أربعة أسرار سوداء عن الولايات المتحدة
لدى الولايات المتحدة مشكلات هيكلية عميقة، توضحت بعنف في العقود الماضية، الأمريكيون غير راضين عن نظامهم السياسي والاقتصادي، وأي حديث عن إصلاحات لن يكفي للقضاء على الانحطاط السياسي الذي سيستمر في التسارع، وفيما يلي أربعة أسرار مظلمة يجب على الأمريكيين مواجهتها وحلها إذا أرادوا تحقيق تقدم جوهري.
لا توجد ديمقراطية
الرئيس لينكون عرّف الديمقراطية على أنها: (من الشعب، عبره، وله)، وهذا بوضوح لا ينطبق على الولايات المتحدة، حيث الحكومة تصنع من السياسيين الأثرياء المدارين عبر لوبيات الشركات، ويصنعون سياسات للنخبة.
تستطيع أن تصوت بقدر ما تشاء، ولكن حتى السياسيون ذوو النوايا الجيدة لن يستطيعوا أن يدفعوا نحو تغييرات ذات معنى. وهذا بسبب ما أسماه فرانسيس فوكوياما «الفيتوقراطية» وهي قدرة الأغنياء والمتنفذين على وضع فيتو على كل ما لا يناسبهم. تستطيع أن ترى هذا واضحاً في انتخابات بايدن حيث: الضرائب على الشركات، إعفاء الطلاب من القروض، حد الأجر 15 دولاراً، الإنفاق على البنى التحتية وغيرها من الشعارات قد تمّ استبعادها أو تقليصها.
هنالك دراسة صادرة عن برينستون رصدت 1700 سياسة عامة وانحيازها خلال ثلاثة عقود، وكانت خلاصتها: الأغنياء يفوزون والغالبية تخسر.
الأمريكيون ليس لديهم الحرية ليصوتوا لطرف ثالث، لأن الأوليغارشيا الأمريكية كسولة لدرجة أنها لا تستطيع أن تدير أكثر من دميتين واحدة من الحزب الجمهوري والأخرى من الديمقراطي.
لا توجد سوق حرّة!
في السوق الحرة كما يقولون، يفترض ألّا يكون هناك استغلال لتدفق النقود، الحكومة يجب ألّا تموّل الشركات التي يفترض أن تكون مستقلة، ولا شيء من هذا صحيح في أمريكا.
البنك الفيدرالي يطبع تريليونات الدولارات من اللاشيء، ويضع أسعار الفائدة الأساسية للاقتصاد، ونحن عملياً في اقتصاد مخطط مركزياً حيث الأيادي المعلنة لا الخفية تحدد كل أعمدة السوق: طباعة المال، الهندسات المالية، التزوير في وول ستريت، والديون المتضخمة، قد حوّلت الرأسمالية ومقولة السوق الحر إلى مزحة.
فلنفكر بمسألة بسيطة: إذا اقترضت الحكومة دولاراً واحداً من المفترض أن يرتفع الناتج بمقدار دولار واحد! على اعتبار أن الإنفاق الحكومي يفترض أن يكون جزءاً من الناتج. ولكن هذا لا يحصل أبداً في أمريكا العام الماضي مثلاً الحكومة اقترضت 3 تريليونات دولار بأكبر قروض بتاريخها واستمر الناتج بالانخفاض. خلال عقد مضى بين 2009-2019 كانت الزيادة التراكمية في الناتج 7 تريليونات دولار، بينما كان الدين الفيدرالي قد ازداد بمقدار 11 تريليون دولار. والاقتصاد الأمريكي كالثقب الأسود تختفي فيه النقود. تريليونات من الدولارات قد انتقلت للحسابات البنكية للأوليغارشيا، بينما الأمريكيون يدفعون ثمن الدين. مؤخراً مثلاً ملفات IRS جديدة أظهرت أن مليارديرية مثل جيف بيزوس، أيلون ماسك، وبلمبرغ عادة ما دفعوا نسبة 0,1% ضريبة دخل فيدرالية بين 2014-2018 مثلاً.
جميع الشركات المساهمة الكبرى الأمريكية مربوطة ببعضها البعض بغيمة من مجالس الإدارة وبسلسلة من المساهمين الكبار فيها جميعاً. وربما يصح أن تقلب أسماءها جميعاً إلى ONE CORP (ون كورب) أي شركة واحدة.
الإعلام السائد أيضاً يأتي تحت هذه الشبكة من الشركات. والميديا هي اليوم شركة اختزال تلخص وتكتب ما يُطلب منها بطريقة تزيد من أرباح الإعلانات.
الأكاذيب الدائرة والمعمّمة
أحد البرامج التلفزيونية الأمريكية الشهيرة: (Mad Men) الرجال المجانين، يكشف ثقافة التسويق. الجميع اليوم رجل مجنون: الصحفيون، المحللون، أعضاء اللوبيات، العلماء، الخبراء، والسياسيون. ويسود مفهوم: (ما يُفهم هو الواقع)، حيث لا توجد حقيقة وكل ما هنالك هو آراء وتدور.
وكنتيجة، المحللين الماليين والصحفيين احتفلوا بفقاعة عقارات الإسكان التي انتهت بكارثة في 2008، الخبراء كذبوا بشأن أسلحة الدمار الشامل في العراق، علماء Big Pharms تلاعبوا بالبيانات لبيع حبوب جديدة أغلى، وكذلك يخفي علماء التأثيرات طويلة المدة حول التعديل الوراثي، ويكذب الاقتصاديون حول جميع الإحصائيات: التضخم والبطالة والديون واستدامة النظام بأكمله!
الجميع مندوب مبيعات، وجميعهم يعرفون ما يريد رؤوساهم وماذا يبيعون وكيف ينبغي نسج الحقائق.
(الجهادية الأمريكية)
بطبيعة الحال، في بيئة من المعلومات المضللة والتسويق، الإستراتيجية الأفضل للنصر هي الإثارة والحسيّة. الحقائق مملة وغير مقنعة. ومن هنا يمكن توصيف ما يسمى (بالجهادية الأمريكية). ففي عالم عقلاني، سنناقش سياسات مثل الحد الأدنى للأجر، النظام الصحي، الضرائب، تكاليف المعيشة، قروض الطلاب، الدين وغيرها. سنناقشها كقضايا اقتصاد وحساب. ولكن، مثل هذه الطرائق المنطقية تستبدل بالقنابل الإيديولوجية حي الشعارات العاطفية والصيحات تكسب النقاش. وتختزل خيارات لتكون مع أو ضد عبارة! دون نقاش دقيق.
فعلى سبيل المثال إذا لم تكن ضد قيود كورونا، لا يمكن أن تعتبر جمهورياً جيداً.
ومن نافل القول، أن المسائل المعقدة مثل السياسة الخارجية تقلّص أيضاً إلى سرديات طفولية. وعندما يفهم الأمريكيون أن الديمقراطية في بلادهم كذبة، سيكتشفون لأي حد كانت مضحكة سردية: (نشر الديمقراطية) التي أشعلت حروباً.
فمتى كانت آخر مرة بكت فيها النخب الأمريكية على الديمقراطية في الخليج؟ ولكن يكفي أن تقول لهم مرة واحدة هونغ كونغ ليبدؤوا بالنواح، ورغم ذلك من الصعب جداً بل المستحيل أن تجد في بي بي سي أو نيويورك تايمز مقال واحد يطالب بالديمقراطية في هونغ كونغ عندما كانت مستعمرة بريطانية.
وبينما تحارب الولايات المتحدة (الإرهابيين) إلا أنها تجري استثناءات انتقائية، كزعيم القاعدة في سورية الجولاني مرتدياً بدلة ومصوراً تلفزيونياً، وكذلك تقرر أمريكا فجأة أن تستثني جماعة الإيغور من قائمة الإرهاب، وهي التي قصفتهم منذ ثلاث سنوات. وعلى هذه الأسس تتحول روسيا إلى عدو، والصين إلى تهديد وجودي يغزو الميديا الأمريكية.
إن هذه الآليات (المتطرفة الأمريكية) ضرورية للتحكم وتضليل المجتمع الأمريكي، لأن حقيقة هامة ينبغي إخفاؤها، وهي أنه لا إعادة تأهيل واستقرار في الداخل الأمريكي، دون سلام في الخارج. لتستطيع الولايات المتحدة أن تعيد هيكلة اقتصادها ونظامها السياسي، وكلاهما في خطر وطريق مسدود.
*كريس كانثان- صحفي وكاتب أمريكي، عن مقال منشور في Nationofchange
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1022