إيفرغراند: سقوط أم إنقاذ أم حلول أخرى؟
عادت أخبار إيفرغراند من جديد لتتصدّر العناوين مع إصدار السلطات الصينية أوامر لعملاق العقارات بهدم أحد أبرز مجمعاته السكنية. ومع عودة الأخبار، عادت وسائل الإعلام الغربية «لتنذر» الصينيين والأسواق العالمية بانهيار محتمل لسوق العقارات الصيني. بل وذهب بعضها أبعد من ذلك إلى التنبؤ بانهيار جزئي في الاقتصاد الصيني بأكمله. فما الذي يحدث حقاً؟
لنقف على الوقائع أولاً:
حذّرت إيفرغراند في شهر ديسمبر/ كانون الثاني الماضي من أنّ السيولة قد تنفذ منها بحيث لن تتمكن من مواكبة مدفوعات الديون والالتزامات الأخرى.
قامت إيفراغراند يوم الاثنين 4/1/2022 بتعليق تداول أسهمها في بورصة هونغ كونغ، قبل أن يتم استئنافها يوم الثلاثاء بارتفاع في سعر سهمها بنسبة 7,6%.
لم تتمكن الشركة من بيع أسهم تملكها بالسرعة الكافية للتمكن من سداد المدفوعات لحملة السندات. كما تمّ إيقاف العمل ببعض المشاريع بعد توقف المقاولين عن العمل بسبب عدم تلقيهم أموالهم. ثمّ أعلنت الشركة يوم الثلاثاء 5/1/2022 عن توقيعها عقوداً في 2021 مع مشترين لعقارات بقيمة إجمالية 442 مليار يوان.
أصدرت الحكومة المحلية لإقليم هاينان أوامرها لشركة إيفرغراند بهدم 39 بناء ضمن مجمّع للاستجمام على الأرخبيل الصناعي «جزيرة وردة المحيط» على ساحل دانزو. السبب في ذلك هو خرق شركة إيفرغراند لقوانين التخطيط المديني، والوسائل غير القانونية التي حصلت فيها الشركة على رخصة المشروع.
المجمع الذي أمرت السلطات بهدمه مكوّن من شقق منتجع فارهة، ومن مراكز للمؤتمرات. لم تنفِ إيفرغراند الاتهامات الموجهة إليها في تعليقها على الأمر على حسابها على تطبيق WeChat، ولكنّها سارعت إلى الإعلان بأنّ المجمّع الذي أصدرت السلطات أمراً بهدمه، منفصل عن بقية المشاريع في المنطقة ذاتها.
جاءت هذه الأحداث بعد عام من تشديد بكين القيود على الشركة العقارية، حيث وضعت قيوداً أكبر على تمويل المصارف والشركات العامة، علاوة على تشكيلها عدداً من اللجان الحكومية للمراقبة والتدخل في جزء من عمليات شركة إيفرغراند، وذلك ضمن برنامج معلن: المساعدة في كبح جماح ديون الشركة.
النظام المالي مستقر
أعلن يي غانغ، حاكم المصرف المركزي الصيني، بأنّ النظام المالي الصيني يسير بشكل مستقر، وبأنّ المخاطر المالية تحت السيطرة. وتحدّث عن تحسّن التوقعات لسوق العقارات بعد إجراءات التعديل الهيكلي. ربّما الأهم، هو قيامه بطمأنة المستثمرين الأجانب والتقليل من شأن ما تورده وسائل الإعلام الغربية.
أعاد غانغ التأكيد على أنّ سبب المشاكل التي تعاني منها الشركات العقارية– وكان يقصد إيفرغراند– يعود سببها إلى سوء الإدارة والتوسّع الأعمى وغيرها. وأنّ السلطات اتخذت إجراءات نشطة لحل مسألة المخاطر والحفاظ على استقرار سير الأمور، والأهم، تلبية احتياجات التمويل والمسجلين على المشاريع العقارية.
لكن ما الذي عناه غانغ بقوله: التعديل الهيكلي لسوق العقارات سيؤدي لتشكيل نموذج تنموي جديد للعقارات في البلاد، والتنمية السليمة للصناعة بأكملها؟
لا إنقاذ... ولا انهيار!
كانت السلطات الشيوعية الصينية حريصة في جميع مراحل التعامل مع أزمة إيفرغراند، بما في ذلك المرحلة الأخيرة، على ألّا تعطي إشارات على أنّها قد تتسامح مع تراكم ديون يهدد الاستقرار المالي للبلاد ولقطاعاته.
كان غانغ واضحاً في تصريح سابق أثناء رسالة إلى اجتماع رفيع المستوى عن مستقبل هونغ كونغ كمركز مالي دولي، بأنّ مشكلة إيفرغراند هي حدث مرتبط بالسوق، وأنّ التعامل معها سيكون بطريقة ذات توجّه سوقي.
أعلنت سلطات بكين في وقت سابق بأنّ الأولوية ستكون لضمان تسليم المسجلين على المنازل شققهم، ولضمان أموال المستثمرين الصغار داخل الصين، وهو الذي بدا وكأنّه في طريقه للتحقق بعد عودة إيفرغراند لدفع مستحقات العمال، ومباشرة العمل في شهر 12/2021. أمّا دائنو الشركة الأجانب فلم يحتلوا مكانة في أولويات بكين.
يبدو الحديث عن التعديل الهيكلي في سوق العقارات الصيني، والحفاظ على الوضع السوقي لمشكلة إيفرغراند أمران متناقضان قليلاً. حتّى موقع بلومبيرغ للأعمال أورد تحليلاً مرتبطاً بهذا الأمر، قال فيه بأنّ سلوك بكين وتصريحات مسؤوليها تعني بشكل واضح بأنّهم لن يقوموا بإنقاذ الشركة بالطريقة التي أنقذت فيها السلطات الأمريكية بنك ليمان بروذرز وغيره أثناء أزمة الرهون العقارية الأمريكية.
يبدو التأرجح بين تطمين المستثمرين الأجانب، وإسقاطهم من الحسابات، أمراً مربكاً لمتابعي مسألة إيفرغراند. لكنّه يبدو بالنسبة للبعض الآخر أمراً متوقعاً يعني شيئاً واحداً: جميع الخيارات مفتوحة بالنسبة لسلطات بكين، والعمل جارٍ حتّى الرمق الأخير لضمان عدم سقوط الشركة، لكن أيضاً دون القيام بإنقاذها على الطريقة الأمريكية.
الدَّين الخارجي والوطني
وفقاً للتقرير المالي لشركة إيفرغراند في 2021، فديونها الخارجية لمستثمرين أجانب بالدولار تبلغ بالكاد 19 مليار دولار. بينما ديونها المحلية هي 1,97 ترليون يوان (156,796,330,000 مليار دولار). لكن لا تزال هناك فرصة لتحويل الديون المحلية ومعالجتها، بينما من سيفعل ذلك على المستوى الدولي؟
يمكن عند جمع تصريحات ومراقبة سلوك البنك المركزي الصيني، ولجنة تنظيم الأوراق المالية الصينية، ولجنة تنظيم البنوك والتأمين الصينية، والسلطات المحلية لغواغنزو التي شهدت تظاهر العمّال والمستثمرين أمام مقرّ إدارة شركة إيفرغراند، أن نستخلص ثلاثة اتجاهات يجري العمل عليها.
أزمة إيفرغراند سببها إدارتها غير الكفؤة والمبالغة العمياء بالتوسع والاستثمار، وعليه فإدارة أكثر حكمة مطلوبة.
دائنو إيفرغراند خارج الصين هم مشكلة إيفرغراند، وهي مسألة متعلقة بالسوق والسلوك الاستثماري، ويجب أن تحلّ ضمن هذا الإطار. مع التأكيد على عدم وجود نيّة لعملية إنقاذ لإيفرغراند لا من جانب السلطات المركزية ولا المحلية.
أزمة إيفرغراند داخل الصين هي مسألة يجب التعامل معها بجدية، وذلك بوضع أولوية حماية مصالح الدائنين، وكذلك مشتري المنازل. لكنّ أزمة إيفرغراند تبقى حالة منفردة، ولن يتم السماح بأن تؤدي لإحداث آثار سلبية في سوق العقارات الصيني أو سوق الاستثمارات عامة.
إذاً يمكن أن نفهم، أن السلطات الصينية لا تنوي السماح بتأخير أزمة إيفرغراند، ولكنّها ليست مستعجلة لحلّها دفعة واحدة.
من الصعب على أحد التنبؤ بالكيفية التي سيتمّ فيها حلّ أزمة إيفرغراند، وعلينا أن ننتظر المزيد من الوقت لنحصل على إجابات، فهناك اليوم الكثير من العناصر المتشابكة في اللعبة، والكثير من المتغيرات.
لكن هناك بعض اليقينيات التي يمكن للمتابعين التأكد منها اليوم، وربّما أهمها: أنّ سوق العقارات الصيني قد وصل إلى نقطة النهاية فيما يخصّ توسعه الوحشي ونموه الذي دام عشرة أعوام. وأنّ شيو جياين وشركته إيفرغراند سيكونان كمثل أيقونة تثبّت هذا التحوّل.
بالنسبة للصيني العادي، لن يكون هذا بالخبر المزعج، ففي النهاية التحويل الهيكلي الذي تتحدث عنه سلطات بكين سيعني في حدّه الأدنى تدخلاً في عمليات السوق من قبل السلطات، وفي حدّه الأعلى إنهاء هذا السوق بالمعنى الذي كان الإعلام الغربي يراهن على إسقاط الاقتصاد الصيني من خلاله.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1052