مسار البحر الشمالي يفرض نفسه رغم العقوبات الغربية
أليكسي باليف أليكسي باليف

مسار البحر الشمالي يفرض نفسه رغم العقوبات الغربية

من المثير للدهشة، أنه على الرغم من الضغوط الغربية المتزايدة على روسيا، فقد تمكنت روسيا من الوصول هذا العام إلى حجم قياسي من البضائع المنقولة على طول المسار البحري الشمالي العابر للقارات «NSR»، الذي يبدأ من مورمانسك وأرخانغيلسك في القطب الشمالي إلى فلاديفوستوك وناخودكا على ساحل المحيط الهادئ، ليشكّل حلقة وصل بين دول أوروبا وآسيا. في الوقت نفسه، لا يوجد لدى مسار NSR منافسين، وليس من المتوقع أن ينشأ لديهم، لأن الطرق والمسارات التي تحاول تجاوز روسيا وإهمالها تظهر عدم اتساقها.

ترجمة: قاسيون

وفقاً للبيانات الرسمية، بحلول نهاية هذا العام، تجاوز حجم النقل والعبور الدولي عبر المسار مليوني طن خلال عام، في الوقت الذي بلغ الإجمالي العام لحجم الحركة العابرة للمسار 33 مليون طن. يرجع وجود هذه المعدلات المرتفعة إلى حقيقة أنّ العوامل الجغرافية، ولكن أيضاً الجيوسياسية، تساهم في عدم وجود بدائل ممتازة لمسار بحر الشمال.
أولاً: مقارنة بالعبور عبر سيبيريا والمسار البحري الشمالي، فإن الطريق القديم بين أوروبا والبحر الأبيض المتوسط ​​وقناة السويس والبحر الأحمر والمحيط الهندي، وجنوب شرق آسيا والصين واليابان أطول بأكثر من الثلث. يؤدي هذا العامل تلقائياً إلى زيادة تكلفة النقل الدولي عبر السويس، وهو أمر يجعل الجميع يفكّر مرتين.
ثانياً: البحر الأحمر الذي يربط قناة السويس بالمحيط الهندي يتموضع جغرافياً في بقعة متوترة أمنياً. فقد شهد من قبل الكثير من هجمات القراصنة على السفن التجارية، كان أشهرها القراصنة من الصومال. كما أنّ التوترات السياسية في المنطقة، مثل: حرب الاحتلال «الإسرائيلي» ضدّ الفلسطينيين، والتي أدّت بسبب بشاعتها وعدم التزام «إسرائيل» بالقانون الدولي، إلى قيام اليمن بتوجيه ضربات إلى السفن المتوجهة نحو «إسرائيل»، ومحاولة الأمريكيين إرهاب من يجرؤ على تحديهم، عبر إطلاق عملية عسكرية في البحر الأحمر، أثبتت أنّ ممرّ البحر الأحمر- قناة السويس- البحر الأبيض المتوسط، لا يمكن أن يكون هو الخيار الوحيد للتجارة بين آسيا وأوروبا.
ثالثاً: التوترات في الجزء الشرقي الذي يصل هذا الطريق بجنوب وشرق آسيا، مثل: بحر الصين الجنوبي وبقيّة المسار الساحلي الذي يصل إلى المحيط الهادئ، تدفع الدول والشركات للبحث عن خيارات احتياطية، إن لم يكن خيارات بديلة بشكل كلّي. فالوضع العسكري السياسي في هذا المسار لا يزال متوتراً أيضاً، لأن النزاعات الإقليمية بين جميع دول الحوض أصبحت أكثر حدة.
بسبب جميع هذه العوامل، وصل نقل البضائع الدولية على طول مسار/ طريق بحر الشمال، بحلول نهاية عام 2023 إلى رقم قياسي في تاريخ الطريق بأكمله بلغ 2.2 مليوني طن، وكان ما يصل إلى 75% من تدفق البضائع هذا يتكون من النفط والمنتجات البترولية والغاز الطبيعي المسال. في المستقبل، من المتوقع أن ينمو عبور البضائع المعبأة في حاويات والبضائع المعدنية الخام. ومن بين الذين يقومون بعمليات الشحن، والذين يقومون بتلقي هذه الشحنات، شركات من الدول الإسكندنافية واليابان والصين وكوريا الجنوبية ودول جنوب شرق آسيا. هذا على الرغم من أن الدول الاسكندنافية واليابان وكوريا الجنوبية تشارك جميعها في العقوبات المناهضة لروسيا.
كما أشار الممثل الخاص لشركة روساتوم لتطوير القطب الشمالي، الخبير فلاديمير بانوف، فإن الرقم القياسي السابق لحجم البضائع العابرة على مسار/ طريق البحر الشمالي انخفض في عام 2021، عندما تم نقل مليوني طن بالترانزيت. ثمّ في عام 2022، انخفض الترانزيت بنسبة 90% بسبب العقوبات، ليصل إلى 200 ألف طن. وفي الفترة 2024-2025، من المتوقع أن يزيد حجم البضائع العابرة على طول طريق البحر الشمالي بمقدار الثلث على الأقل مقارنة بعام 2023.
أما عن نتائج العام الحالي، فقد أعلن بانوف: «لدينا رقم قياسي تاريخي جديد لمؤشر العبور على طريق بحر الشمال». بحسب الخبير، فإنّ التدفق المتزايد للبضائع العابرة على طريق البحر الشمالي «يؤكد الطلب الدولي على طريق بحر الشمال». لذلك، فإن نموها «أي الزيادة في تدفق البضائع على طول مسار طريق البحر الشمالي» مهم أيضاً من وجهة نظر تطوير الأعمال البحرية.
تتشابك المزايا الاقتصادية والسياسية لاستخدام طريق البحر الشمالي وتطوره التكنولوجي بشكل وثيق مع بعضها البعض. لأنه، كما أشار نائب رئيس الوزراء والمبعوث الرئاسي إلى منطقة الشرق الأقصى الفيدرالية يوري تروتنيف: «إن طريق البحر الشمالي هو ممر النقل الأقصر والأكثر اقتصاداً في الجزء القطبي الشمالي من العالم، ويقع بالكامل في المياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة للاتحاد الروسي». والتي، وفقاً لتروتنيف: «ذو أهمية استراتيجية في سياق ضغط العقوبات الخارجية».
وبالمناسبة، تخطط الصين لاستخدام طريق البحر الشمالي لما يتمتع به من مزايا واضحة، كأحد الطرق الرئيسية في التجارة مع أوروبا. في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى رأي دكتور الاقتصاد جين كانغرونج ​​Jin Cangrong، مدير معهد العلاقات الدولية في جامعة الشعب الحكومية الصينية: «نأمل بشدة أن يؤمّن لنا طريق البحر الشمالي وسيلة اتصال مستقر ​​بين أوروبا وروسيا وشرق آسيا…». وأضاف الدكتور كانغرونج، بأنّ طريق البحر الشمالي يلعب «دوراً رئيسياً في تأمين الوسيلة الفعّالة لتلبية احتياجات الصين والدول الآسيوية الأخرى من الغاز الطبيعي المسال الروسي».
ومن المهم جداً أيضاً، أنه اعتباراً من عام 2024، وفقًا لنائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، سيتم إدخال الملاحة على مدار العام في جميع أنحاء منطقة طريق البحر الشمالي، وهو ما يرجع سببه، من بين أمور أخرى، إلى التغيرات المناخية التي تقلل من مساحة المياه التي يشغلها الجليد المجاور للبحر.
من المؤكد، أن الملاحة على مدار العام ستعزز المزايا الاقتصادية والجغرافية لهذا الطريق العابر للقارات. في سياق أوسع، فإنه سيزيد من الطلب الدولي على طريق بحر الشمال. لذلك، ليس من المستغرب، بحسب وكالة المعلومات والتحليلات التركية «الأناضول»، أن «هناك طلباً كبيراً على الإمكانات التجارية لطريق البحر الشمالي. وهي تتزايد بسرعة هائلة». يتم إجراء تقييم مماثل على موقع مركز Infobrix للأبحاث والإعلام، الذي أورد بأنّ: «سلاسل التوريد التقليدية في العالم معرضة للتهديد: ويمكن لروسيا، بما في ذلك عبر استخدامها للطريق البحري الشمالي في جزئها من القطب الشمالي، القضاء على هذه الأخطار». علاوة على ذلك، فإن الاتحاد الروسي وحده هو الذي يمتلك أسطولاً قوياً من كاسحات الجليد النووية القادرة على إبقاء المسار فاعلاً.
باختصار، فشلت محاولات الغرب لعرقلة الطريق البحري الشمالي سياسياً فشلاً ذريعاً، وعلينا ألّا نتفاجأ إن شهدنا المزيد من الطلب على الشحن عبره في الفترات القادمة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1155
آخر تعديل على السبت, 06 كانون2/يناير 2024 20:32