القردة السريلانكية تهدد الدولار الأمريكي!
ديكلان هايز ديكلان هايز

القردة السريلانكية تهدد الدولار الأمريكي!

تشير الأخبار إلى أنّ سيرلانكا قد تصدّر أكثر من 100 ألف قرد إلى الصين، وأنّ ذلك قد يشكّل خنجراً آخر يدقّ في قلب الدولار الأمريكي. وقبل الانتقال إلى صادرات أخرى من بلدان أخرى، علينا الوقوف قليلاً عند تأثير القرود السريلانكية.

ترجمة: قاسيون

الاقتصاد السريلانكي ممزّق ويحتاج إلى كلّ بنسٍ يمكن الحصول عليه، ولأنّ قرود المكاو يتراوح ثمنها بين 4 و8 آلاف دولار للقرد الواحد، تتطلّع سريلانكا للحصول على ما بين 400 و800 مليون دولار من هذه التجارة الغريبة للرئيسات المنتشرة بشكل هائل يشبه الآفة في سريلانكا. تجارة القرود مجال عمل كبير، حيث استوردت الولايات المتحدة قرابة 500 ألف منهم لأسباب متنوعة «للأكل والمختبرات وحدائق الحيوان ...الخ» خلال السنوات القليلة الماضية. وبغض النظر عن سبب استيراد الصين لهذه القردة، فطلبها الهائل يظهر أنّها لاعب رئيسي في هذه التجارة.
لو كانت هذه صفقة عابرة، ولم تكن الصين وسريلانكا تعمقان علاقتهما لتصبحان شريكين تجاريين، لكان من المنطقي أن تدفع الصين ثمن الصفقة بالدولار الأمريكي الذي يمكن لسريلانكا أن تستخدمه لشراء البضائع من شركائها التجاريين، بما في ذلك الصين. لكن بما أنّ الصين وسريلانكا تخططان لأن تبقيا شركاء للأبد، فالطلب على اليوان الصيني في العاصمة السريلانكية كولومبو، وعلى الروبي السريلانكي في شنغهاي سيستمر بالنمو.
الروبي السريلانكي عملة مغلقة، ما يعني أنّ بيعها وشرائها ليس متاحاً خارج سريلانكا، والذي يحاول بنكها المركزي منحها الاستقرار. أدّى كوفيد وآثاره إلى تقليص التحويلات الخارجية بقرابة 20٪، والعائدات السياحية بقرابة 90٪، ما سدد ضربة إلى الاقتصاد السريلانكي. ومحاولات السلطات تقليص واردات الأسمدة انعكست سلباً على السريلانكيين العاديين، خاصة أنّ فوائد الدَّين السريلانكي تتخطى الـ 10 مليارات دولار. إنّ حالة سريلانكا «وأغلب الدول في الجنوب العالمي» قادرة على الإجابة عن السؤال البلاغي للرئيس البرازيلي لولا عندما قال: «لماذا لا يمكننا الإتجار بعملاتنا المحلية». فالعملة السريلانكية والمكسيكية والأرجنتينية وحتى البرازيلية هي من العملات «الغريبة» التي تعتبر ثانوية في التجارة الدولية، ولكن التي يؤدي ضعفها إلى أرباح كبيرة بشكل غير طبيعي للمؤسسات المالية البريطانية والأمريكية التي تتداولها.
سؤال بلاغيّ آخر للرئيس البرازيلي لولا من المهم الإجابة عنه هنا: «من الذي قرر أنّ الدولار هو العملة بعد اختفاء معيار الذهب؟»، والإجابة: الأمريكيون هم من قرروا ذلك عندما كانت البعثات من البرازيل والدول الأخرى حاضرة في بريتون وودز، وليست في موقع يسمح لها بالاعتراض. الجزء الآخر من سؤال لولا: «لماذا لا تستطيع البنوك، مثل: بنك بريكس امتلاك عملة لتمويل التجارة بين البرازيل والصين، وبين البرازيل وغيرها من الدول؟» فالسبب مرتبط بشكل أو بآخر بالقردة المكسيكية، مثل ارتباطه باقتصاد القردة.
ببساطة، جنى الأمريكيون حصاد الحرب العالمية الثانية أكثر من جميع الحاضرين الآخرين فيها. استبدل الدولار الباوند الإسترليني بوصفه عملة الاحتياطي العالمي. ورغم أنّ المحاضر تشير إلى أنّ «بنك إنكلترا» أصدر وعوداً لحاملي الباوند الإسترليني بمنحهم الفضة مقابله، فالأمر لم يعد يقتصر على ذلك. فطالما تمكن البنك من حمل الناس على قبول الأوراق التي يصدرها على أنّها موثوقة، لن تكون هناك مشكلة، ويمكن الاستمرار باستخدامها في التجارة.
الثقة في الأوراق أهمّ من الأوراق نفسها، هذا واقع الحال في إنكلترا وأمريكا والصين وسريلانكا أيضاً. إنّ امتلاك هذه الثقة والمصداقية جلب المنافع الهائلة للأمريكيين والبريطانيين والسويسريين واليابانيين والألمان والهولنديين الموجودين في قلب اليورو. إن تمكن الصينيون من تعبيد طريقهم إلى داخل هذه الدائرة السعيدة، سيكونون فخورين بأنفسهم على ذلك الإنجاز. إن تمكنوا من إقناع السريلانكيين بأخذ اليوان الصيني بدلاً من الدولار مقابل قرودهم، سيحمل هذا أخباراً جيدة لكلٍ من الصينيين والسريلانكيين.
وبالطبع، أخبار سيئة للأمريكيين الذين اعتادوا الانتفاع بشكل هائل من كلّ ذلك. هناك اليوم أكثر من 2000 مليار دولار أمريكي، مع وجود 25 إلى 60٪ من هذه الكمية خارج الولايات المتحدة (ملاحظة: هذا الرقم غير دقيق لأن الرقم المعلن في 2008 هو 1000 تريليون). إن تمكن السريلانكيون من عقد صفقة لبيع قرودهم مقابل اليوان، سيصبحون قادرين عندها على استخدام احتياطياتهم من الدولار لأغراض أخرى، كما فعلت اليابان في أهزل سنين ما بعد الحرب حين بدأت بتصدير الغيتارات وآلات الخياطة والدراجات الهوائية مقابل الدولار الأمريكي.
قوة أمريكا المالية تذهب أبعد من ذلك، حيث التجارة في أدوات الدَّين الأمريكي هائلة، والتجارة في مشتقات الذهب هي إلى حدّ كبير وكيل لسعر الفائدة الأمريكي، الذي يقرر قيمة أدوات الدَّين هذه، والتي كانت تعتبر تاريخياً ملاذاً آمناً من قبل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، وأيضاً روسيا التي تمّ بشكل إجرامي ومنهجي سرقتها من قبل الأمريكيين وخدمهم الأوروبيين الغربيين على مدى العام الماضي.
إنّ وضع الدولار كعملة احتياطية كان يسمح للأمريكيين بطباعة عدد لا محدود من الدولارات دون المعاناة من التضخم المفرط، وذلك بإلقاء العبء على البنك المركزي السريلانكي وبقيّة بنوك الجنوب العالمي، وكذلك البنوك المركزية في البلدان المتقدمة، حيث أنّ ألمانيا ليست غريبة عن هذا الشيء.
طالما أنّ الدولار الأمريكي هو العملة المختارة، يمكن للعم سام طباعة المزيد من الورق الأخضر، واستخدامها لشراء النفط العربي والسيارات اليابانية. البلدان الأخرى الوحيدة التي يمكنها مبادلة عملاتها المشبوهة مقابل بضائع محسوسة– مثل بلدان أوروبا الغربية– هي التي تحصل على خطوط تبادل مع الأمريكيين، تسمح لهم بمقايضة عملتهم «يورو أو باوند» مقابل الدولار. بالعودة إلى مثالنا الواضح عن الجنوب العالمي: سريلانكا، فهي لم تعد تستطيع فعل ذلك. فدون خطوط المبادلة مع الأمريكيين، فطباعة المزيد من العملة تعني تخفيض قيمة عملتها، وكما تدرك سريلانكا– أو أمريكا اللاتينية أو ألمانيا– بشكل جيد جداً، سيعني هذا تضخماً ومشاكل اجتماعية كبيرة. المسألة اليوم لم تعد إيجاد بديل عن الدولار، بل ما يحدث حقاً اليوم، هو أنّ اليوان الصيني والروبل الروسي وغيرها من العملات من «الدرجة الثانية» تدفع الدولار والعملات الحليفة معه خارج الساحة، كما يحدث في التجارة بالنفط الروسي، وعلى النسق ذاته: القردة السريلانكية.
ورغم أنّ اليوان يبدو خياراً منطقياً بالنسبة لسريلانكا، فهو ليس كذلك للدولار الأمريكي، أو للهولنديين الذين حاولوا انتزاع صناعة الألبان اليونانية، بعد تسبب تأرجح اليورو بانفجار اقتصاد اليونان الداخلي. لا يمكننا أن نتوقع منهم أن ينظروا بالعطف إلى الصينيين أو إلى مستعمراتهم السابقة. لكن للأسف ليس لسريلانكا، ولا للبرازيل ولا لبقيّة دول الجنوب العالمي- منفردة- القدرة على الوقوف في وجه تكتيكات التنمّر التي يعتمدها الناتو. لكن بالتحالف مع الصين وروسيا وإنجاز التجارة على طريقة القردة السريلانكيين، ستخدم هذه الدول نفسها، وتقدّم خدمة لبقية الدول في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا.
يمكن للتحالف الروسي- الصيني أن يوضّح المستقبل بشكله الأفضل. فإذا ما أخذنا سلعة النفط، فهي المثال الأبرز على قدرة تحالفات مناهضة الدولار على النجاح، فضخّ روسيا للنفط بأساليب سوقية سليمة قد يعني تحوّل معسكرها مع الصين مستقبلاً ليس فقط لضبط أسعار النفط العالمية، بل أيضاً المضي أبعد من ذلك.

بتصرّف عن:
100,000 Sri Lankan Monkeys Threaten the Yankee Dollar

معلومات إضافية

العدد رقم:
1119
آخر تعديل على السبت, 06 أيار 2023 22:25