كوفيد-19 ونكبة الرأسمالية

كوفيد-19 ونكبة الرأسمالية

وضّح كوفيد-19، كما لم يحصل من قبل، ترابط الضعف الاقتصادي والوبائي والإيكولوجيّ- البيئي الذي فرضته الرأسمالية. ففي الوقت الذي يدخل فيه العالم العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، نشهد ظهور نكبة الرأسمالية مع اتخاذ الأزمة الهيكلية للنظام أبعاداً عالميّة.

بقلم: جون بيلامي فوستر وإنتان سواندي
ترجمة قاسيون

منذ أواخر القرن العشرين، والعولمة الرأسمالية تتبنى بشكل متزايد نمط سلاسل التوريد المترابطة والمتحكم بها من قبل الشركات متعددة الجنسيات، والتي تصل مناطق الإنتاج المتعددة بعضها ببعض، والموجودة بشكل رئيس في الجنوب العالمي، بالتزامن مع وصول الاستهلاك والتمويل والتراكم العالمي لذروته في الشمال العالمي بشكل رئيس.
تشكّل سلاسل السلع هذه، الدورات المادية (الفيزيائية) الرئيسة لرأس المال على مستوى العالم، بحيث تؤسس ظاهرة الإمبريالية المتأخرة التي يمكن وضع محدد لها: صعود رأس المال المالي الاحتكاري المعمم.
ضمن هذا النظام، لا يتمّ الاكتفاء بتحصيل الريع الباهظ للإمبريالية من السيطرة على الإنتاج العالمي من خلال «ميزان العمالة العالمية»، عبر الشركات متعددة الجنسيات التي توجد مقراتها في مراكز النظام الذي يفرط باستغلال العمالة الصناعية في الدول الطرفية، بل أيضاً من خلال «ميزان الأرض العالمي»، حيث «تستولي expropriate» الشركات متعددة الجنسيات العاملة بالقطاع الزراعي على الأراضي زهيدة الثمن (وعمالتها الزراعية زهيدة الثمن) في الجنوب العالمي بهدف إنتاج محاصيل تصديرية يمكن بيعها بشكل رئيس في الشمال العالمي.
شدّد ماركس، على «الجانب السلبي- التدميري» للتسعير الرأسمالي فيما يتعلق بالشروط الطبيعية للإنتاج وباستقلاب البشر والطبيعة ككل. لقد كان «الصدع الذي لا يمكن رأبه في عملية الاستقلاب الاجتماعي» (الصدع الاستقلابي) الذي شكّل علاقة الرأسمالية المدمرة بالأرض. (فالرأسمالية تستهلك أكثر من قدرة الأرض والمجتمع على إعادة تجديد إنتاج ذاتهما)، وهو ما يدفع نحو «الأوبئة دوريّة الحدوث» التي تنتج عن ذات التناقضات العضوية في النظام.
تزودنا مثل هذه الأطر التحليلية، بالأساس لفهم الميل للأزمات الاقتصادية والوبائية والإيكولوجيّة في الإمبريالية المتأخرة. إنّها تسمح لنا بتصوّر الكيفية التي ترتبط فيها دورة رأس المال في ظلّ الإمبريالية المتأخرة بمسببات المرض عن طريق الأعمال الزراعية، والكيفيّة التي ولّدت فيها وباء كوفيد-19.
والذي بدوره ولّد اضطراباً في تدفق القيم الاستعمالية على شكل بضائع ماديّة وما أنتجه من انقطاع في القيمة، وأزمة اقتصاديّة حادّة ودائمة.
النتيجة هي دفع الاقتصاد الراكد بالفعل إلى الحافّة، ما يهدد بإسقاط البنية الفوقيّة المالية للنظام. أخيراً، يقع وراء كلّ هذا الصدع الكوكبي الأكبر الذي ولّدته نكبة الرأسمالية، والبادي في التغيّر المناخي وتخطي حدود كوكبيّة متنوعة، حيث تشكّل الأزمة الوبائية الحالية ببساطة مجرّد تجلّ مأساوي آخر.

رؤية الوباء في إطار دورة رأس المال المعاصر

نشأ خلال العقد الماضي وبشكل واضح نهجُ «عالم واحد- صحّة واحدة» أكثر شمولاً مع تصاعد مسببات المرض، وذلك بشكل رئيس كاستجابة لظهور الأمراض الحيوانية الحديثة مثل: سارس وميرز وإنفلونزا الخنازير التي انتقلت إلى الإنسان من الحيوانات، سواء بريّة أم مدجّنة. دمج نموذج «صحّة واحدة» التحليلات الوبائية على أساسات إيكولوجية- بيئية، ما أدّى إلى جمع العلماء البيئيين والأطباء والبيطريين ومحللي الصحة العامّة ضمن نهجٍ ذي بُعد عالمي. لكنّ الإطار الإيكولوجي الأصلي الذي حفّز «صحّة واحدة»، والذي مثّل نهجاً أكثر حداثة وشمولية للأوبئة الحيوانية، تمّ الاستيلاء عليه وإنكاره بشكل جزئي من قبل منظمات مهيمنة، مثل: البنك الدولي ومنظمة الصحّة العالمية ومركز التحكم بالأوبئة الأمريكي.
وعليه، تمّ تحويل المنهج متعدد القطاعات لمفهوم «صحّة واحدة» بسرعة إلى نمط يجمع بين مصالح متنوعة، مثل: الصحة العامة والأدوية الخاصّة وصحّة الحيوانات والأعمال الزراعية والصناعات الدوائية الكبرى، لتعزيز الاستجابة لما تمّ النظر إليه كأوبئة عرضيّة. وذلك أثناء تصاعد إستراتيجية شركاتيّة يلعب فيها رأس المال، وخاصة الزراعي، دور العنصر المهيمن. والنتيجة هي الإغفال المنهجي للترابط بين الأزمات الوبائية والاقتصاد العالمي الرأسمالي، ضمن ما يزعم كونه نموذجاً كليّاً.
ولهذا نشأ منهجٌ ثوريّ جديد كردّ على مسببات المرض، والمعروف باسم «صحّة واحدة هيكلية»، ليبني بشكل نقدي على «صحّة واحدة» متجذراً في تقاليد الماديّة- التاريخية الأوسع. بالنسبة لمؤيدي «صحّة واحدة هيكلية» فالأمر الرئيس هو التأكيد على الكيفيّة التي يرتبط بها الوباء ضمن الاقتصاد العالمي المعاصر، بدورة رأس المال التي تغيّر الظروف المناخية بسرعة. كتب مجموعة من العلماء سلسلة من الأعمال عرّفوا فيها «صحّة واحدة هيكلية» بأنّه: مجال جديد يفحص آثار الدورة العالمية لرأس المال والسياقات الرئيسة الأخرى، بما فيها التواريخ الثقافية العميقة، على الاقتصادات الزراعية الإقليمية وديناميكية الأمراض العابرة للأنواع المرتبطة بها.
ينفصل المنهج المادي- التاريخي الممثل بـ «صحّة واحدة هيكلية» عن منهج «صحّة واحدة» السائد في:
التركيز على سلاسل السلع بوصفها موجّهة للأوبئة.
الابتعاد عن منهج «الجغرافيا المطلقة» التي تركّز على مناطق معينة نشأ فيها الفيروس، والتي تخفق في إدراك قنوات الانتقال الاقتصادية العالمية.
عدم النظر إلى الأوبئة بوصفها أحداثاً عشوائية استثنائية أو عرضيّة، بل على أنّها تعكس أزمة هيكلية عامّة لرأس المال.
اعتماد المنهج الديالكتيكي في علم الأحياء، المرتبط بالعالمين ريتشارد ليفاينز وريتشارد ليونتاين من جامعة هارفارد.
الإصرار على إعادة إنشاء المجتمع بشكل جذري، وبشكل كبير بطرق تعزز الاستقلاب العالمي المستدام.
لم يظهر علم الأوبئة المادي- التاريخي من العدم، بل بُني على كفاحات اشتراكية وتحليلات نقدية طويلة للأوبئة.
ومن المهم بشكل خاص في علم الأوبئة المادي- التاريخي الجديد المرتبط بـ «صحّة واحدة هيكلية» الإقرار الصريح بدور الأعمال الزراعية العالمية ودمجه مع الأبحاث التفصيلية في كلّ جوانب مسببات المرض، عبر التركيز على المسببات الحيوانية الجديدة. فكما أشار روب والاس، فمثل هذه الأمراض هي «سقطات حيويّة غير مقصودة في الجهود الهادفة لتوجيه علم الأجنّة وعلم البيئة لخدمة الربحيّة متعددة الجنسيات»، ما أسهم بإنتاج مسببات مرض جديدة مميتة. تعزز الأعمال الزراعيّة الخارجية الحيوانات المدجّنة المتشابهة والأحاديّة جينياً «الأمر الذي ألغى الحواجز المناعية»، ويشمل ذلك مزارع الخنازير الضخمة ومزارع الدواجن الهائلة، ويترافق ذلك مع الإزالة السريعة للغابات والاختلاط الفوضوي بين الطيور البريّة وغيرها من الحياة البريّة مع الإنتاج الصناعي للحيوانات– دون أن نستثني الأسواق الرطبة. خلق هذا البيئة اللازمة لانتشار مسببات المرض المميتة الجديدة، مثل: سارس وميرز وإيبولا وإنفلونزا الخنازير وإنفلونزا الطيور. لقد مات أكثر من نصف مليون شخص بسبب الانتشار العالمي لإنفلونزا الخنازير، بينما تخطت وفيات سارس- كوف-2 ذلك بكثير.
سلاسل سلع الأعمال الزراعية العالمية المترابطة، تؤمّن الأساس لظهور مسببات مرض حيوانية جديدة، فما لا يقل عن 60% من مسببات المرض البشرية الجديدة تظهر عبر الانتقال من الحيوانات إلى المجتمعات البشرية المحلية، قبل أن تنتشر الناجحة منها إلى بقيّة أنحاء العالم.

الشركات وميزان الأرض العالمي

إنّ إعادة الهيكلة الإمبريالية للإنتاج في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين– والتي نعرفها باسم العولمة– نجمت بشكل رئيس عن ميزان العمالة العالمي والاستغلال المفرط والفائق للعمّال في الجنوب العالمي. يشمل هذا التلويث المتعمّد للبيئات المحلية لصالح منفعة مراكز رأس المال والتمويل العالمي. لكنّه دُفع أيضاً بشكل جزئي بميزان الأرض العالمي الذي حدث بشكل متزامن مع نشاط الشركات متعددة الجنسيات العاملة بالزراعة.
فأسعار الأراضي في معظم مناطق الجنوب العالمي أقل بكثير من الريع المتحقق منها عندما تستثمرها الشركات وتدخل منتجاتها في السوق المعولمة. وقد تمّ تعزيز معظم هذا الأمر بما يسمى «ثورة المواشي» التي حولت المواشي إلى سلعة معولمة معتمدة على المعالف الضخمة والثقافة الأحادية النوع.
تمّ تعزيز هذا الاتجاه من خلال مصارف التنمية المتنوعة، ضمن سياق ما يسمّى بشكل ملطّف «إعادة الهيكلة الإقليميّة»، والتي شملت إزالة المزارعين والمنتجين الصغار لصالح الشركات متعددة الجنسيات– وبشكل رئيس الشركات الزراعية– وشملت إزالة الغابات وتدمير النظام البيئي. عرف هذا الأمر أيضاً باسم الاستيلاء على الأرض في القرن الحادي والعشرين، والذي سرّعه ارتفاع أسعار الأغذية الرئيسة عام 2008 ومرّة أخرى عام 2011، وكذلك صناديق الثروة الخاصة التي سعت للحصول على أصول ملموسة في وجه الزعزعة التي حدثت إثر الأزمة المالية الكبرى بين 2007 و2009. النتيجة كانت أكبر هجرة حاشدة في تاريخ البشرية، حيث طُرد الناس من الأرض ضمن عملية عالمية لطرد الفلاحين وتحويل البيئة الزراعية في كامل الإقليم، واستبدال الزراعة التقليدية بأخرى أحادية النوع، ودفع السكان نحو الأحياء الفقيرة في المدن.
عملت هذه المناطق التي تمّ تمدينها حديثاً كأسواق محليّة وكمراكز إقليمية لمرور السلع الزراعية العالمية... ونتيجة لذلك، لم تعد مصادر مسببات المرض الرئيسة ولا ديناميات أمراض الغابات محصورة في المناطق النائية فقط. لقد تحوّلت الأوبئة المرتبطة بهذه المناطق إلى عابرة للمكان والزمان. يمكن أن يجد السكان في مدينة كبيرة أنفسهم ينشرون مرض سارس فيما بينهم بعد بضعة أيام فقط من انتقاله من خفّاش في كهف.

تشويش سلسلة السلع وتأثير السوط العالمي

مسببات المرض الجديدة التي ولّدتها الأعمال الزراعية دون قصد، لا تحمل بذاتها قيماً استعمالية ماديّة- طبيعيّة، بل هي من البقايا السامّة لنظام الإنتاج الرأسمالي، والتي يمكن تعقبها في سلاسل سلع الأعمال الزراعية كجزء من نظام الغذاء المعولم. ورغم ذلك، وفي شكلٍ من «انتقام» الطبيعة المجازي الذي صوّره إنغلز ولانكستر، فالتأثيرات المضاعفة لمزيج الكوارث الوبائية والبيئية التي ظهرت بفضل سلاسل السلع العالمية الحالية- وتصرفات الأعمال الزراعية- قد أدّت إلى ظهور وباء كوفيد-19، ما قاطع كامل نظام الإنتاج العالمي. أدّى الإغلاق والتباعد الاجتماعي وإيقاف الإنتاج في قطاعات الإنتاج الرئيسة العالمية إلى هزّ سلاسل القيمة/التوريد على نطاق دولي. ولّد هذا «تأثير سوط» هائل يتأرجح ما بين نهايات العرض والطلب في سلاسل السلع العالمية. علاوة على ذلك، حدث وباء كوفيد-19 في سياق نظام رأس المال المالي الاحتكاري النيوليبرالي الذي فرض التقشف في جميع القطاعات العامّة حول العالم، مشتملاً على قطّاع الصحة العامة. إنّ التبني العالمي لإنتاج «على الموعد» والمنافسة القائمة على وقت التسليم في تنظيم سلاسل السلع العالمية، قد ترك الشركات والمنشآت مثل المستشفيات، وهي لا تملك سوى منافس تهوية قليلة، المشكلة التي تضاعفت بسبب التخزين الطارئ لبعض البضائع لدى جزء من السكان. وكانت النتيجة رضّاً استثنائياً في كامل الاقتصاد العالمي.

كوفيد-19 أول أزمة سلسلة توريد شاملة

إنّ وباء كوفيد-19، مع الإغلاق والتباعد الاجتماعي المصاحبين له، هو أوّل أزمة سلسلة- توريد عالمية. قاد هذا إلى خسارة في القيمة الاقتصادية وإلى بطالة/بطالة جزئية شديدين وانهيار شركاتي، واستغلال زائد وجوع وحرمان واسعي النطاق. وكي نفهم كلا تعقيد وفوضى الأزمة الحالية، علينا أن ندرك عدم امتلاك أيّ مدير تنفيذي لأيّة شركة متعددة الجنسيات في أيّ مكان لخريطة كاملة عن سلسلة سلع شركته.
عندما تفشّى فيروس كورونا المتجدد في ووهان في الصين، تمّ اكتشاف أنّ 51 ألف شركة عالمية لديها على الأقل مورّد واحد في ووهان. في 27 شباط 2020، عندما كان اضطراب سلسلة التوريد لا يزال متركزاً بشكل كبير في الصين، أعلن المنتدى الاقتصادي العالمي بأنّ أكثر من 90% من أغنى ألف شركة متعددة الجنسيّة لديها مورّد من الدرجة الأولى أو الثانية قد تأثر بالفيروس.
الوباء السابق سارس- كوف-2 جعل رسم خرائط سلاسل السلع أمراً ملحاً بالنسبة للشركات، لكنّ هذا الأمر معقد بشكل هائل. وفقاً لمجلّة هارفارد بزنس ريفيو: «أخبرنا المدراء التنفيذيون لمصنع أشباه موصلات ياباني بأنّ الأمر يتطلب فريقاً من 100 شخص يعملون لأكثر من عام لرسم خرائط لشبكات توريد الشركة في المستويات الفرعية، وذلك بعد الزلزال وتسونامي وحادثة فوكوشيما النووية في 2011».
عندما حدثت كارثة فوكوشيما النووية، اُكتشف في حينه بأنّ منطقة فوكشيما كانت تنتج 60% من قطع الغيار الرئيسة في العالم، ولم يكن أحد يعلم هذا حتى وقعت الحادثة، وتكسّرت السلاسل.
إنّ حجم وباء فيروس كورونا وعواقبه على التراكم العالمي غير مسبوقين، حيث لا تزال الكلفة الاقتصادية العالمية بازدياد. في نهاية آذار، كان هناك حوالي ثلاثة مليارات شخص إمّا في وضع الإغلاق أو التباعد الاجتماعي. لم تملك معظم الشركات أيّة خطط طوارئ للتعامل مع الانكسارات المتعددة في سلاسل توريدها. تجلّى حجم المشكلة في الأشهر الأولى من عام 2020 عندما شهدنا عشرات آلاف إعلانات الظروف القاهرة، حيث أشار الموردون إلى عدم قدرتهم على تنفيذ العقود بسبب أحداث خارجية غير معتادة. وتراجع الشحن وانخفضت رحلات الركاب الجويّة في جميع أنحاء العالم بنسبة 90%.
وفقاً لتقديرات منظمة التجارة العالمية في أوائل شهر نيسان، ستنخفض التجارة العالمية في عام 2020 بنسبة 13% ضمن أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، وبنسبة 32% ضمن أكثرها تشاؤماً. وفي حال تحقق السيناريو المتشائم، سيعادل انهيار التجارة العالمية في عام واحد ما حدث خلال أزمة الكساد الكبير في ثلاثينات القرن العشرين على مدى ثلاثة أعوام.
بالنسبة للشركات متعددة الجنسيات الحالية، أظهرت الدراسات المبنية على ثمانمئة حالة بأنّ وسطي التأثير على الشركات جرّاء مثل هذا الاضطراب في سلسلة التوريد يتضمن: «انخفاضاً في دخل التشغيل بنسبة 107%، وانخفاضاً في عائدات المبيعات بنسبة 114%، وانخفاضاً في عائدات الأصول بنسبة 93%، وانخفاضاً في نمو المبيعات بنسبة 7%، وزيادة في التكاليف بنسبة 11%، ونموّاً في المخزون بنسبة 14%».
رغم أنّه لا أحد يعلم كيف سينتهي هذا في الوقت الحالي، فحتّى في حالات الشركات المنفردة، لدى رأس المال جميع المبررات ليخشى العواقب على التسعير والتراكم. في كلّ مكان ينخفض الإنتاج وترتفع البطالة/البطالة الجزئية، حيث تسرّح الشركات العمّال الذين يتركون وحيدين في الولايات المتحدة. الشركات اليوم في سباق لسحب سلاسل سلعها وإعطاء مظهر الاستقرار فيما يبدو كأزمة شاملة. علاوة على ذلك، فإنّ الانقطاع في كامل سلسلة التحويل المتضمنة في ميزان العمالة العالمي يهدد بتوليد انهيار مالي في اقتصاد عالمي لا يزال متسماً بالركود والدين والتحوّل للتمويل.
ومع الانقطاع العام في سلاسل السلع، تدخل هذه السلسلة المعقدة من التمويل، وهي التي تكون موضوعاً للمضاربة بحدّ ذاتها، بطبيعتها في وضع الأزمة ذاته، ممّا يخلق نقاط ضعف إضافية في النظام المالي الهشّ أساساً.

الإمبريالية والطبقيّة والوباء

يرتبط سارس- كوف-2، مثله مثل مسببات المرض الأخرى التي ظهرت أو عادت للظهور في الأعوام الماضية، بشكل وثيق بمجموعة معقدة من العوامل، وتشمل:
تطوير الأعمال الزراعية العالمية، مع التوسّع في الثقافة الزراعية الأحاديّة جينياً والتي تزيد من قابلية التعرّض للإصابة بأمراض حيوانية من الحيوانات البريّة والمدجنة إلى البشر،
تدمير البيئات البريّة وتعطيل نشاطات الأنواع البريّة.
البشر الذين يعيشون بشكل متقارب من بعضهم البعض. فلا شكّ بأنّ سلاسل السلع العالمية وأنواع الاختلاط الذي أنتجتها قد أصبحت من عوامل الانتقال السريع للأمراض، ما يضع كامل نمط التنمية الاستغلالي العالمي هذا موضع مساءلة.
فكما أشار ستيفن روش من كلية الإدارة في جامعة يال، وهو المدير الاقتصادي السابق لمورغان ستانلي والمنشئ الرئيس لمفهوم ميزان العمالة العالمية، في سياق أزمة فيروس كورونا: «ما تريده المراكز المالية للشركات هو بضائع منخفضة التكاليف بغض النظر عمّا تعنيه هذه الكفاءة من نقص الاستثمار في الصحة العامة، أو نقص الاستثمار في حماية البيئة ونوعية المناخ». إنّ النتيجة لنهج «كفاءة التكاليف» غير المستدام هذا، هي الأزمة الوبائية والإيكولوجيّة العالمية المعاصرة وعواقبها المالية، ما يزيد من زعزعة استقرار النظام الذي كان يبدي بالفعل سمة «الارتفاع المفرط» في الفقاعات المالية.
في الوقت الحالي، تقبع الدول الثريّة في مركز زلزال وباء كوفيد-19 والسقوط المالي، لكنّ الأزمة الكليّة التي تحمل آثاراً اقتصادية ووبائية، ستضرب الدول الفقيرة بشكل أقسى. فالتعامل مع أزمة كوكبيّة بهذا الحجم يتم فلترته في نهاية المطاف من خلال نظام الطبقيّة الإمبريالي. في آذار 2020 أصدر فريق الاستجابة لكوفيد-19 في الكلية الإمبراطورية في لندن تقريراً أشار إلى أن الوفيات في سيناريو غير مخفف ستكون بحدود 15 مليون في شرقي آسيا والمحيط الهادئ، و7,6 ملايين في جنوب آسيا، و3 ملايين في أمريكا اللاتينية والكاريبي، و2,5 مليون في بلدان جنوب الصحراء الإفريقية، و1,7 مليون في الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا، وذلك بالمقارنة مع 7,2 ملايين في أوروبا وآسيا الوسطى وحوالي 3 ملايين في أمريكا الشمالية.
فكما يقول مايك ديفيس: «رأسمالية القرن الحادي والعشرين تشير إلى فرزٍ دائم للبشرية... عبر الحكم على جزء من الجنس البشري بالانقراض...».
تبرز ضرورة إعادة بناء اجتماعي ثورية، مجدداً كما ظهرت بوضوح مرات عدة عبر التاريخ، إن منطق التنمية التاريخي يشير إلى الحاجة إلى نظام مشاعي ومشترك لتجديد الإنتاج الاجتماعي المنسجم بيئياً، حيث ينظم المنتجون بشكل عقلاني الانسجام الاجتماعي مع البيئة، ليسمحوا لكل من البيئة والمجتمع بالتنمية الحرّة. إن مستقبل الإنسانية في القرن الحالي يعتمد على ما أسماه ماركس (الحرية الشاملة)، أن نسمح للكوكب باستقلاب صحيح ليستطيع أن يجدد نفسه بكل عناصره، الأمر الذي سيحدد حاضر ومستقبل الإنسان وربما استمراريته!

*المصدر كاملاً: COVID-19 and Catastrophe Capitalism

معلومات إضافية

العدد رقم:
973
آخر تعديل على الإثنين, 06 تموز/يوليو 2020 15:58