النقل الصيني الروسي: نموذج للتعاون في الظروف الجيوسياسية الجديدة
تأثر وضع التجارة الروسية - الصينية في عام 2022 بشكل كبير بعوامل مثل القيود المختلفة الناجمة عن مكافحة جائحة كوفيد، وتقلبات الأسعار في أسواق السلع والمواد الخام العالمية، بما في ذلك الطاقة. بالإضافة إلى ذلك، واصلت السلطات الصينية التعامل مع الأزمة في قطاع الطاقة لديها، والتي تسببت في انقطاع التيار الكهربائي بشكل خاص في معظم مناطق البلاد في أيلول وتشرين أول 2021. حيث قامت الحكومة المركزية والحكومات المحلية في الصين بزيادة حجم واردات الفحم. وهكذا، في النصف الأول من عام 2022، زادت شحنات منتجات الفحم الروسية من جميع الدرجات إلى الصين من حيث القيمة بنسبة 87.4% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، من 2.375 مليار دولار إلى 4.45 مليار دولار.
على هذا النحو، زادت روسيا صادرات المنتجات الزراعية إلى الصين بنسبة 44% من حيث القيمة. وزاد الحجم المادي للإمدادات بنسبة 36%. بفضل ذلك، استعادت الصين مكانتها كأكبر مشترٍ للمنتجات الزراعية والغذائية الروسية التي فقدتها مؤقتاً في عام 2021 ، ولا تزال المستورد الرئيسي للزيت الروسي ولحوم الدواجن ولحم البقر وفول الصويا والشوفان وبذور الكتان (حيث زادت شحنات المنتجات الزراعية إلى 7 مليارات دولار).
طرقات العبور أهم سبب لنمو العلاقات التجارية
كان أحد محركات النمو السريع في العلاقات التجارية هو مشروع Eurasian Agroexpress (أحد مشاريع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي)، والذي يهدف إلى زيادة المعروض من المنتجات الزراعية إلى الصين بكمية تصل إلى 500 ألف طن على المدى المتوسط وما يصل إلى 1 مليون طن / سنوياً بحلول 2030-2035.
في الاتجاه الغربي، استمر حجم حركة الشحن بالسكك الحديدية في النمو، بسبب الترابط الكبير بين اقتصادات الاتحاد الأوروبي والصين، والذي يحدده حقيقة أنه لا بديل عن روسيا باعتبارها الطريق القاري الرئيسي والوحيد عملياً للنقل بالسكك الحديدية بين الصين وأوروبا. أما في الاتجاه الشرقي، وبسبب العمل المكثف للموانئ البحرية الروسية، بدأت الصين في تقديم مساعدة كبيرة لروسيا، مما زاد بشكل كبير من حجم العبور عبر نقاط التفتيش في الشرق الأقصى ودمج شبكات النقل الروسية تدريجياً في ممر العبور البري والبحري عبر غرب الصين إلى دول جنوب شرق آسيا.
كما تطور التعاون بين البلدين بشكل حيوي في نقل الهيدروكربونات، وقدمت روسيا المساعدة للصين من خلال خلق طرق جديدة لنقل النفط والغاز، فضلاً عن توفير خصومات كبيرة للواردات الصينية من الهيدروكربونات. وفي ربيع عام 2022، تم إعادة توجيه قطارات الشحن التي تتبع الخط الجنوبي لطريق السكك الحديدية بين الصين وأوروبا (الذي يمر عبر أراضي أوكرانيا) إلى البنية التحتية للسكك الحديدية الروسية، ثم انتقلت إلى الدول الأوروبية عبر نقطة التفتيش البيلاروسية البولندية (بريست- مالاشيفيتشي).
الأرقام توضح طبيعة الارتفاع في المرور
في عام 2022، سار 16,000 قطار شحن على طول طريق السكك الحديدية بين الصين وأوروبا (منها 1,165 قطاراً مرت عبر نقطة تفتيش ألاشانكو - دوستيك على الحدود مع كازاخستان، والتي كانت أكثر بنسبة 16.5% مما كانت عليه في عام 2021) ، والتي نقلت 1,6 مليون حاوية، وهو ما يزيد بنسبة 10% عن عام 2021.
وفي نهاية عام 2022، فقد ربط طريق الصين وأوروبا 108 مدن صينية بـ208 مدينة في 25 دولة أوروبية، ونقل أكثر من 50,000 نوع من البضائع، بما في ذلك منتجات تكنولوجيا المعلومات والسيارات وقطع الغيار والمواد الكيميائية والسلع الميكانيكية والإلكترونية.
غطت شبكة التوزيع اللوجستي القارة الأوراسية بأكملها، وزادت حصة نقل البضائع بالسكك الحديدية في إجمالي التجارة الخارجية بين الصين وأوروبا من 1.5% إلى 8% في عام 2022 على مدى السنوات الخمس الماضية. وتجاوز حجم حركة الترانزيت من الصين باستخدام البنية التحتية للسكك الحديدية الروسية 1.25 مليون حاوية في عام 2022.
وفي عام 2022، مرّ 4,818 قطار شحن بين الصين وأوروبا عبر أهم نقطة تفتيش للسكك الحديدية الروسية الصينية (مانتشولي-زابايكالسك) بزيادة قدرها 37.6% عن عام 2021، والتي نقلت 382,058 حاوية بمبلغ إجمالي قدره 48.66 مليار يوان (حوالي 7 مليارات دولار) - أي بزيادة قدرها 38.6% مقارنة بعام 2021.
روسيا تعمل على تحسين كفاءة النقل مع الصين
في مجال النقل التجاري الخارجي لروسيا، يحتل الطريق الصيني الروسي حالياً مكانة رائدة من حيث حركة الشحن، حيث يستقبل حوالي 75% من إجمالي حركة الشحن في الحاويات. ولزيادة حجم النقل في حركة المرور حددت الحكومة الروسية المهام الرئيسية التالية:
1. زيادة سرعة قطارات الترانزيت، والحاويات، وتشكيل شبكة أساسية من البنية التحتية للمحطات، وإدخال قطارات الحاويات المزدوجة وزيادة عامل الحمولة. حيث من المهم زيادة الصادرات المحملة من روسيا عبر الطرقات الفرعية لكازاخستان مع الصين، حيث هنالك قاعدة شحن روسية كبيرة للصادرات إلى كازاخستان والعبور إلى الصين. (في نهاية عام 2022، مدّدت الحكومة الروسية الرسوم الصفرية على شراء الحاويات لعام 2023 بأكمله للقضاء على نقص الحاويات الذي نشأ مع انسحاب خطوط الشحن الدولية لأسطول الحاويات الخاص بها من روسيا).
2. تحسين كفاءة المعابر الحدودية القائمة.
3. إنشاء نقاط تفتيش جديدة ومرافق بنية تحتية عابرة للحدود.
4. تطوير الدعم الرقمي لعملية النقل.
التركيز الأكبر على النقل بالاستفادة من طريق سيبيريا
منذ نيسان 2022، بدأت شركات النقل الصينية CRS وCRCTC في شحن السيارات الصينية من داليان (مقاطعة لياونينغ) إلى محطة السكك الحديدية في مركز Berelast اللوجستي في روسيا. حيث تم شحن السيارات من ميناء نينغبو-تشوشان (مقاطعة تشجيانغ) إلى داليان لأول مرة، واستغرق الأمر 20 يوماً لنقل السيارات إلى سكة حديد Elektrougli TLC، التي تقع على بعد حوالي 70 كم من موسكو، مما وفّر 15 إلى 20 يوماً مقارنة بالشحن البحري (في المجموع، يمثل الشحن البحري 80% من التجارة العالمية من حيث الأحجام المادية و70% من حيث القيمة، في حين أن أكبر 30 ميناء تمثل 50% من حجم التداول).
ووفقاً لخبراء السكك الحديدية السريعة بين الصين وأوروبا، فإن «إدخال جدول زمني ثابت على الطريق الأوراسي في النصف الثاني من عام 2023 سيقلل من وقت السفر إلى 10 أيام ويزيد من القدرة التنافسية لقطارات الشحن بين الصين وأوروبا».
وبحسب شركة النقل الوطنية الرائدة للركاب والشحن في الصين CSRGC، تم رفع القيود المفروضة على نقل المركبات الكهربائية بالسكك الحديدية في أوائل عام 2023، ما سيضمن نمو حجم النقل الدولي للسيارات «الخضراء» إلى روسيا والدول الأوروبية بواسطة قطارات شركة السكك الحديدية الصينية China-Europe Railway Express.
في أوائل عام 2023، أصبح النطاق الشرقي للسكك الحديدية العابرة لسيبيريا الوجهة الأكثر ازدحاماً لشحنات التصدير الروسية. وفي الشهرين الأولين من عام 2023، من إجمالي حجم شحنات التجارة الخارجية البالغ 37.8 مليون طن، زادت الصادرات عبر هذا الطريق إلى 29.2 مليون طن، وزاد حجم حركة المرور إلى الصين إلى 26.9 مليون طن.
الربط مع آسيان على جدول الأعمال الروسي الصيني
في نهاية عام 2022، تم افتتاح طريق جديد للنقل متعدد الوسائط للبضائع من الصين ودول الآسيان إلى الجزء الأوسط من روسيا. حيث غادرت سفينة حاويات محملة بقطع غيار السيارات ميناء تشينغداو الصيني ووصلت إلى فلاديفوستوك بعد أربعة أيام، وتم إرسال الحاويات إلى موسكو عبر السكك الحديدية العابرة لسيبيريا.
وفقاً لخبراء اللوجستيات الصينيين، يوفر النقل متعدد الوسائط (البحري البري) والموانئ على الساحل الشرقي للصين زيادة بمقدار 3 أضعاف في سعة الطريق، ويتم تقليل وقت النقل إلى النصف مقارنة بالنقل البحري التقليدي.
كما ساهم نمو حركة قطارات الشحن بين الصين وأوروبا في تطوير النقل متعدد الوسائط وزيادة حجم الاستثمار من قبل الشركات الصينية في روسيا. وهكذا، في عام 2017، قامت مجموعة ميناء لياونينغ والسكك الحديدية الروسية ببناء مركز النقل والخدمات اللوجستية الروسي، وهو أول مشروع رئيسي للتعاون في البنية التحتية اللوجستية بين البلدين. حيث تسمح المؤسسة بوضع حوالي 750,000 حاوية وتلبية ثلث احتياجات حركة الحاويات العابرة في موسكو.
فوق ذلك، في عام 2022، تم تجهيز جميع القطارات بقاطرات يمكن أن تصل سرعتها إلى 120 كم/ساعة وتحمل ما معدّله 50 حاوية. ومن أجل زيادة كفاءة حركة المرور العابر في عام 2022، خفضت إدارة الجمارك في أورومتشي، باستخدام إدارة الوثائق الإلكترونية، وقت معالجة معاملات القطارات عند المعابر الحدودية لليغور من 3.5 ساعة إلى نصف ساعة.
التجهيز للعمليات الجديدة على طرقات النقل في 2024
في 4 آذار 2023، تم تشغيل مركز جديد لتوحيد البضائع لقطارات الصين وأوروبا في شنيانغ (عاصمة مقاطعة لياونينغ في شمال شرق الصين)، وتم إرسال أول قطار به 55 حاوية من قاعدة بوهي اللوجستية في شنيانغ عبر معبر زابايكالسك - مانتشولي الحدودي إلى Bezymyanka TLC في سامارا، التي تدار من قبل السكك الحديدية الروسية.
وفي 16 آذار 2023، غادر قطار شحن به 55 حاوية مليئة بقطع غيار السيارات ومواد البناء والأجهزة المنزلية محطة سكة حديد مافانغ في منطقة بينغو في بكين وأصبح أول قطار شحن يمر عبر نقطة تفتيش مانتشولي-زابايكالسك يربط بكين وموسكو، واستغرق الطريق بطول 9000 كم حوالي 18 يوماً.
ومن أجل زيادة حجم حركة المرور العابر في إطار مبادرة الحزام والطريق، تدرس مجموعة السكك الحديدية الوطنية الصينية الحكومية إمكانية تعزيز دور أكبر أربعة مراكز لوجستية على طريق الصين وأوروبا (محطة سكة حديد مافانغ في بكين، ومحطة سكة حديد Xingang-Xingang في تيانجين، ومحطة سكة حديد Xingangbei، ومحطة سكة حديد Gaoyi في شيجياتشوانغ) في تطوير تكامل البنية التحتية لبكين وتيانجين ومنطقة خبي والجزء الأوروبي من روسيا.
وفي 20 آذار 2023، تم افتتاح طريق قطار شحن مباشر جديد من وسط الصين إلى روسيا: حيث غادر قطار به 110 حفارات أنيانغ (مقاطعة خنان) ووصل في 18 يوماً إلى موسكو. ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف حركة البضائع بين الجانبين الروسي والصيني، بينما يجري العمل دون كلل أو ملل لترتيبات جديدة خلال عام 2024. وذلك بالاستفادة من استمرار الغرب في عمليات التضييق على الدول التي ترفض الخضوع للاملاءات الأمريكية، مما يجبر هذه الأخيرة للبحث عن الطرقات البديلة التي تخلقها القوى الصاعدة والتي فضلاً عن كونها آمنة من العقوبات والإملاءات، باتت أيضاً خياراً أكثر عملية وأقل من حيث التكاليف والوقت.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1128