والمحاصيل الزراعية، وهي منتجات يمكن استبدالها بسهولة في السوق المكسيكية. على سبيل المثال، تشكل الذرة وحدها نحو 30% من صادرات الذرة الأمريكية إلى المكسيك، بينما تمثل باقي السلع نسباً أقل بكثير.
في المقابل، تعتمد الصادرات المكسيكية إلى الولايات المتحدة بشكل كبير على السوق الأمريكية، خاصة في قطاعات السيارات، المعدات الميكانيكية، والإلكترونيات. وتشكل هذه القطاعات الثلاثة نحو ثلثي صادرات المكسيك، ويُباع أكثر من 80% منها في السوق الأمريكية.
بسبب هذا الاعتماد الكبير على الاقتصاد الأمريكي، ورغم أن الحكومة المكسيكية تبنت مواقف مستقلة نسبياً في القضايا السياسية الدولية، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، إلا أنها تجد نفسها مضطرة إلى تقديم تنازلات للولايات المتحدة في القضايا الاقتصادية، مثل الهجرة والمخدرات، لحماية مصالحها الاقتصادية.
هل يمكن للمكسيك تحقيق «الإحلال الوارداتي»؟
في ظل الحرب التجارية بين «الصين» والولايات المتحدة، وضعت الحكومة المكسيكية آمالاً كبيرة على تعزيز التعاون الاقتصادي مع الولايات المتحدة وكندا لتحقيق استراتيجية «الإحلال الوارداتي».
لطالما أبدت الحكومات اليسارية في أمريكا اللاتينية حماساً لسياسات «الإحلال الوارداتي»، بهدف تحقيق التصنيع المحلي. وقد سعت حكومة الرئيس المكسيكي السابق، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، إلى تعزيز سياسات الإحلال الوارداتي ليس فقط في المكسيك، بل في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية، للحد من الاعتماد على المنتجات الصناعية الآسيوية.
في بداية فترة ولايته، قدم أوبرادور خطة شاملة لتطوير المنطقة، هدفها حشد الدعم الدولي، خاصة من الولايات المتحدة، لتعزيز التصنيع المحلي، وتحقيق نمو اقتصادي، ورفع مستويات التوظيف والدخل في المنطقة. وكانت هذه الخطة تهدف إلى معالجة جذور مشكلة الهجرة غير الشرعية من أمريكا اللاتينية إلى الولايات المتحدة.
خلال قمة دول أمريكا الشمالية لعام 2021، شدد الرئيس المكسيكي آنذاك على أهمية تغيير السياسات الاقتصادية الراهنة. وحذر أنه بحلول عام 2051، «قد تسيطر الصين على 42% من التجارة الدولية، في حين ستتراجع حصة دول أمريكا الشمالية الثلاث من 13% في عام 2020 إلى 12%». ودعا إلى توجيه الاستثمارات الأمريكية والكندية نحو المكسيك لزيادة القدرة الإنتاجية المحلية واستبدال المنتجات المستوردة من خارج المنطقة تدريجياً بمنتجات محلية.
في القمة العاشرة لدول أمريكا الشمالية عام 2023، وبضغط من المكسيك، تم إطلاق «مبادرة الإحلال الوارداتي» رسمياً. وفقاً لهذه المبادرة، تم الاتفاق على خفض واردات المنتجات الآسيوية بنسبة 25% تدريجياً، واستبدالها بمنتجات محلية تعتمد على مفهوم «التعهيد القريب Nearshoring، وهو استراتيجية تقوم على نقل عمليات الأعمال أو الإنتاج إلى بلد قريب جغرافياً بدلاً من الاعتماد على دول بعيدة» لضمان استدامة سلاسل التوريد والصناعات في المنطقة. تهدف هذه السياسة إلى فصل سلاسل التوريد الصناعية في أمريكا الشمالية عن نظيرتها الآسيوية، ونقلها تدريجياً إلى المنطقة.
أعربت الرئيسة الحالية للمكسيك، كلوديو شينباوم، عن تأييدها لهذه السياسة، مؤكدة أن أحد الأهداف الرئيسية لحكومتها هو تطوير الصناعة الوطنية، وزيادة نسبة المكونات المحلية في المنتجات، واستبدال جزء من الواردات من «الصين» بمنتجات مكسيكية.
إذن، هل يمكن تحقيق «مبادرة الإحلال الوارداتي»؟ إذا نظرنا فقط إلى السوق الأمريكية، فإن حصة المنتجات الآسيوية في صادراتها إلى الولايات المتحدة قد شهدت بالفعل اتجاهاً للتقلص بين عامي 2017 و2024. خلال هذه الفترة، انخفضت حصة صادرات بلادنا من السوق الأمريكية بنسبة 8.2%، بينما زادت حصة المنتجات المكسيكية بنسبة 2.3%. أصبحت المكسيك أكبر دولة مصدرة إلى الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه، زاد الفائض التجاري الثنائي للمكسيك مع الولايات المتحدة بشكل كبير، حيث ارتفع من 132.31 مليار دولار في عام 2017 إلى 234.73 مليار دولار في عام 2023، أي تضاعف خلال سبع سنوات. إلى حد ما، تحقق منطقة أمريكا الشمالية «الإحلال الوارداتي».
لكن يجب أيضاً ملاحظة أنه في الفترة من 2017 إلى 2024، زادت حصة المنتجات الآسيوية في السوق المكسيكية، حيث ارتفعت حصة المنتجات الصينية بنسبة 2.4%. بمعنى آخر، بينما يبدو أن السوق الأمريكية تمارس إحلالاً لوارداتها من المنتجات الصينية، تحل المنتجات المكسيكية وغيرها تدريجياً محل المنتجات الصينية. ولكن في السوق المكسيكية نفسها، يزداد الاعتماد على المنتجات الصينية. هذا الاتجاه يرتبط بشكل واضح بالحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، أي التحول من «صنع في الصين» إلى «صنع بواسطة الصين».
الرئيسة المكسيكية الجديدة، كلوديو شينباوم، تأمل أن تتمكن المكسيك في المستقبل من تطوير سلاسل التوريد والإنتاج المحلية، وتقليل الاعتماد على المنتجات الوسيطة من الصين وغيرها. إذ إنه إذا اقتصر الأمر فقط على زيادة الاستثمار الأجنبي في إنشاء مصانع معالجة محلية دون بناء سلاسل توريد وصناعات تكاملية، فسيظل الاعتماد على استيراد المواد الخام والمنتجات الوسيطة قائماً. وبالتالي، ستكون الأرباح المحلية محدودة ولن تحقق فوائد حقيقية كبيرة للاقتصاد المحلي أو فرص العمل.
لكن نظراً للمشكلات المرتبطة بقدرة المكسيك على الحوكمة، والقوانين واللوائح، والأمن الاجتماعي، والبنية التحتية، وجودة العمالة، وأساسيات سلاسل التوريد، فإن تغيير وضع سلاسل الإنتاج فيها قد يكون طريقاً طويلاً.
في الوقت نفسه، فيما يتعلق بما يسمى بـ«مبادرة الإحلال الوارداتي في أمريكا الشمالية»، فإن إدارة ترامب، إذا عادت إلى البيت الأبيض، من غير المرجح أن تولي اهتماماً كبيراً للمبادرات الإقليمية المتعددة الأطراف. من المحتمل جداً أن تعود إلى النهج التقليدي القائم على استغلال القوة الأمريكية في المفاوضات الثنائية والضغط الشديد.
فيما يتعلق بالفائض التجاري الضخم للمكسيك مع الولايات المتحدة، من المرجح أن يواصل ترامب التلويح بـ«عصا الرسوم الجمركية» ضد المكسيك. كما قد يسعى إلى منع المنتجات الصينية التي تصل إلى الولايات المتحدة عبر المكسيك. علاوة على ذلك، قد يستغل ترامب مراجعة اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية في عام 2026 لإعادة التدقيق أو حتى إعادة التفاوض بشأن الاتفاقية بهدف ممارسة ضغوط شديدة على المكسيك.
كل هذا يلقي بظلال من الشك على خطة «الإحلال الوارداتي» في المكسيك. وبالتالي، يبقى مستقبل الاقتصاد المكسيكي مليئًا بعدم اليقين.
- مدرس في جامعة فوجيان للتكنولوجيا، وأستاذ في الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1204