لماذا خفّض «الاحتياطي الفيدرالي» أسعار الفائدة؟
بقلم: تشن تشونغ* بقلم: تشن تشونغ*

لماذا خفّض «الاحتياطي الفيدرالي» أسعار الفائدة؟

في 18 أيلول/سبتمبر 2024، بعد ثلاث سنوات من التضخم المرتفع والزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة، بدأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي أخيراً في خفض أسعار الفائدة، حيث خفضها بمقدار 50 نقطة أساس للمرة الأولى. بعد تحضير الرأي العام في الأسابيع القليلة الماضية، لم يعد هذا في الواقع حدثاً غير متوقع. مع ذلك، لا تزال هناك بعض القضايا الرئيسية التي تستحق اهتمامنا عندما يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض أسعار الفائدة في هذا الوقت.

ترجمة: قاسيون

يقول البعض بأنّ السبب الذي دفع بنك الاحتياطي الفيدرالي هو منع حدوث أزمة اقتصادية، وقد اختار خفض الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس من منطلق الحذر. مع ذلك، فإن تفسير السوق لهذا الأمر سوف يكون منقسماً. في الوقت نفسه، سيستمرّ أشخاصٌ آخرون في التحدّث عن ملاحقة الأصول المالية بسبب انخفاض تكلفة الاقتراض الناجم عن انخفاض أسعار الفائدة، مما يتسبب في توسع الفقاعات في أسواق الأسهم والإسكان على المدى القصير. سوف تؤدي المواجهة بين وجهتي النظر هاتين إلى تضخيم تقلبات الأسواق المالية وارتفاع المخاطر.
في الماضي، كان الحكم في المواجهة بين وجهتي النظر هاتين صحيحاً أو خاطئاً من خلال البيانات الاقتصادية التي صدرت في وقت لاحق. ولكن في العامين الماضيين، انخفضت دقة العديد من البيانات الاقتصادية في الولايات المتحدة إلى حد كبير وخاصة بيانات التوظيف، التي صدرت بعد أشهر قليلة من الرفع. كما تمّت «مراجعة» معظم نمو تشغيل العمالة في عام 2023 ليتبيّن أن «النمو» اختفى. خاصة وأن موسم الانتخابات قد بدأ الآن، فإن موثوقية هذه الأرقام الاقتصادية قد تتعرض للخطر مرة أخرى.
بالنسبة للاقتصادات الرئيسية الأخرى في العالم، على الرغم من أن خفض سعر الفائدة في الولايات المتحدة بمقدار 50 نقطة أساس لم يغير حقيقة أن أسعار الفائدة في السوق الأمريكية أعلى من الاقتصادات الكبرى الأخرى، فإن توقعات بنك الاحتياطي الفيدرالي وتوقعات السوق تعتقد بالفعل أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيواصل خفض أسعار الفائدة في الأشهر المقبلة.
السؤال الثاني هو مدى فعالية خفض أسعار الفائدة الأمريكية على الاقتصاد الحقيقي. أعتقد أنه قد لا يكون بالفعالية نفسها لتخفيضات أسعار الفائدة في الدورات الاقتصادية السابقة. أحد الأسباب المهمة هو أنه عندما قام بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة في العامين الماضيين، كان تأثير رفع أسعار الفائدة يقتصر على نطاق محدود. لنأخذ على سبيل المثال قروض المنازل، حيث حصل عدد كبير من أصحاب المنازل في الولايات المتحدة على قروض سكنية منخفضة للغاية بفائدة ثابتة أثناء الوباء، ولن يكون لارتفاع أسعار الفائدة التي أقرها بنك الاحتياطي الفيدرالي أي تأثير سلبي على نفقات معظم أصحاب العقارات، ومن المؤكد أنّه لن يكون له أي تأثير إيجابي. ولذلك، فإن الاستهلاك، الذي يمثل 70% من الاقتصاد الأمريكي، لن يتم تحفيزه بشكل كبير من خلال تخفيضات أسعار الفائدة.
سيستفيد قطاع الشركات بشكل أكثر وضوحاً من هذه الجولة من تخفيضات أسعار الفائدة، وقد نجا النظام المصرفي الذي عانى من خسائر تشغيل البنوك في وادي السيليكون بدعم من أموال الطوارئ التابعة للاحتياطي الفيدرالي في 2023، والآن ستنخفض خسارات البنوك بعد تخفيض أسعار الفائدة. على العموم، لن تكون هذه التأثيرات واضحة، ووفقاً للتجربة بعد عام 2008، فإن التحفيز الذي سيقدمه للاقتصاد الحقيقي، وخاصة الصناعة التحويلية في الولايات المتحدة التي ظلت في انكماش مستمر، لن يكون كبيراً.
أما بالنسبة للإنفاق الحكومي، فإن تخفيضات أسعار الفائدة الرسمية ستؤدي بالتأكيد إلى خفض نفقات الفائدة للحكومة الفيدرالية. مع ذلك، فإن عجز الإنفاق الزائد للحكومة الأمريكية مدعوم في الأصل بهيمنة الدولار. إن الإنفاق الحكومي، الذي يمثل حصة متزايدة باستمرار من الاقتصاد الأمريكي، سوف يتأثر في نهاية المطاف بنتيجة الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني.

الريع السياسي للتخفيض

إذاً، تقترب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وقد بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة قبل أقل من شهرين من التصويت في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني. فهل سيكون لذلك أي تأثير على الانتخابات الرئاسية؟ هذا السؤال أكثر أهمية من تأثير خفض سعر الفائدة نفسه على الاقتصاد.
إنّ تأثير تخفيضات أسعار الفائدة على الاقتصاد الكلي سوف يتأخر، فعادةً ما يستغرق الأمر عدة أشهر حتى يكون له تأثير على الاقتصاد الحقيقي. مع ذلك، فإن خفض سعر الفائدة له تأثير فوري على السوق المالية وثقة الناس العاديين، ولهذا السبب يرحب الحزب الديمقراطي عموماً بخفض سعر الفائدة في هذا الوقت ويعتقد أنه دعاية إيجابية للسياسة الاقتصادية للحزب الديمقراطي. ويعارض الجمهوريون خفض أسعار الفائدة في هذا الوقت لأن قرار خفض أسعار الفائدة سيضعف فعالية دعاية الحزب الجمهوري بشأن التضخم.
سيكون لنتائج هذه الانتخابات الرئاسية تأثير كبير على السياسة الاقتصادية الأمريكية في السنوات الأربع المقبلة. لن يقتصر الأمر على إجراء المرشح الرئاسي لتغييرات كبيرة في السياسات المتعلقة بالتجارة والطاقة والتمويل والتكنولوجيا وما إلى ذلك، ولكن تكوين الكونغرس والسيطرة عليه سيؤثر على محتوى وكفاءة تنفيذ السياسات الأمريكية. بغض النظر عما إذا كان الحزب الديمقراطي أو الحزب الجمهوري، فما دام حزب واحد يسيطر على الرئيس وكلا مجلسي الكونغرس، فإن احتمالات نجاحه في إقرار سياسة واسعة النطاق للعجز المالي وزيادة الإنفاق الحكومي بشكل كبير سوف تكون مرتفعة. من ناحية أخرى، إذا سيطر الحزبان على الرئيس ومجلسي الكونغرس، فإن الزيادة في الإنفاق الحكومي ستكون محدودة نسبياً.
السؤال الأكبر في هذه اللحظة هو ما إذا كانت سياسة التيسير التي ينتهجها بنك الاحتياطي الفيدرالي قبل التصويت قادرة على السماح للناخبين العاديين بالتغلب على الذكريات السلبية الناجمة عن ارتفاع التضخم في العامين الماضيين، وبالتالي التأثير على التصويت النهائي.
انطلاقاً من الاستقطاب الشديد الحالي في السياسة الأميركية، فإن هذا الاحتمال لا يزال ضئيلاً نسبياً، ولكن بالنسبة للولايات المتأرجحة الحاسمة حيث الانتخابات متقاربة للغاية، فربما تمنح الأخبار الجيدة الحزب الديمقراطي ميزة إضافية.

ماذا يعني بالنسبة للصين؟

بالنسبة للصين، فإن الدروس المستفادة من تجارب الاقتصاد الكلي الأميركية على مدى السنوات الثلاث أو الأربع الماضية تستحق تحليلنا الدقيق. لا تزال السياسة المالية هي أسلوب التدخل الاقتصادي الذي يحقق أسرع النتائج على المدى القصير، وخاصة أسلوب الإنفاق المالي الذي يقطع الروابط الوسيطة بين الحكومة والأفراد. مع ذلك، فإن التأثير الجانبي للتأثير السريع لسياسة التحفيز هو إمكانية التسبب في التضخم بسهولة، الأمر الذي سيؤثر بشكل خطير على الاستقرار الاجتماعي.
على الرغم من أن معدل ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة قد تباطأ اليوم، إلا أن مستوى الأسعار الفعلي لا يزال يرتفع ببطء بالنسبة للأشخاص العاديين ذوي الدخل المنخفض والمتوسط، فقد انخفضت مستويات المعيشة الفعلية كثيراً مقارنة بالعامين الماضيين.
في عملية رفع أسعار الفائدة، من سيتحمل التأثير السلبي لارتفاع تكاليف التمويل؟ على مدى السنوات الثلاث الماضية، تمّ نقل عبء التكلفة النهائية من الولايات المتحدة إلى بقيّة العالم، بشكل غير مباشر عبر هيمنة الدولار.

  • تشن تشونغ: دكتور في الاقتصاد ومستثمر صيني، كاتب في صحيفة «المراقِب» الصينية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1193