«الاكتفاء الذاتي» 14 مليار ليرة شهرياً لاستيراد القمح!
انتبهت الحكومة في الأسبوع الماضي إلى العقوبات المطبقة على سورية، وبدأت الحديث عن خطة إستراتيجية لمواجهة العقوبات، بل حتى الحديث عن الاكتفاء الذاتي...
و«على سيرة» الاكتفاء الذاتي، تبين بأننا نستورد ما معدله 90 ألف طن من القمح كل شهر تقريباً. حيث استوردنا خلال عامي 2017- 2018 ما يقارب 2.2 مليون طن من القمح الطري...
تستمر في 2019 عمليات استيراد القمح كل شهرين بالمناقصات، من مصادرها الأساسية: روسيا، أو رومانيا أو بلغاريا. وبسعر 270 دولاراً للطن، وفق تصريحات لمدير المؤسسة العامة لتجارة ونقل الحبوب يوسف قاسم.
وهو ما يعني دفع قيم تقارب حوالي: 55 مليون دولار للمناقصة، وحوالي 14 مليار ليرة كل شهر خلال 2019، لمستوردي القمح!
وبالمقابل وعلى صعيد الإنتاج المحلي، فيكثر الحديث عن عوائق إنتاجية. فمثلاً صرّحت الحكومة بأن خطة زراعة القمح قد نُفذت بنسبة 70% للعام الحالي. وتحدّث المزارعون في منطقة الغاب عن تأخر توزيع بذار القمح، وتوزيع قرابة نصفها فقط... الأمر الذي كان واحداً من أسباب ارتفاع معدلات زراعة الخضار الشتوية في منطقة الغاب بنسبة 200% تقريباً.
إذ زاد المزارعون زراعة الخضروات الشتوية عوضاً عن القمح، مثلما عوضوا خساراتهم بالقمح باستبداله بالكمون والكزبرة والحبة السوداء وغيرها من المنتجات التي يشتريها التجار المحليون لغاية التصدير.
لماذا لا يتوسع إنتاج القمح؟
أما لماذا لا يتم توسع زراعة القمح محلياً واستعادة مساحاته السابقة، بعد تحرير مناطق واسعة في ريف حلب على سبيل المثال أهم مناطق زراعته وأوسعها بعد الحسكة؟ أو لماذا لم تتم استعادة قدرة الحكومة على تحفيز المزارعين لتسليمها المزيد من القمح الذي زرعوه؟ فهي أسئلة لا تجد لها جواباً، أو حتى نقاشاً علنياً وواضحاً.
فعلى الرغم من أن سعر الشراء الحكومي في العام الماضي أعلى من الأسعار العالمية، فإن كميات القمح المستلمة لم تصل إلى 500 ألف طن. والسبب يكمن، كما يقول المزارعون، بآليات التصنيف الحكومية للأنواع التي تخفض السعر المدفوع لهم، وفي عقبات الإتاوات الماثلة على طريق نقل القمح إلى مراكز الاستلام الحكومية القليلة، والتي ترفع التكاليف وتعطي المتنفذين حصة. هذا عدا عن ارتفاع كافة التكاليف الإنتاجية، وعدم القدرة على إيصال مستلزمات الدعم للجميع...
فإذا لم تدعمك الحكومة، لماذا تبيع القمح لها؟! إذ يصبح الأفضل أن تكدس محصولك في أرضك ليأتي التجار ويستجرّوه، بسعر أقل ولكن «وجع راس» أقل أيضاً.
العقوبات تصعّب الاستيراد
العقوبات الأوروبية الأخيرة بينت أن أحد رجال الأعمال السوريين الكبار المعاقبين مؤخراً، مرتبط بعمليات شراء القمح لسورية، العملية التي تتم عبر رجال الأعمال، وليس بالعلاقات المباشرة بين الحكومات وبضمانتها لاستمراريتها، الأمر الذي أصبح يهدد حتى الاكتفاء بالقمح عبر الاستيراد...
فهل فعلاً الوصول إلى اكتفاء ذاتي، فقط بالقمح، عملية صعبة جداً؟! ولماذا تستسهل الحكومة دفع عشرات ملايين الدولارات من القطع الأجنبي شهرياً، لرجال أعمال قد تطالهم العقوبات بأية لحظة في الظرف الحالي... مما يتسبب باختناقات في المادة الأساسية؟ ألم يكن الأجدى أن تتحول الـ 14 مليار ليرة شهرياً المدفوعة لهذا المستورد أو ذاك، إلى قروض للمزارعين لتخفيض تكاليف مستلزمات القمح، مقابل دعم أسعار الفائدة لهم عوضاً عن دعم سعر القمح؟!
أليست قروض لهؤلاء المنتجين المقيمين في سورية، البعيدين عن أعين العقوبات الغربية، أكثر ضمانة، وأقل مخاطرة، من الوسطاء أصحاب الودائع بالدولار في المصارف الغربية أو غيرها من المصارف التي تستطيع رصدها ومراقبتها؟!
في أزمة منتصف الثمانينيات، كانت منظومة دعم توسيع إنتاج القمح السوري بمثابة العلامة الفارقة لمواجهة عقوبات ذاك الزمن... بينما العلامة الفارقة لمواجهة عقوبات الأزمة السورية الوطنية الحالية، هي وجوه الأثرياء المستفيدين من العقوبات.