فساد الشركات الغربية يطال أسس التصنيع... بوينغ مثالاً

ترجمة: قاسيون

تعتبر ناسا المرحلة الثانية الجديدة والأكثر قوة لصاروخ SLS Block 1B، الذي ظهر لأول مرة في أواخر عام 2022، جزءاً أساسياً من برنامج Artemis القمري، وتخطط لاستخدام الصاروخ للهبوط على القمر كجزء من مهمة Artemis IV في عام 2028. لكن من الواضح بالفعل أن جميع المواعيد النهائية المخطط لها سيتم تفويتها بسبب خطأ الصانع بوينغ.
يقول التقرير الذي قدّمه المفتش العام في ناسا جورج أ. سكوت: «لقد حددنا مجموعة متنوّعة من المشكلات التي يمكن أن تعيق جاهزية SLS Block 1B من أجل مهمّة Artemis IV، بما في ذلك عدم كفاية نظام إدارة الجودة لدى Boeing، وزيادة التكاليف والجداول الزمنية، ونقص الوعي بالتكاليف المتوقعة لـ Block 1B».
تقدم الوثيقة تفاصيل فاضحة حول أساليب مراقبة الجودة التي تتبعها شركة بوينغ في مصنع التجميع «ميتشود» في جنوب لويزيانا، حيث يتم بناء المرحلة العليا من صاروخ القمر. أصدر المدققون الفيدراليون لشركة Boeing عدداً فلكياً من طلبات الإجراءات التصحيحية. وفقاً لمسؤولي السلامة وضمان المهام في ناسا وموظفي DCMA في «ميتشود»، فإنّ مشاكل مراقبة الجودة لدى بوينغ ترجع إلى حد كبير إلى حقيقة أنّها لا تملك موظفين لديهم خبرة كافية في صناعة الطيران. يشير التقرير أيضاً إلى أنّ الافتقار إلى قوة عاملة مدربة ومؤهلة يزيد من خطر استمرار المقاول في إنتاج الأجزاء والمكونات التي لا تلبي متطلبات ناسا ومعايير الصناعة.
لم يكن لدى عملاق الطيران حتى عمّال لحام مؤهلين، وأدت أعمال اللحام «غير المرضية» إلى عدم مطابقة خزانات الوقود للمواصفات، مما أدى بشكل مباشر إلى تأخير البرنامج لمدة سبعة أشهر. أوصى المفتش العام لوكالة الفضاء ناسا بفرض عقوبات مالية على شركة بوينغ لعدم امتثالها لمتطلباتها. لكن بالرغم من ذلك، وضمن تعليقها على ما جاء في التقرير، رفضت نائبة المدير المساعد لوكالة ناسا: كاثرين كورنر، القيام بذلك.
وفقاً لتقرير وكالة ناسا، فإن تكلفة تطوير SLS Block 1B ستصل إلى 5.7 مليار دولار، وهو بالفعل أكثر بـ 700 مليون دولار من تقديرات التكلفة التي حددتها وكالة ناسا رسمياً في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي. أمّا بالنسبة للمرحلة العليا من الصاروخ، فقد توقّعت وكالة ناسا في عام 2017 أن تبلغ تكلفة تطويرها 962 مليون دولار. مع ذلك، يتوقّع تقرير جديد أن المرحلة العليا ستكلّف فعلياً 2.8 مليار دولار، أي ثلاثة أضعاف التقدير الأصلي.
مع ذلك، فإنّ التكاليف المتزايدة ستفيد شركة بوينغ لأنّه عقد ذو تكلفة زائدة يدفع جميع نفقات شركة بوينغ بالإضافة إلى الرسوم. قد يفسّر هذا سبب عدم اكتمال برنامج التطوير، الذي كان من المقرر أن ينتهي في عام 2021، وامتداده حتى عام 2028، كما فسّر الأمر إريك بيرغر، محرر قسم الفضاء في مقال في Ars Technica.
في هذا السياق، ليس من المستغرب أن تواجه طائرة ستارلاينر التابعة لشركة بوينغ، كما كتبنا، العديد من المشاكل أثناء الرحلة، وبعد الالتحام بمحطة الفضاء الدولية. لم تتمكن ستارلاينر، التي أوصلت اثنين من رواد فضاء ناسا إلى محطة الفضاء الدولية، من الانفصال عن محطّة الفضاء الدولية في الوقت المحدد، بسبب اكتشاف عدة تسربات للهيليوم في نظام الدفع. بالإضافة إلى تسرب الهيليوم، تعطلت أربعة محركات أثناء الرحلة.
في 1 فبراير 2010، كلفت ناسا شركة بوينغ بتطوير المركبة الفضائية. بدأ تجميعها في أغسطس 2016. تم تأجيل الإطلاق الأول بدون طيار بشكل متكرر بسبب العديد من الأعطال. تمّ بعدها إطلاق المركبة الفضائية إلى محطة الفضاء الدولية بنسخة غير مأهولة في 20 ديسمبر 2019 من القاعدة الجوية في «كيب كانافيرال» في فلوريدا باستخدام مركبة الإطلاق Atlas V بمحرك روسي RD-180 في المرحلة الأولى. بعد أن انفصلت ستارلاينر بنجاح عن مركبة الإطلاق، حدث فشل غير متوقع في نظام حساب وقت طيران السفينة. بالإضافة إلى ذلك، حدث انقطاع مؤقت في جلسة الاتصال بالمركبة الفضائية، مما أدى إلى فقدان لحظة تشغيل المحركات للدخول إلى مدار الالتقاء مع محطة الفضاء الدولية. ونتيجة لذلك، تقرر إلغاء إرساء السفينة مع محطة الفضاء الدولية.
اكتشف المتخصصون في ناسا الذين يحققون في أسباب المشاكل أثناء إطلاق مركبة الفضاء ستارلاينر أخطاء جسيمة في برنامج المركبة الفضائية الذي طورته بوينغ. كان من المقرر في الأصل إجراء أول رحلة تجريبية مأهولة إلى محطة الفضاء الدولية في عام 2020، ولكن تمّ تأجيلها لفترة طويلة. في 5 يونيو 2024، تم إطلاق أول مركبة مأهولة، ويا ليتهم لم يطلقوها بسبب ما حدث بعد ذلك.
في 6 مايو، دعت إيرين فافيل، رئيسة شركة ValveTech، أحد المتعاقدين مع وكالة ناسا، وكالة الفضاء الأمريكية إلى «مضاعفة فحوصات السلامة ومراجعة بروتوكولات الأمان للتأكد من أن ستارلاينر آمن قبل حدوث شيء كارثي».
وقالت فافيل بصراحة: «لقد حذرتهم»، ففي رأيها، أطلقت بوينغ رائدي فضاء على متن سفينة معيبة. والحقيقة هي أنه في 8 مايو، اضطرت ناسا وبوينغ إلى التخلي عن محاولة إطلاق ستارلاينر بسبب وجود صمام معيب، والذي اكتشفه الطاقم الأرضي قبل ساعات قليلة من الإطلاق. وأفيد أن الإطلاق قد تم إلغاؤه «بسبب ملاحظة صمام تنفيس لولبي للأكسجين السائل ذاتي التنظيم في المرحلة العليا من مركبة الإطلاق». وقالت ناسا في بيان لها: «بعد تقييم تاريخ الصمام، وتوقيع بيانات محاولة الإطلاق، وتقييم المخاطر المرتبطة بالاستخدام المستمر، قرر الفريق الأرضي أنّ الصمام قد تجاوز مؤهلاته، ووافق مديرو المهمة على إزالة الصمام واستبداله».
تدّعي شركة ValveTech أن الصمام المستخدم في نظام الدفع Starliner، المقدم من شركة Aerojet Rocketdyne: «لا يلبي المواصفات المطلوبة ولم يتم اختباره لضمان بروتوكولات السلامة». لم يتمّ تصحيح أعطال المركبة الفضائية ستارلاينر بعد، ولا يزال اثنان من رواد الفضاء الأمريكيين أسرى محطّة الفضاء الدولية، ومن غير المرجّح أن يتذكروا شركة بوينغ بكلمة طيبة.
لا يمكن استبعاد أنّ شركة ValveTech التي تنتقد شركة Boeing بكل جرأة، سيتعين عليها تعزيز أمن إدارتها، مع الأخذ في الاعتبار وفاة اثنين من مديري الجودة في شركة بوينغ في ظروف غريبة، بعد أن تجرأوا على انتقاد الشركة بشدة. توفي جوشوا دين بسبب عدوى غير معروفة، وتم إطلاق النار على مدير الجودة في بوينغ جون بارنيت وإردائه قتيلاً.
الآلاف من الأرواح البشرية أزهقت بسبب المحتالين في شركة Boeing. اعتباراً من 9 يناير 2021، تمّ فقدان 215 طائرة من طراز بوينغ 737 نتيجة الحوادث الخطيرة، وتوفي في هذه الحوادث إجمالي 5634 شخصاً. كانت أسوأ كارثة هي تحطم الطائرة JT-610 ومقتل 189 شخصاً في 29 أكتوبر 2018 بالقرب من جاكرتا، بسبب بيانات خاطئة من نظام التحذير من التوقف MCAS المعيب.
ذكرت وكالة ناسا مؤخراً أن اثنين من رواد الفضاء العالقين في محطة الفضاء الدولية لن يتمكنا من العودة إلى الأرض إلا في فبراير 2025 على متن سفينة الفضاء إيلون موسك SpaceX.