الحرب التجارية...  25% تعرفة على نصف البضائع الصينية
ليلى نصر ليلى نصر

الحرب التجارية... 25% تعرفة على نصف البضائع الصينية

رفعت واشنطن التعرفة الجمركية على بضائع مستوردة صينية بقيمة 200 مليار دولار من 10% إلى 25%، وقد دخلت هذه التعرفة قيد التطبيق بتاريخ 10-5-2019، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي ترامب أنّ رفع التعرفة سيعمل بشكل أكثر فعالية وسرعة من الاتفاقيات التجارية التقليدية، حيث لا داعيَ لتسريع المفاوضات التجارية بين الصين والولايات المتحدة... لتعود المعركة التجارية إلى واجهة التوتر.
أخذت الإدارة الأمريكية قرارها برفع التعرفة في اليوم الأخير من جولة المفاوضات التجارية الأخيرة بين البلدين... التي كان يراد منها وقف التصعيد التجاري، وصرح الرئيس الأمريكي (المدفوعات الكبيرة من التعرفة الجمركية تذهب مباشرة إلى الخزينة الأمريكية، التعرفة ستجلب مزيداً من الثروة إلى بلادنا، أكثر مما ستجلبه صفقة استثنائية من النوع التقليدي، (إن نتيجة التعرفة أسرع وأسهل). كما أنه أشار إلى أن نسبة 25% ستطال قريباً باقي البضائع الصينية المستوردة، التي تبلغ قيمتها 325 مليار دولار.

وقد أضاف ترامب: (خسر الاقتصاد الأمريكي 500 مليار دولار سنوياً لسنوات عديدة نتيجة التجارة المجنونة مع الصين).
في شهر شباط من العام الحالي، كانت التقديرات الأمريكية تشير إلى أن نسبة 15% من البضائع التي ترد إلى أمريكا، قد أصبحت محمية تجارياً، وطالت ما مجموعه 304 مليار دولار تقريباً، وشملت بضائع قادمة من الصين، وكندا، والاتحاد الأوروبي، وكوريا الجنوبية، والمكسيك بالدرجة الأولى.
الحمائية بين 1986 و2018
المفارقة، أن الإدارة الأمريكية الحالية تكرر انتقاداتها للإدارات السابقة لعدم تصحيحها لملف العجز التجاري عموماً، ومع الصين تحديداً، ولكنّ الإجراءات الحمائية الأمريكية تجاه الصين ليست جديدة، ولكنها اليوم تمتد إلى مساحة واسعة وغير مسبوقة من الواردات منذ الثمانينات. ففي عام 1986، كانت نسبة 39% من الصادرات الصينية إلى أمريكا تخضع لتعرفة جمركية، عندما كانت البضائع المصدّرة من الصين إلى أمريكا بمعظمها من المنسوجات والألبسة. ثم بدأت بالانخفاض لتصل في نهاية 2017 إلى 8% تقريباً، بينما 92% من البضائع الصينية لا تخضع لأية ضريبة. ثم ارتفعت نسبة البضائع المغطاة بالتعرفة ارتفاعاً قياسياً وسريعاً في 2018 لتغطي 50,6% من الصادرات الصينية، وأصبحت نصف البضائع الصينية خاضعة للتعرفة الجمركية، بعد أن فرضت الإدارة الأمريكية في العام الماضي تعرفة على الحديد والألمنيوم وألواح الطاقة الشمسية والغسالات القادمة من الصين، ثم فرضت تعرفة على مجمل بضائع قيمتها تقارب 250 مليار دولار.
ولكن بين 1986 وبين 2018 هنالك فوارق كبيرة في حجم البضائع الصينية الخاضعة للتعرفة. فوفقاً لدولار عام 2018، فإن مجمل البضائع المستوردة من الصين في عام 1986 كانت لا تتعدى 8 مليارات دولار، وهي نسبة 1,4% من البضائع التي كانت أمريكا تستوردها في ذلك الحين، ونسبة لا تتعدى 0,1%. ولذلك فإن التعرفة التي كانت تغطي نسبة 39% من هذه البضائع الصينية، لا يمكن أن يكون لها التأثير ذاته اليوم.
ففي 2018 استوردت أمريكا من الصين ما يقارب 450 مليار دولار، وهي تشكل 21,2% من المستوردات الأمريكية، ونسبة 2,6% من الناتج الأمريكي.
كما أن هنالك فارقاً نوعياً في البضائع الصينية التي كانت تورّد إلى أمريكا في الثمانينات، وبين البضائع الصينية اليوم. ففي 1986 كانت التعرفة تستهدف تحديداً المنسوجات والألبسة المستوردة من الصين، التي كانت تشكل 43% من الصادرات الصينية إلى أمريكا.
أما في 2018 فإن التعرفة الجمركية على البضائع الصينية، طالت عملياً كل البضائع باستثناء المنسوجات والألبسة، التي أصبحت لا تشكل أكثر من 8% من البضائع الصينية القادمة إلى أمريكا، التي أصبحت المعادن والمعدات تشكل جزءاً أساسياً منها.
وتؤدي هذه العملية إلى آثار مختلطة في الولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال: أدت التعرفة الجمركية على الحديد المستورد من الصين إلى ارتفاع أسعاره بنسبة 9% في داخل الولايات المتحدة، وقد خلقت 8700 فرصة عمل في قطاع تصنيع الحديد الأمريكي، ولكن بالمقابل فإن المنتجين من مستخدمي الحديد، أصبحوا يحتاجون إلى 650 ألف دولار إضافية لخلق فرصة عمل واحدة جديدة، ما يؤدي بدوره إلى تراجع فرص العمل عموماً، وهي التي توضع كواحدة من أهم أسباب رفع التعرفة الجمركية.
ولكن المتفق عليه، أنّ الحرب التجارية، تزيد من حالة عدم اليقين، وتؤدي إلى تراجع في حركة التجارة الدولية، بدأت تنعكس على النمو الاقتصادي في كل مكان.
الصين تخفف التوتر
لقد قرر الرئيسان الأمريكي والصيني إطلاق مفاوضات تجارية بين البلدين مطلع العام الحالي، بعد أن تحدث الرئيس الأمريكي بأنه ينوي تطبيق تعرفة على بضائع صينية بقيمة 200 مليار دولار، وكانت الإدارة الأمريكية قد لوحت منذ شهر 2-2019، بأن التعرفة سترفع من 10% إلى 25% في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق، وهو ما جرى.
لم يصدر حتى الآن رد صيني بالمثل على قرار ترامب، وأتت التصريحات الصينية مقتضبة، وغير تصعيدية، فأعلنت وزارة التجارة الصينية بأنها (آسفة ستأخذ التدابير المضادة اللازمة). بينما أشار لي هو، نائب رئيس مجلس الدولة الصينية، ورئيس الوفد المفاوض بتصريحات رسمية بأن جولة المفاوضات التجارية الأخيرة قد فشلت، ولكن هذا لا يعني انتهاء المفاوضات، معتبراً أنّهُ من الطبيعي أن نشهد تأرجحات وانعطافات خلال المفاوضات بين البلدين. يذكر بأن الصين تطبق تعرفة على 91% من المستوردات الأمريكية، تستهدف بضائع بقيمة 110 مليار دولار، من ضمنها المنتجات الزراعية، وأنها في سياق التدابير المتخذة في العام الماضي ضد رفع التعرفة، قد أوقفت استيراد النفط الخام، والغاز المسال الأمريكي لأوقات محددة.

لم يتوضح ما هو المفصل الذي لم يتيح الوصول إلى اتفاق، ولكن الواضح أن الصين مستعدة للتفاوض، ولكن ليس ضمن الشروط الأمريكية... التي تستهدف عموم العجز التجاري مع الصين، ولكنها تستهدف تحديداً الصادرات الصينية عالية التكنولوجيا، وتحديداً في مجال G5 الذي تحقق الشركات الصينية مثل هواوي وzte سبقاً فيه. الأمر الذي دفع إلى خطوات مثل: اعتقال المديرة التنفيذية لهواوي، وإصدار قرار بمنع التعاقد مع خدماتها في الولايات المتحدة، بل وصل إلى حد تحذير الأطراف الدولية الأخرى وتحديداً الاتحاد الأوروبي من التعامل مع الشركات الصينية المذكورة. الحرب التجارية ومفاوضاتها سلسلة لن تنتهي سريعاً، ولكن من الصعب أن تحاصر الصينيين كثيراُ. حيث لدى الأخيرين طيف واسع من الردود، ومجالات الحركة، على العكس من الأمريكيين الذين ترافقت إجراءات إدارتهم التصعيدية لتخفيض العجز التجاري، مع أعلى مستويات العجز التجاري الأمريكي، وأعلى مستويات الدين!

معلومات إضافية

العدد رقم:
913