حتّى الغرب يريد تعلّم اقتصاد الاستدامة من كوبا!
حتّى الإعلام الغربي عندما يبحث عن تجارب ناجحة، يبدو بأنّه مضطرّ للابتعاد عن الغرب، وهذا كان حال مجلّة فوربس Forbes الأمريكية الشهيرة التي نشرت مقالاً بعنوان: «هل يمكننا أن نتعلّم من ثورة كوبا المستدامة؟» لاستعراض ما يتمنون لو أنّه يتمّ في الولايات المتحدة أو بريطانيا. إليكم أبرز ما جاء في المقال الذي يتحدث عن تجربة الكوبيين في الاقتصاد والاستدامة، والتي جعلتهم منيعين ضدّ العقوبات الأمريكية المفروضة عليهم منذ نجاح ثورتهم في 1959:
ترجمة: قاسيون
في العقدين الماضيين حققت كوبا إنجازات مهمّة في بناء مجتمع أكثر استدامة، ويرجع ذلك جزئياً إلى العقبات العديدة التي تواجهها. كانت هذه النجاحات نتيجة للجهود والابتكار وريادة الأعمال من جميع مستويات المجتمع الكوبي، من الحملات التي تقودها الدولة إلى التعاونيات والشركات والمجتمعات المنظمة والأفراد.
كانت كوبا في سياق ندرة الوقود الأحفوري رائدة في أشكال مختلفة لتوفير الطاقة، وإنتاج الطاقة البديلة. ولولا الحصار، لكان من الممكن أن تستورد كوبا النفط بسهولة من الولايات المتحدة، فضلاً عن منتجين آخرين قريبين جغرافياً. ومع ذلك فإنّ الشحن مُقيّد: فلا تستطيع الناقلات وسفن الشحن الوصول إلى الموانئ الأمريكية إن هي وقفت ورست في كوبا. وفي الفترة بين سقوط الاتحاد السوفييتي وظهور الحليف الفنزويلي، كان على الاقتصاد الكوبي أن يتعلّم كيفية العمل بالقليل من النفط. وحتّى بعد الثورة البوليفارية في فنزويلا، فبسبب العقوبات الأمريكية على فنزويلا والأزمة الاقتصادية، ما صعّب على كوبا استيراد ما يكفيها من النفط. تستورد حالياً نفطها من روسيا، ومؤخراً من المكسيك، لكنّها تدفع أثماناً مرتفعة مقابله كونها خاضعة للحظر الأمريكي.
ورغم أنّ كوبا نفسها منتجة للنفط والغاز، إلّا أنّها تنتج فقط 38 ألف برميل من النفط يومياً، بينما تستهلك 156 ألف برميل. كما أنّ تكرير النفط الخام أمر شديد الصعوبة بسب العقوبات الأمريكية. كما أنّ الجزيرة الكوبية هي واحدة من العديد من الدول الأكثر تضرراً من تغيّر المناخ. لهذه الأسباب ولأسباب أخرى غيرها باتت الاستدامة الاقتصادية على رأس جدول أعمال هافانا لسنوات طويلة.
تُظهر بيانات جامعة ليدز، والصندوق العالمي للحياة البرية، وشبكة البصمة العالمية، ومؤشر التنمية المستدامة، بأنّ كوبا من بين الدول الرائدة في سدّ الفجوة بين التنمية البشرية والاستدامة. قالت شبكة «البصمة العالمية»: إنّ ثمانية بلدان فقط هي التي استوفت الحدّ الأدنى من معايير التنمية المستدامة، من بينها كوبا. كمثال، قامت كوبا في حملة عام 2006، وعلى مدار ستّة أشهر، بتغيير 9 ملايين مصباح كهربائي متوهج مجاناً إلى مصابيح فلورسنت مدمجة. تعتبر الإضاءة بفتيل التنغستين أقلّ كفاءة. ينتج المصباح الكهربائي 15 لومن لكل واط من الطاقة المدخلة مقابل 50 إلى 100 للفلورسنت. كما أنّ له عمراً أطول بعشر مرات. وقد عُرضت على الكوبيين أجهزة مدعومة الثمن وأكثر كفاءة في مجال الطاقة، بما في ذلك ما يقرب من مليوني ثلاجة، وأكثر من مليون مروحة، و182 ألف مكيّف هواء، و260 ألف مضخة مياه.
كما تُظهر دراسة بين أكاديميين كوبيين وأمريكيين بأنّ استهلاك الكهرباء المنزلي ارتفع بنسبة 142٪ بين عامي 1990 و2014، وإجمالي توليد الكهرباء بنسبة 29٪، وذلك على الرغم من انخفاض إجمالي الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون بنسبة 14٪. وقد أجريت الدراسة باستخدام بيانات وكالة الطاقة الدولية، واللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة لأمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي. ورغم أنّه لا يزال إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة ضئيلاً للغاية، حيث يبلغ 4.5٪ من الشبكة الوطنية، ولا يزال النفط والغاز يشكلان الجزء الأكبر من توليد الطاقة، فالأمر الذي يعدّ الأكثر أهميّة في حالة كوبا، هو تحقيق النتائج المستدامة عبر كفاءة استخدام الطاقة. على سبيل المثال: لا تحتاج سخانات المياه الشمسية إلى كهرباء، كما أنّ الزراعة تقلل الطلب على وسائل النقل والتبريد. لا يزال هناك العديد من التحديات، وكوبا متخلفة حالياً عن جدولها الزمني الخاص بها نحو المزيد من إنتاج الطاقة المتجددة. وفي هذه المرحلة، حددت الحكومة هدفاً بنسبة 24٪ لعام 2030.
ماذا لو؟
دعونا نتخيّل، لو فعلنا ما فعله الكوبيون في مكان آخر. كمثال، أبرزت كليّة لندن للاقتصاد بأنّ «الأسر في المملكة المتحدة استخدمت طاقة أقل بنحو 30٪ في عام 2017 عمّا كانت عليه في عام 1970، ويرجع ذلك إلى حدّ كبير إلى سياسات كفاءة استخدام الطاقة». أشار التقرير أيضاً إلى انتقادات للتدابير التي تمّ اتخاذها بشكل فاتر. لدى البلدين ظروف مختلفة، ومع ذلك يقدم التقرير لمحة عن تأثير كفاءة استخدام الطاقة. ماذا لو تمّ الالتزام بجديّة بهذه التدابير؟
كما شجّعت كوبا زراعة الأغذية محلياً، بما في ذلك في المناطق الحضرية. شمل ذلك المزارعين من القطاع الخاص والتعاونيات والجهات الفاعلة الحكومية. أدى ذلك إلى ارتفاع الزراعة العضوية وتقريب الإنتاج والاستهلاك من بعضهما البعض. ويتعلّم صغار المزارعين من جميع أنحاء العالم النامي من الأساليب التي تمّ تطويرها في هذه الجزيرة الكاريبية. وقد يبدو هذا ذا أهمية ضئيلة في الولايات المتحدة أو أوروبا، ولكن عملهم يشكل أهمية بالغة في إطعام وتوظيف مئات الملايين من البلدان النامية.
وفي هذا القطاع، نشر الصندوق العالمي للطبيعة أيضاً تقارير مختلفة حول جوانب مختلفة من حماية البيئة في كوبا. تعدّ هافانا موطناً لمليوني نسمة، كما أنّها مليئة بالمزارع الحضرية. تنتج هافانا ما بين 45 إلى 100٪ من الخضراوات الطازجة في البلاد «تقديرات سنوية مختلفة»، وما يصل إلى 20٪ من إجمالي الأغذية الطازجة الوطنية. يرجع التباين الكبير إلى الأحداث الجوية والأسعار وتوافر الواردات. ويقدّر الخبير الاقتصادي سينان كونت أنّ «أكثر من 35 ألف هكتار من الأراضي تُستخدم في الزراعة الحضرية في هافانا».
كما أنّ الكوبيين أسياد في الابتكار، في إعادة استخدام وإصلاح وإعادة تدوير كلّ ما يمكنهم الحصول عليه من الواردات. يتأثر الإنتاج الكوبي بالعقوبات بشكل رئيسي، ما يعني بأنّ كوبا غير قادرة على إنشاء قطّاع تصنيعي قوي. يثبت هذا وجود إمكانات مهمّة لدى كوبا، خاصة أنّ الكثير من الابتكارات التي تحدث اليوم تأتي بسبب المشقّة، وليس التفكير التنموي الحر غير الممكن بسبب العقوبات.
ماذا لو قمنا بدلاً من إجبارنا على أن نكون أكثر استدامة بتحفيز الابتكار في جميع أنحاء العالم؟ هل يمكننا أن نأخذ الأفكار ذاتها في سياق مختلف؟ في كوبا فضّلوا الطاقة الشمسية نظراً لمناخهم، من الألواح إلى سخانات المياه. في أماكن أخرى ستكون الطاقة الحرارية الأرضية، أو الطاقة الكهرومائية، أو النووية، أو الهيدروجينية، أو غيرها.. هي الطريقة الأنظف والأكثر فعالية من حيث التكلفة. وبالمثل، هناك طرق للحفاظ على الطاقة، مثل: استخدام طرق البناء للتبريد، بينما في أماكن أخرى يجب على المهندسين المعماريين متابعة العزل. هل يمكننا أن نتصور الابتكارات التي قد نحصل عليها بإلهامٍ من الكوبيين، والدروس التي لا يمكننا تجاهلها من تجاربهم؟ اقتصاد الاستدامة الكوبي هو التجربة التي حصلوا عليها بدافع الضرورة، والتي يجب على الجميع تبنيها.
بتصرّف عن:
Can We Learn From Cuba’s Sustainable Revolution?
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1139