137 ألف ليرة شهرياً للغذاء اتجاهان ضروريان في تخفيض التكلفة
ارتفعت تكلفة سلة الغذاء والمشروبات الضرورية السورية بنسبة تقارب الـ 20% خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وارتفعت عن بداية العام بمقدار 37800 ليرة ونسبة 38% تقريباً، ما يعني أن أكثر من نصف ارتفاع أسعار الغذاء قد جرى في الأشهر الثلاثة الماضية، قاده ارتفاع الدولار وارتفاع أسعار اللحوم الحمراء.
نجم الارتفاع الحاد في تكاليف الغذاء خلال الأشهر الثلاثة عن ارتفاع في أسعار المواد الغذائية المستوردة مع الارتفاع المستمر في سعر صرف الدولار، وعن ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بمستويات قياسية، الأمر الذي يرتبط بدوره بارتفاع الدولار ولكن باتجاه آخر، حيث مع انخفاض قيمة الليرة وارتفاع الدولار يرتفع كثيراً الحافز نحو تهريب الثروة الحيوانية إلى الخارج...
تخفيض أسعار الغذاء المستورد
ترتهن أسعار مواد أساسية في سوق الغذاء المحلية إلى الدولار وتقلباته، أهمها الحبوب مثل الأرز، والزيوت النباتية عدا زيت الزيتون، وحبوب أعلاف الدواجن المستوردة مثل الذرة وكسبة الصويا، والتي تشكل نسبة 70% من تكلفة كغ الفروج، بالإضافة إلى السكر، وطبعاً مكونات هامة ضمن المشروبات كالشاي والقهوة والمتة. (القمح أيضاً مستورد ولكن لا يزال سعره المدعوم في الخبز الحكومي، يعزله نسبياً عن التغيرات).
وهذه المواد هي كتلة أساسية تحرك أسعار الغذاء مع كل تراجع في قيمة الليرة، وارتفاع في سعر الدولار، وهي مستوردة بأسعار احتكارية ومحمّلة بتكاليف إضافية نتيجة العقوبات. ولا حل لعزل سلة الغذاء عن الدولار، إلا بعزل استيراد هذه المواد الأساسية عن منطق السوق، أي استيرادها العام وبمخصصات إنفاق حكومي لدعم الغذاء، وبكميات كافية وأسعار التكلفة، الأمر الذي قد يخفض أسعارها المحلية بنسب تقارب 50% في بعض الحالات، إذا ما تم استيرادها بغير الدولار وبعقود رسمية مباشرة وبكميات كبيرة.
وهذا قد يقلل مباشرة تكاليف سلة الغذاء الضرورية شهرياً بمقدار يقارب 30 ألف ليرة بشكل مباشر نتيجة تخفيض هذه المواد مباشرة.
إن سلة مستوردات الغذاء الرئيسة يجب أن تضم: الأرز والسكر والقمح وحبوب أعلاف الدواجن وحليب الأطفال البودرة والزيت النباتي، إضافة إلى المشروبات الأساسية، ولكن ليس عبر تمويل مستوردات المستوردين بالدولار، ليسعروها بسعر السوق، وبتضخيم للتكاليف... كما يجري الآن حيث لن يكون لهذا الموضوع أي أثر إيجابي، وتحديداً أنه حتى في حالة الوصول إلى استيراد وبعقود نظامية حكومية وتخفيض التكلفة بنسبة 50%، فإن تكلفة سلة الغذاء لأسرة قد لا تنخفض تكلفتها مباشرة إلا بنسبة 22% ككل وبشكل مباشر.
تخفيض أسعار اللحوم الحمراء
إن مكونات الإنتاج المحلي أيضاً ذات تأثير كبير على السلة، وتحديداً اللحوم الحمراء والفواكه، وهي المكونات الأعلى ارتفاعاً. والأكثر إلحاحاً للحل هي اللحوم الحمراء، لارتباطها بمكونات أكثر وللنقص الحاد في استهلاكها بالقياس إلى الضرورة حيث 96% من الأسر السورية لا تحصل على الحد الكافي من حديد اللحوم الضروري.
لا ترتبط اللحوم الحمراء والأغنام تحديداً، بالاستيراد إلا بنسبة من تكاليفها، وتحديداً الأدوية. بينما أعلافها الأساسية موجودة محلياً في الشعير والنخالة، وفي المراعي البرية التي شكلت صعوبة الوصول إليها في البادية تحديداً النقص الأكبر في كميات القطيع، فمراعي المادة الجافة في البادية السورية كانت مصدر غذاء ثلثي إنتاج اللحوم الحمراء قبل الأزمة.
في العام الحالي ومع إمكانية استثمار المراعي في البادية بشكل أوسع نسبياً، والظروف الجوية الجيدة وموسم الشعير الكبير، كان من المتوقع انخفاض أسعار لحوم الأغنام الحية بنسبة 15% تقريباً، ليصل سعر كغ الخروف القائم 1600 ليرة (وفق ما قدرت جمعية اللحامين في دمشق وريفها)، ولكن كانت المفاجئة بالارتفاع الحاد والسريع والمستمر في أسعارها منذ عيد الأضحى ليبلغ سعر الكغ القائم 2500 ليرة، ويرتفع سعر الهبرة المذبوح إلى 8000 ليرة. الأمر الذي يتضح أنه يرتبط بتوسع عمليات التهريب المنظمة مع فرصة الربح الكبيرة المتمثلة بانخفاض تكاليفها في الموسم الحالي تحديداً، بالمقارنة مع ارتفاع المربح في بيعها خارج الأسواق السورية مع ارتفاع سعر صرف الدولار، وقد قدّر البعض وصول حجم التهريب إلى حوالي 3 آلاف رأس يومياً في بعض الحالات.
تبلغ أسعار رأس غنم العواس في الإقليم أربعة أضعاف سعر الرأس الحي في سورية، إذ يصل إلى 500 دولار للخروف بوزن 30 كغ، وهو ما قد يعني تدفقات تقارب 135 مليون دولار لسوق التهريب إذا ما كان معدل 3 آلاف رأس يومياً يستمر لثلاثة أشهر في السنة فقط.
لا يمكن تخفيض أسعار اللحوم الحمراء دون إعادة التوازن في معروضها، أي الزيادة المنظمة لعدد الأغنام، عبر استعادة دعم واسع لعمليات تحسين الأنواع، وإنتاج الأعلاف وتسعيرها. والأهم وقبل كل شيء عبر إيقاف عمليات تهريب الأغنام، التي تحفزّها وتوسعها فوارق السعر، ولكنها ليست عمليات واسعة وعفوية يقوم بها المزارعون، بل عمليات لمجموعات وبآليات منظمة ومعروفة، وبالتالي فإن عملية التضييق عليها ممكنة بوجود إرادة لعدم خسارة هذه الثروة. أما في المناطق الخارجة عن السيطرة تماماً، فإن تقليص حافز التهريب يرتبط بفتح بوابات نقل الأغنام إلى أماكن الاستهلاك، وإعادة ربط السوق مع بعضها البعض، الأمر الذي يعني تقليص التكاليف الكبرى لإتاوات نقل الثروة الحيوانية من المناطق الشرقية إلى دمشق وغربي البلاد عموماً.
الغذاء أكثر من 40% من تكاليف سلة المعيشة، وتكاليفه أربعة أضعاف الأجر الوسطي، والنتيجة أن السوريين لا يتغذون جيداً، ونقص التغذية ورداءة نوعية الغذاء ظاهرة شبه عامة. وارتفاع أسعاره ليست مسألة مستعصية على الحل وتتطلب (حلولاً سياسية دولية)، بل له مفتاحان أساسان. عزل مواد مستوردة أساسية عن تقلبات سوق المضاربة على الدولار، وهو الذي يعني سحب سوق استيراد الغذاء الاحتكارية من يد رجال مال وأعمال، (عوضاً عن إتاحة نهب استثنائي لهم ثم تغريمهم بشكل درامي بدفع دولارات قد تدفع وقد لا تدفع)!... وسحبها عبر استيراد بمخصصات من الموازنة وبسعر التكلفة وتأمين بيعها في مؤسسات التجارة الحكومية. والأمر الثاني وهو الأهم عبر إيقاف استنزاف أهم ثروة غذائية محلية وهي لحوم الأغنام، بإيقاف التهريب، وإيقاف إتاوات النقل وإعادة ربط السوق مع بعضها والإنفاق على إنتاج الأعلاف ونقلها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 934