تركيا تواجه والأرجنتين تسلّم... أيهما أسلم؟
تباطأ التسارع الكبير في تراجع قيمة الليرة التركية، التي خسرت 40% من قيمتها خلال العام الحالي... وعلى الضفة الأخرى من العالم في الأرجنتين فإن البيزو فقد أيضاً خلال العام الحالي 50% من قيمته! ولكن بين تركيا والأرجنتين فإن للرد اتجاهين مختلفين.
شهدت الدولتان موجة مشتركة لانخفاض قيمة العملة في شهر نيسان الماضي، وكان هذا تحت تأثير ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، وعبر الفيدرالي الأمريكي... العملية التي أدت إلى ارتفاع كلف الدَّين والتمويل الأجنبي الذي (تنتفخ) به الدولتان كما غيرهما، والتي تؤدي أيضاً إلى تحفيز خروج رؤوس الأموال منهما، ما يضعف العملات المحلية مقابل الدولار.
أما الموجة الحالية من انخفاض العملات، فهذه موجهة أكثر... وردود الفعل عليها مختلفة، تبعاً للظروف السياسية والمتغيرات في كل من الدولتين. في الحالات التقليدية لتراجع قيمة العملة، فإن النصيحة التقليدية المتبعة، تكون بسياسة نقدية تقشفية بالعملة المحلية، وبرفع أسعار الفائدة. وبمحاولة الحصول على تدفق دولاري لتعديل الميزان. وهو ما اتبعته الأرجنتين حرفياً، وبناء على النصيحة الغربية، ونصيحة صندوق النقد الدولي تحديداً.
(ماوريسيو) أوصل الفائدة لـ 60%
التزمت حكومة ماوريسيو مارسي الأرجنتينية (بالنصائح) ورفعت سعر الفائدة المحلي مؤخراً من 45 إلى 60%! وهي المرة الرابعة على التوالي منذ نيسان 2018.
وكانت النتيجة أن انخفضت قيمة البيزو الأرجنتيني بنسبة 15% مباشرة، بعد آخر رفع للفائدة، وفقد نصف قيمته خلال عام مضى.
الحكومة الأرجنتينية الحالية التي نهجت نهجاً نيوليبرالياً حاداً منذ عام 2015، أتت عقب إقالة حكومة الرئيسة كروشنير السابقة، التي رفضت التفاوض مع المقرضين السابقين من صناديق التحوط الأمريكية، وتجنبت تمويل صندوق النقد.
الأرجنتين اليوم مثقلة بالديون الحكومية بنسبة 60% من الناتج الإجمالي، وتطالب بتقديم موعد دفعة الديون الجديدة من قرض صندوق النقد الدولي بمقدار 50 مليار دولار، لتسدد بها القروض! ورفعت الفائدة إلى مستوى يجعل من المستحيل تمويل الاقتصاد الأرجنتيني محلياً، بينما لا يرأف المال الأمريكي، حتى بمن عمل تحت جناحه، حيث تصدح أصوات اقتصادية أمريكية بضرورة دَوْلَرةَ الاقتصاد الأرجنتيني، وإنهاء العملية الأرجنتينية التي «لا أمل من إحيائها» كما يقولون.
تركيا لا تسمع نصيحة الغرب
أما في تركيا التي تلعب الجغرافيا السياسية دوراً في إعطائها هامش مواجهة أعلى، فإن رد الفعل مختلف على الهجوم المالي الغربي على الليرة التركية. فتركيا التي أثقلت اقتصادها بتدفقات المال الغربي، الذي يمول قطاعها الخاص الإنتاجي، لا تعاني من نسبة ديون حكومية مرتفعة بالمقاييس العالمية 28% من الناتج. ولكن خروج الأموال يهدد تمويل استثمارها الإنتاجي، وبالتالي يشكل تهديداً اقتصادياً واجتماعياً هاماً. ولكن تركيا لم تعمل بالنصيحة التقليدية، لرفع أسعار الفائدة، واتباع سياسة انكماشية... بل تعمل باتجاه آخر تماماً.
حيث لم ترفع تركيا سعر الفائدة، إلّا بنسب قليلة جداً، ولمرتين بنسبة 2-1% وهي تقارب اليوم 20%، رغم الضغط الغربي الكبير على البنك المركزي التركي ليقوم بهذه الخطوة. ومؤخراً أصدرت المالية التركية إجراءات تفيد بتوسيع احتياطي التمويل والإقراض من البنوك التركية بالعملة المحلية. ما يعني أنّ تركيا تعمل على تأمين تمويل محلي وبعملتها المحلية لتعويض النقص الذي سيحصل حكماً في التمويل الأجنبي، والذي لن يكون دون أثر كبير على الأداء الاقتصادي التركي.
إن كلاًّ من الأرجنتين وتركيا، تورطتا مثل غيرهما من الدول الصاعدة، بتدفقات الدَّين الغربي بعد الأزمة المالية العالمية، وكلتاهما أصبحتا أكثر انكشافاً وتحت التهديد. ولكن التجربة تقول: إن المواجهة أقل ثمناً من التسليم في اللحظات الحالية... فالغرب المأزوم لم تعد لديه مكاسب قريبة أو بعيدة ليقدمها لمن يرهن نفسه له.
فلاشة: تورطت تركيا والأرجنتين بتدفقات الدّين الغربي ولكن تركيا تحاول أن تحافظ على قدرتها على تمويل نفسها بينما الأرجنتين تستسلم للدّين!