20 مليار ليرة «غير مفسرة» في استيراد قمح 2019

20 مليار ليرة «غير مفسرة» في استيراد قمح 2019

صدرت تصريحات عن إدارة المؤسسة السورية للحبوب، حول عقود استيراد القمح لعام 2019، حيث تمّ إبرام ثلاثة عقود. وإن المؤسسة ستمول هذه العقود من خلال الاقتراض، من المصرف المركزي عبر المصرف التجاري، بقيم إجمالية 72 مليار ليرة... وطبعاً بأسعار تفوق الأسعار العالمية بنسب كبيرة.

العقود المصرح عنها، ستؤمن استيراد 600 ألف طن من القمح، وهي نسبة 60% تقريباً من الحاجات الكلية لإنتاج الخبز الحكومي. ستوزع الكمية على ثلاثة عقود بمقدار 200 ألف طن لكل شركة، العقد الأول: بسعر 310 دولارات للطن، والثاني: بسعر يقارب 260 دولاراً للطن، والثالث: بسعر 252 دولاراً للطن. وبالطبع دون ذكر مصدر القمح، ومن أية دولة يتم استيراده.
تصريحات مدير المؤسسة تقول: إنه لا يُفترض أن نقارن السعر مع السعر العالمي للقمح، وبالفعل لا ينبغي أن نُقارن لأن الفوارق كبيرة، وصعب تفسيرها!

الكلفة 200 دولار للطن!

في الظرف السوري، غالباً ما يتم استيراد القمح من سوق البحر الأسود، أي من أوكرانيا وروسيا. والتجار السوريون يستوردون من أوكرانيا أكثر مما يستوردون من روسيا، بحكم العادات القديمة المستمرة حتى اليوم، على الرغم من أن السعر الروسي هو من بين أقل أسعار التصدير العالمية، وأن روسيا هي المصدّر العالمي رقم واحد، وسعرها مرشّح للانخفاض في العام القادم مع زيادة إنتاجها بنسبة 14% خلال عام مضى.
إن سعر محصول القمح الجديد لموسم 2019 في روسيا، يقارب اليوم 186 دولاراً للطن للتعاقد غير قصير الأجل، بينما أعلى سعر للطلبيات المستعجلة ومن قمح عام 2018، تسعّر بـ: 208 دولارات كحدٍ أقصى.
والحكومة تقول: إن العقود توقّع الآن ليتم تنفيذها لاحقاً، أي: أنها ليست عقوداً مستعجلة.
أما تكاليف الشحن، فيمكن القول: إنها قد تصل إلى 12 دولاراً للطن، إذا ما أخذنا النموذج المصري بعين الاعتبار، حيث كانت كلفة الشحن على طن القمح من البحر الأسود تتراوح بين 11-12 دولار للطن.
ما يعني: أن تكاليف القمح المتضمنة سعره وشحنه، قد تقارب منطقياً: 200 دولار للطن...

عمولات تبدأ بين 26-57%

أما لماذا أسعار الطن في عقود الحكومة لا تقل عن 252 دولاراً، فهي طبيعة الحال في المناقصات السورية عموماً، وفي لحظة العقوبات تحديداً. حيث كل الزيادات في السعر: هي عمولات ناتجة عن العقوبات، وأرباح للوسطاء البائعين والمشترين وللمتنفذين. وهي نسب كبيرة أقلها 26%، وأكبرها 57%، ومبالغ إضافية إجمالية عن التكاليف الأساسية تقارب: 44 مليون دولار، وحوالي 20 مليار ليرة سورية بالسعر الرسمي للدولار.
ففي العقد الأول 200 ألف طن، بعمولة 57% عن كل طن، وإجمالي مبالغ إضافية: 22 مليون دولار.
والـ 200 ألف الثانية للعقد الثاني، فيها عمولة بنسبة 30% عن كل طن، وبإجمالي مبالغ إضافية: 12 مليون دولار.
أما العقد الأخير فالعمولة بنسبة 26% عن كل طن، وبإجمالي مبالغ إضافية: 10 ملايين دولار.

من أين يستورد هؤلاء؟

المنطق يقول: إن استيراد القمح يفترض أن يجري من روسيا، ليس فقط بسبب طبيعة العلاقات، بل لأن السعر الروسي هو الأقل عالمياً، ففي مقارنة أسعار التصدير من منظمة الفاو في عام 2017: فإن السعر الروسي هو من بين الأقل عالمياً... وهو أقل من الأوكراني بنسبة 13%، وأقل من الفرنسي بنسبة 20% تقريباً، وأقل من الأمريكي بنسبة 26%! وبالطبع تكاليف شحنه إلى سورية، أقل لأنه الأقرب.
فمن أين تستورد هذه الشركات التي تتعاقد مع الحكومة؟ وكيف تُبرر لها هذه الفوارق الكبيرة في السعر التي تقارب 60% ولا تقل عن 26%، والتي تبلغ بمجموعها 20 مليار ليرة إضافية في تكاليف استيراد القمح؟
مرّة أخرى يجب القول: إن السياسة التي تعتمد على الوسطاء في تجاوز العقوبات، تُدفّع السوريين أثماناً أكبر، وتنقل أموال القمح العامة إلى هؤلاء الوسطاء والأطراف التي يشترون منها. بينما كان من الممكن ولا زال، أن يكون للحكومة قدرة على استيراد القمح الضروري مباشرة بسفن تشتريها بأقل من تكاليف عمولة عقد واحد من هذه العقود! وبعلاقات مباشرة مع الحكومات، وليس بالسمسرة بين تجار إقليميين ودوليين. ولكن هذا يعني: أن يدفع الوسطاء الثمن، ويخسروا كتلة عمولات كبيرة... وهو أمر يتناقض مع السياسة الاقتصادية السورية التي يحكمها نموذج الفساد والسمسرة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
916
آخر تعديل على الإثنين, 03 حزيران/يونيو 2019 15:26