المنافسة مع الصين على السيارات الكهربائية والهجينة
تشين جينغ تشين جينغ

المنافسة مع الصين على السيارات الكهربائية والهجينة

ظنّ الأوروبيون بأنّهم الأكثر كفاءة للانخراط في مجال السيارات ذات الانبعاثات المنخفضة، لكنّهم فوجئوا بأنّ سوق السيارات قد تغيّر بشكل جذري عندما نظروا إلى البيانات الصينية. فمن وجهة نظر سوق السيارات الكهربائية العالمي العام الماضي 2022، بلغ إجمالي مبيعات الصين للسيارات الكهربائية الخالصة والهجينة 6,887 مليون وحدة، وهو ما يمثّل 63,6٪ من الحصّة العالمية. بلغت حصّة أوروبا 24٪ من السوق العالمي مع نسبة محترمة 2,6 مليون سيارة، واحتلّت الولايات المتحدة 9.2٪ من الحصة العالمية بمليون سيارة، بينما لم تسجّل بقية الأماكن في العالم سوى 3.2٪ مع عدد متواضع 350 ألف سيارة.

ترجمة: قاسيون

ليس هذا فقط، بل إنّ مركبات الطاقة الجديدة في الصين قوية جداً من جميع النواحي، فالسيارات الكهربائية في الصين هي الأساس في سلسلة الصناعة بأكملها مع وجود أنواع عديدة وأداء عالي الفعالية، وشحن سريع، ومظهر جيد. سوق السيارات العالمي مجزأ للغاية، ومن المستحيل على عدد قليل من الشركات احتكار السوق. بلغت مبيعات السيارات الكهربائية في 2022 ما قيمته 388 مليار دولار، وهو ليس بالرقم الكبير. لكن على مدى السنين العشر القادمة ستتخطى المبيعات عشرات الترليونات من الدولارات. إنّ استبدال السيارات العادية بسيارات كهربائية على مستوى المستهلك العادي قد يكون أبرز تحدِّ صناعي في الاقتصاد العالمي في المستقبل. ستحتلّ شركات السيارات الكهربائية حصّة سوقية كبيرة، ما سيعني تحدياً لشركات السيارات الأوروبية.

قد يكون التحدي الذي يمثله نظام الموردين أكبر على الأوروبيين. تعتبر مكونات مركبات الوقود معقدة، وتشكل مكونات مجموعة نقل الحركة، مثل: المحركات وعلب التروس وأنظمة العادم والوقود حوالي 25 إلى 30٪ من التكلفة الإجمالية. نظام الطاقة في السيارة الكهربائية أبسط بكثير. اختفت أنظمة خزان الوقود والحقن والعادم، ولا يلزم سوى ناقل حركة أحادي السرعة. ومع ذلك فقد ارتفعت نسبة تكلفة نظام الطاقة من التكلفة الإجمالية إلى 30-40٪، من ضمنها البطارية التي تمثل 20-30٪. أصبح بذلك مورد البطاريات هو المفتاح الرئيس في الصناعة.

شكّل محرك الديزل- الذي يتقن الأوروبيون صناعته- ميزة تقنية وحاجزاً أمام منافستهم، لكنّه سيضيع عمّا قريب، وسيكون عليهم التعاون مع موردي البطاريات العالميين الرئيسيين. هذا مجال تقني جديد كلياً، حيث تتحكم الشركات الصينية في حوالي ثلثي إمدادات بطاريات الطاقة في العالم. حتّى إذا ما استثمر صانعو السيارات العالميون بكثافة في الطاقة الإنتاجية للبطاريات، فعادة ما يحتاجون إلى التعاون مع الشركات المصنّعة المحترفة، وهذا يمثل تغييراً كبيراً في نظام الموردين.

يوجد أكبر عشرة مزودين لبطاريات طاقة السيارات في العالم في شرق آسيا. هناك 6 شركات منها في الصين، والتي شكلت معاً في أوّل أربعة أشهر من هذا العام 2023 نسبة 62.3٪ من الإنتاج العالمي، في تحسن عن نسبة 55.6٪ عن الفترة نفسها من العام الماضي 2022. تحوي كوريا الجنوبية على ثلاث شركات شكّلت مجتمعة نسبة 23.4٪ من الإنتاج، بينما الشركة الوحيدة في اليابان بلغ ناتجها 8.2٪. استحوذت بقية الشركات على 5.9٪ من الإنتاج العالمي، ومعظمها موجود في الصين. تبذل الشركات الكورية الجنوبية واليابانية جهوداً كبيرة، ومعدل نموها السنوي يكاد يواكب متوسط النمو في الصناعة، ولكن الفجوة مع الشركات الصينية ليست بالصغيرة.

واقع الأسواق والاختلافات

عندما يتعلق الأمر بالأسواق، داخل وخارج الصين، يصبح النمط مختلفاً، فمكان صناعة البطارية لا يهم بقدر استطاعة البطارية التي يتمّ تركيبها. داخل الصين قامت الشركة الكورية «ال. جي» واليابانية «باناسونيك» بتركيب 2٪ من البطاريات، بينما قامت الشركات الصينية بتركيب 98٪ منها. خارج السوق الصينية، تصبح حصة شركات البطاريات الصينية 31.7٪، في زيادة بمعدل 7.3٪ عن أوّل ربع في عام 2022. جاء ذلك على حساب تقلّص حصة الشركات الكورية الجنوبية بمعدل 6٪ لتصبح 47.4٪ من الحصة العالمية. لكن لا تزال الشركات الكورية الجنوبية هي المهيمنة عالمياً، والشركات اليابانية تأتي في المركز الثالث بنسبة 18.5٪. يعني هذا، أنّ شركات السيارات العالمية لا تزال تتعامل مع الشركات الكورية الجنوبية بأكبر نسبة، بينما تستفيد الشركات الصينية من الميزة المطلقة في السوق المحلية الكبيرة جداً.

تشير الأرقام إلى أنّ شركتي «BYD» و«Ningde Times» الصينيتين لديهما معدلات نمو شديدة الارتفاع في الأسواق خارج الصين، وأنهما ستتخطيان بشكل حتمي منافستيهما الكوريتين. العامل الأكثر تأثيراً هنا، هو أنّ معدل استخدام بطاريات فوسفات معدن الليثيوم في أوروبا منخفض. شركات البطاريات الصينية تستثمر أيضاً في بناء معامل البطاريات في أوروبا. في نهاية 2019 افتتحت شركة CATL الصينية معمل بطاريات في ألمانيا، وبدأ عملياته بداية هذا العالم، ليصبح أول معمل بطاريات كبير الإنتاج في أوروبا الغربية. بدورها شركة «Ningde Times» تستثمر 7,34 مليار يورو في هنغاريا لبناء معمل بطاريات عملاق، من المتوقع أن ينتهي إنشاؤه في النصف الثاني من هذا العام، ويبدأ عملياته خلال عامين أو ثلاثة.

بالحكم من الوضع الحالي، ستحتاج مصانع البطاريات الأوروبية بشكل رئيسي إلى موردين آسيويين للاستثمار. ذكرت وكالة رويترز أنّه بحلول عام 2030 سيأتي حوالي 44٪ من طاقة إنتاج البطاريات المخطط لها في أوروبا من الشركات الآسيوية، مع قيادة «Ningde Times» لهذا الاتجاه، الأمر الذي يزيد من مخاوف السياسيين الأوروبيين بشأن «الاعتماد المفرط على الشركات المصنعة الأجنبية للتكنولوجيا الرئيسية». لكن هذه المخاوف تواجهها إمكانية السوق الصينية الداخلية الهائلة.

85٪ من السيارات الأوروبية التي تُباع في السوق الصينية يتمّ إنتاجها من قبل شركات مشتركة في الصين، مع قرابة 4 ملايين سيارة سنوياً، ممّا يشكّل قرابة 20٪ من السوق. سيتأثر هذا العدد الهائل بموجة السيارات الكهربائية. من بين أفضل 20 طرازاً كهربائياً مبيعاً في 2022، هناك نموذج واحد فقط هو مشروع مشترك بين الصين وأوروبا. تتزايد نسب السيارات الكهربائية من مبيعات السيارات الجديدة في الصين. في أيار 2023 بلغ حجم مبيعات سيارات الطاقة الجديدة 717 ألف. مع هذا الاتجاه ستنخفض الحصة السوقية للسيارات الأوروبية حتماً. قامت بعض شركات السيارات الأوروبية بتخفيض حصتها إلى عدد صغير جداً، معتقدة بأنّ السوق الصينية صعبة للغاية، وقد انسحب بعضها بالفعل، مثل: رينو، أو تفكر بالانسحاب، مثل: بيجو وستروين. لكن بعض الشركات لديها اهتمامات كبيرة ومستعدة لاستثمار المزيد في الصين، مثل العديد من شركات السيارات الألمانية التي ترى بأنّ «الصين موطن واعد لها».

أصدرت مؤسسة «أليانز للأبحاث» دراسة عن التأثير المحتمل لصعود السيارات الصينية على أوروبا. كان الافتراض الرئيسي، أنّ شركات السيارات الصينية ستحتلّ 75٪ من السوق المحلية في 2030، والمصدّرون الصينيون سيحتلون 10٪ من السوق الأوروبية. يبدو هذا التنبؤ متماشياً مع الصيحة الحالية العالمية. على الصعيد الآخر ستخسر السيارات الأوروبية في السوق الصينية قرابة 1.9 مليون من مبيعاتها، لتنخفض بمعدل 39٪. من بينها السيارات الأوروبية التي يتمّ تصنيعها في الصين، والتي كانت 4.4 مليون في 2022، ويتوقع أن تصل إلى 2.7 مليون في 2030، وسينخفض الاستيراد من أوروبا من 480 ألف إلى 290 ألف في الفترة ذاتها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1129
آخر تعديل على الأربعاء, 19 تموز/يوليو 2023 20:52