ارتفاع الذهب... مؤشر لضعف الدولار والبحث عن بديل
النظام النقدي العالمي يتغير منذ الأزمة المالية العالمية، وعملية إبقاء الدولار على عرش التبادل الدولي مسألة لم تعد قابلة للاستدامة... حتى إنه ضمن حكم الولايات المتحدة الأمريكية، هنالك من يريد إضعاف الدولار ليتحول إلى عملة تدعم التصدير الأمريكي وتنافس العملات الأخرى على انخفاض القيمة كما في البرنامج الذي يمثله ترامب. وربما المؤشر الأبرز في هذه المرحلة الانتقالية هو ارتفاع الطلب على الذهب.
يتسارع الطلب العالمي على الذهب وتحديداً الطلب من البنوك المركزية عبر العالم، وترتفع أسعاره منذ الأزمة المالية في عام 2008، ولكن هذا التسارع يأخذ مدى جديداً منذ 2018. ولا يمكن النظر إلى الذهب إلا بوصفه المنافس الأبرز للدولار، وعمود النظام النقدي السابق، والملجأ الأساس في المراحل الانتقالية ومراحل التوتر والحروب.
في عام 1976 وفي مؤتمر جامايكا للنقد والتمويل العالمي، تمّ اتخاذ القرار بإزاحة الذهب كأساس في التداول العالمي، وتحول إلى بضاعة عامة. بينما بقي الدولار في حينها الأساس التبادلي الوحيد، ولكن مع هذا فقد بقي الذهب يهدد الدولار العالمي. وارتفعت الأونصة العالمية من 35 دولاراً عقب الحرب العالمية الثانية إلى 100 دولار بعد مؤتمر جامايكا وصولاً إلى 850 دولاراً في عام 1980. عندما بدأت عمليات منظمة لبيع الذهب لتخفيض سعره قادتها البنوك المركزية الغربية صاحبة أكبر احتياطيات من الذهب العالمي.
انخفض سعر الذهب حتى عام 1999 إلى 300 دولار للأونصة، وبدأ منذ مطلع الألفية العمل باتفاق واشنطن للذهب الذي ضمّ 24 دولة عبر العالم، التزمت بنوكها المركزية بحدود لبيع الذهب... ولكن هذه الحدود العالية كانت بمثابة إشارة إلى هذه البنوك لتبيع أجزاء من احتياطياتها، وتزيد كتلة الذهب المباعة عالمياً وتطلب الدولار بالمقابل.
تمّ بيع 4500 طن من الذهب من احتياطيات البنوك المركزية الغربية خلال الفترة بين 2000-2008. كان في مقدمتها البنك المركزي السويسري والأوروبي، وساهمت هذه الكميات في إبقاء سعر الذهب العالمي منخفضاً ولا ينافس الدولار.
ولكن رغم استمرار تمديد الاتفاقية، إلّا أن البنوك المركزية قلَّصت كثيراً من مبيعاتها من الذهب بعد الأزمة المالية العالمية، وتوقفت الاتفاقية عملياً في عام 2019 حيث كان يجب أن تمدّد.
في 2019 كسر سعر الذهب العالمي حاجز 1500 دولار للأونصة، مرتفعاً بنسبة 18% عن عام 2018، أمَّا التوقعات لسعر الأونصة في 2020 يوصلها البعض إلى 1700-2000 دولار للأونصة حسب الاضطرابات المالية العالمية.
إن هذا الارتفاع في السعر يقوده طلب البنوك المركزية العالمية وتحديداً في الدول الصاعدة، بينما البنوك المركزية الغربية قد توقفت عن البيع، ويبدو أنها توافقت على تجميد احتياطياتها الذهبية. فلا مبيع ولا شراء.
في عام 2018 اشترت البنوك المركزية العالمية ذهبا إضافياً لاحتياطياتها بمقدار 651 طناً، وهو أعلى مستوى شراء منذ نصف قرن. وبنك روسيا اشترى ما نسبته 42% منها، أتى بعده البنك المركزي التركي، ثم كازاخستان، ثم الهند. وجزء كبير من مشترياتها من إنتاجها المحلَّي من الذهب. وفي عام 2019 استمر نمو مشتريات البنوك المركزية الصاعدة من الذهب العالمي وازداد بنسبة 12% عن العام السابق (خلال الأشهر التسعة الأولى من العام).
إن النظام النقدي العالمي المتشكل بعد الحرب العالمية الثانية بقيادة الدولار، والذي أزاح الذهب في السبعينات نهائياً استطاع الاستمرار حتى الأزمة المالية في عام 2008 ولكن بدعم من المبيعات المستمرة من محتكري الذهب العالمي من البنوك المركزية الغربية التي كانت تدعم الدولار على حساب الذهب. ولكن منذ الأزمة أوقفت هذه البنوك بيعها لاحتياطيات الذهب، ولم تعد تقوم بشرائه أي إنها لم تعد قادرة على استخدام الذهب لحماية الدولار... وبدأت تتوسع وبسرعة عمليات شراء الدول الصاعدة للذهب العالمي ورفد احتياطياتها، وتحديداً خلال العامين الماضيين مع ارتفاع التوقعات باقتراب موجة أعلى من الأزمة ستهدد موقع الدولار جدِّياً وتعيد بديله التقليدي الذهبي إلى الواجهة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 952