في أزمة الدولار.. من سيكون وقود «الفرن»؟
إيلينا بوستوفويتوفا إيلينا بوستوفويتوفا

في أزمة الدولار.. من سيكون وقود «الفرن»؟

منذ شباط العام الماضي زاد البنك المركزي الروسي حجم الذهب النقدي في احتياطياته بمقدار مليون أوقية «31 طن»، وهذا مهم ليس من أجل تخفيف اعتماد النظام المصرفي على الدولار، بل من أجل تأمين الوقت الكافي لإعادة الحياة إلى الاقتصاد الروسي الذي يجب أن يواجه تداعيات انهيار الاقتصاد العالمي القادمة.

ترجمة: قاسيون

لا أحد ممّن يراكم الثروات غافل عن حقيقة اقتراب هذا الانهيار، وأصحاب المدخرات يقرعون ناقوس الخطر، وهم في عجلة لمقايضة العملات معهم بالذهب. المعنى البسيط هنا: قيمة جميع الدولارات واليورو والين واليوان والروبل وغيرها من الأوراق النقدية مضمونة فقط بسبب الثقة العمياء بأنّها «باقية»، وما نستخدمه كلّ يوم في حساباتنا من هذه الأوراق النقدية ليس مدعوماً بأيّ شيء، سوى بقناعتنا بأنّها تستحق شيئاً ما. لهذا السبب ينطلق الناس بسهولة في مغامرات حتى مع البيتكوين والعملات المشفرة الأخرى، مدركين مسبقاً أنّها لا تساوي شيئاً على الإطلاق، نظراً لعدم وجود حتّى تكلفة الورق المزود بآليات حماية ضدّ المزورين.
لكن بالعودة إلى قرع ناقوس الخطر، فمن بين هؤلاء الموجودين بالفعل فوق الجميع: منشأة «ذهب سويسرا Gold Switzerland» التي تمتلك أكبر مخزن ذهب وأكثره أماناً في العالم، والموجودة في جبال الألب السويسرية. زبائنها هم الأثرياء والشركات العائلية وصناديق التقاعد وصناديق الاستثمار والتروستات من 75 دولة، حيث تقدم لهم «ذهب سويسرا» خدمات حفظ ثروة استثنائية ومميزة. إنّها الشركة التي تملك أكبر قدر محسوس من الذهب والفضة في العالم لمستثمرين من خارج النظام البنكي، ذلك إن استبعدنا واشنطن بالتأكيد.
يبلغ عدد المشتقات المالية التي تصدرها البنوك 2 كوادرليون دولار. علاوة على ذلك راكم العالم ديوناً بمقدار 300 ترليون دولار، إضافة إلى بضع مئات تريليونات دولار من الالتزامات غير المضمونة. لنقارن الأرقام: في عام 1971 عندما فصل نيكسون الدولار عن الذهب، كان الدّين العالمي 4 ترليونات دولار، أمّا اليوم ونظراً لعدم اعتماد طباعة أية عملة على أيّ شيء، فقد سمح ذلك للجميع بطباعتها إلى أجل غير مسمّى، ليتضاعف الدّين العالمي في بداية الألفية 25 مرة، ويصل إلى 100 ترليون. في 2006 عند بدء الأزمة المالية العالمية، وصل الدّين إلى 120 ترليون، وفي 2021 إلى 300 ترليون.
في «قمّة القمّة» من العالم الغربي، في الولايات المتحدة، أشار التقرير الربعي الأخير للمشتقات المالية الذي يحضره مشرعو البنوك الوطنية الأمريكية: مكتب الرقابة المالية على العملة OCC، إلى أنّه اعتباراً من نهاية أيلول العام الماضي، امتلكت أربعة بنوك أمريكية «جي بي مورغان وغولدمان ساكس وسيتي بنك وبنك أوف أمريكا» 88,6٪ لجميع مشتقات النظام المصرفي الأمريكي المالية، وبلغ إجمالي المبلغ النظري لجميع البنوك 195 ترليون دولار.
في الوقت نفسه، بالكاد تخطّى الناتج الإجمالي العالمي العام الماضي 100 ترليون دولار. لا يمكن لأيّ اقتصاد سوق أن يوجد في مثل هذه الظروف، فالكارثة على وشك الحدوث وستقع لأنّ جميع هذه «المشتقات» المالية لم تخلق أيّة قيمة على الإطلاق: النظام يخلق المال من المال. يعني هذا أنّ هذه المشتقات ستتحول إلى ديون خلال الأعوام القليلة القادمة. سيكون على البنوك المركزية أن تغطي جميع الالتزامات القائمة للبنوك التجارية، كما حدث مع «كريدي سويس» وبنك إنكلترا. قائل هذه العبارة: «سيحدث هذا في جميع الاتجاهات، سواء كانت تسمى مشتقات أو ديون، فهي بقدر ما أفهمها الشيء ذاته. سيكون لهذا الأمر التأثير ذاته على النظام المالي العالمي، والذي سيكون كارثياً بكلّ تأكيد» هو إيغون فون غريرز، رئيس «ذهب سويسرا». ويذهب ملك الذهب في العالم إلى القول: «لن يتمكن أحد من سداد الديون، ولن يكونوا قادرين حتّى على سداد الفائدة.. لذلك عندما تنفجر فقاعة الديون، ستنفجر الأصول التي تمّ تمويلها بهذه الديون... كلّ ما أفكر فيه هو المخاطر، والنظام المالي لن ينجو بشكله الحالي».
يمكن للمتشككين أن يزموا شفاههم كما يشتهون، مصدقين بمنعة قوانين السوق. لكنّ هذه القوانين هي التي تقود إلى التدمير الذاتي لهذا الشكل من الرأسمالية العالمية الحالية. وأيّ أحد لا يرى ما يحدث سيخسر معظم الأصول التي يملكها، إمّا عبر بنك مفلس أو تخفيض قيمة العملة أو انهيار بنسبة 75٪ إلى 100٪ لجميع فقاعات الأصول، مثل: الأسهم والعقارات والسندات.

ما الذي ينقذك وينقذ العالم؟

ما الذي يمكنه أن ينقذك وينقل أموال العالم؟ شرطان: نقل الأصول إلى ذهب محسوس، وتخزينه خارج بنوك النظام العالمي المنهار.
الخبراء في «ذهب سويسرا» يمكنهم أن يروا بوضوح دون الكثير من الذكاء، بأنّ الناس حتّى في الدول الأكثر ثراء في أوروبا: المملكة المتحدة وألمانيا ومعظم الدول الثريّة، لا يملكون ما يكفي من المال للحياة. فمع ارتفاع أسعار الأغذية والطاقة والبنزين ومعدلات الفائدة والإيجارات بنسبة 25٪، لم يعد ما يحدث مجرّد ركود افتراضي، بل كارثة بشرية حقيقية واسعة النطاق. يقول فون غريرز: «لن يكون لدى الحكومات فرصة لفعل أيّ شيء حيال الأمر. وقت الانفجار يقترب لأنّ كامل النظام غير قادر على تحمله».
حتّى غير المختص يمكنه أن يدرك بسهولة، أنّ وراء انهيار بنك سيليكون فالي وبنك سينغتشور، وترنّح ثاني أكبر بنك: كريدي سويس، شيء أكثر من إدارة سيئة عبثت في إصدار قروض غير مضمونة. كان بنك كريدي سويس نفسه مريضاً لفترة طويلة وقد بات واضحاً عدم قدرته على الشفاء بعد سلسلة من الاستثمارات الفاشلة والتغييرات الإدارية كلّ عام تقريباً. إنّ الوضع صعبٌ لدرجة أنّ أيّ بنك لم يعد بإمكانه أن يعيش في شكله السابق، لهذا أعلنت السلطات السويسرية عن الحدث الذي يعني نهاية التاريخ المستقل لأحد رموز البلاد والنظام المالي الغربي: كريدي سويس. لقد بيع إلى منافسه يو. بي. اسUBS بمبلغ 3.3 مليارات دولار. إنّ تدخل الدولة في عملية البيع يعني بالنسبة لسويسرا نهاية تاريخ أحد مراكز التمويل العالمي. لكنّ هذا لا يعني بأنّه قد تمّ إنقاذ النظام المصرفي السويسري، فقد توجب إنقاذ الشركة القابضة يو. بي. اسUBS بالفعل في 2008، واليوم، ورغم حقيقة أنّ البنك المركزي السويسري قد استثمر 50 مليار فرنك سويسري في بنك كريدي سويس أثناء بيعه، لا تزال أسعار أسهمه تتهاوى لمستويات جديدة.
علينا أن نلاحظ، أنّ كلّ هذا يحدث في «مركز الأعمال العالمي»: سويسرا، التي تملك «أفضل» نظام سياسي في العالم، مع ديمقراطية مباشرة، ومستوى منخفض من الديون الاتحادية، وليس لديها عجز في الموازنة. إن تعثرت العملة الأجنبية الأكثر أماناً وعراقة في العالم، فما الذي يجب أن يتوقعه أولئك الذين شاركوا في النظام المالي العالمي في فترات أحدث؟
سيصبحون المواد التي يستهلكها «فرن» الأزمة الوشيكة إن لم يأخذوا «نقودهم» خارج هذا النظام ويحولوها إلى ذهب. هذه هي الطريقة الوحيدة والبسيطة للهروب. والحقيقة الصعبة للغاية: لا أحد يعرف عدد السنوات أو الأشهر أو الأيام المتبقية قبل حلول وقت الانفجار.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1117
آخر تعديل على الخميس, 13 نيسان/أبريل 2023 11:17