الغاز والنفط لن يؤمنا 10 مليار دولار سنوياً
صرح وزير النفط السوري بأن إيرادات النفط والغاز وغيرها من الثروات المعدنية ستكون من أهم إيرادات تمويل سورية ما بعد الحرب... معتبراً أن سورية خلال ثلاث سنوات ستستطيع أن تستعيد إنتاجها النفطي كما كان قبل الحرب وربما أفضل. فهل سنعود إلى سابق العهد في اقتصاد يتكئ على ريع استخراج الثروات الباطنية؟!
قد لا يكون من الصعب العودة إلى مستويات إنتاج ما قبل الأزمة من النفط والغاز بعد ثلاث سنوات.. فعملياً عادت حقول منطقة البادية للعمل بنسبة زيادة 50% في إنتاج المنطقة بين عامي 2016 والعام الحالي، كما قالت تصريحات سابقة لوزير النفط السوري. ولكنها احتاجت عملياً إلى 295 مليار ليرة لإعادة تأهيلها، المبالغ التي يمكن تحصيلها بأقل من عامين من مبيعات المحروقات.
9 مليار من النفط
وواحد من الغاز
إن أكثر من 80% من مقدرات الإنتاج النفطي والغازي السوري، لا تزال في المنطقة الشمالية الشرقية. ولكن حتى باستعادة ترابط الإنتاج النفطي السوري، وعودته إلى مستواه السابق.. فإننا نتحدث عن إنتاج يقارب 385 ألف برميل يومياً بأحسن الأحوال وأسرع التوقيتات، وهو ما يقارب 9 مليارات دولار سنوياً وفق أسعار النفط الحالية. بالإضافة إلى 21 مليون متر مكعب يومياً من الغاز، وحوالي 1 مليار دولار سنوياً.
أي: أننا نتحدث عن قيمة لإنتاج النفط والغاز تقارب 10 مليار دولار سنوياً، في حال العودة إلى مستويات ما قبل الأزمة. وهو مبلغ قليل إذا ما قيس بحاجات إعادة الإعمار التي وصلت تقديراتها إلى 500 مليار دولار.
50% أم 70% للشركات؟
كما أنه ينبغي التذكّر بأن هذه الإيرادات من قطاع الصناعات الاستخراجية، كانت تعتمد، على شراكات استثمارية في التشغيل... حيث كانت الشركات الغربية وعموم الشركات العاملة في سورية، ووكلائها المحليين، تحصل على نصف الإيرادات النفطية تقريباً، وحصة 49% منها. فإذا ما كان الحال سيبقى كما هو في عقود التشغيل السابقة فإننا نتحدث عن إيرادات نفط وغاز عامة تقارب 5 مليارات دولار سنوياً.
وإذا ما كان إنتاج النفط في الحقول التي يمكن أن يعاد تحريرها، سيشغل وفق عقود استثمارية جديدة... عندها علينا أن نتوقع أن تصل حصة المستثمرين إلى 70%! هذا إذا ما بقيت الحكومة على ما هي عليه من «أداء تفاوضي ضعيف» مع المستثمرين في القطاعات الحيوية، كما حصل مع استثمار الفوسفات مثلاً.. وبهذه الحالة يعود للمال العام 30% فقط، لنتحدث عن إيرادات من النفط والغاز لا تتعدى 3 مليارات دولار سنوياً.
وأخيراً، هذه الـ 3 مليارات دولار، تعود للحكومة عندما تبيعنا النفط والغاز محرّرة وبالأسعار العالمية، كما هو الحال الآن. أي: أنها ستكون موارداً للمال العام ليعزز إعمار الاقتصاد السوري، ولكن مقبوض ربحها من الاقتصاد السوري واستهلاكه للطاقة!
قطاع النفط والغاز ينبغي أن يكون منتجاً بموارد واستثمارات محلية، ليؤمن الطاقة الكافية والرخيصة للاقتصاد السوري في المرحلة القادمة، الذي بتخفيض كلف الطاقة فيه، تتأمن أهم رافعة إنتاجية تسرّع عملية إعادة الإعمار.
رافعة إنتاجية لا مورد مالي
يقتضي تحويل قطاع الصناعة الاستخراجية لمصدر داعم للإعمار في المرحلة اللاحقة، وألّا يتم التعامل مع هذا القطاع كما في مرحلة الأزمة.. حيث تم الاعتماد على رفع أسعاره وتحريرها، لتتحول أرباحه والأموال الواردة من استهلاكه إلى مصدر التمويل الحكومي الأساسي.. ولكن الثمن كان غالياً وعلى حساب رفع مستويات التضخم بشكل قياسي، وإعاقة استمرار وتوسع بقايا الإنتاج.
في المرحلة القادمة، لا يمكن أن يكون قطاع الصناعة الاستخراجية داعماً لعملية إعادة الإعمار، إلا إذا تم التعامل معه على أنه ملكية عامة... أي: الوصول إلى تقليص حصة المستثمرين فيه إلى حدود الصفر، وإيجاد طرق ليتحول النفط والغاز المحلي إلى رافعة إنتاجية، عوضاً عن «حصّالة مالية»، الأمر الذي يتطلب تخفيض أسعاره لتقترب قليلاً من التكلفة... حيث في سورية، كانت ولا تزال، التكلفة الفعلية لاستخراج النفط والغاز المحلي أقل من 10% من سعر المبيع!