هل رفع سن التقاعد  ضرورة اقتصادية - اجتماعية؟

هل رفع سن التقاعد ضرورة اقتصادية - اجتماعية؟

طرحت صحيفة الوطن في عددها الصادر بتاريخ 20-8-2018 موضوعاً للنقاش العام، بعنوان: (هل من المفيد رفع سن التقاعد إلى 65 عاماً؟ رفع سن التقاعد ضرورة اقتصادية واجتماعية). حيث اعتبر المقال: أن رفع سن التقاعد ضرورة في مرحلة إعادة الإعمار لعدم حدوث فجوة في الخبرات، وبما يفيد توفير مبالغ على التأمينات الاجتماعية.

قاسيون تقدم رداً على الطرح المذكور، بما يخص رفع سن التقاعد في سورية، وهل هو فعلاً ضرورة اقتصادية واجتماعية؟

عشتار محمود
يستطيع العامل السوري حالياً أن يُحال إلى التقاعد، إذا ما كان قد أتم 25 عاماً في عمله المنظم، ويستطيع الرجل ببلوغه الـ 60 عاماً، والمرأة ببلوغها الـ 55، أن يحالوا إلى التقاعد إذا ما خدموا لمدة 15 عاماً. أما بخدمة 20 عاماً فإن الرجل يستطيع التقاعد في الـ 55 سنة، والمرأة في الخمسين. كما يتيح القانون للمؤمن عليه أن يستمر في عمله، حتى سن الـ 65 عاماً.
وفي الحالات كلها، فإن الغالبية من عمال سورية، يحالون للتقاعد بأجر لا يصل إلى 45 ألف ليرة، بما قد يكفي الغذاء الضروري فقط لشخصين بمستويات الأسعار السورية اليوم. وبحصولهم على تعويض نهاية الخدمة يقارب مليون ونصف مثلاً، يمكن تغطية الآجار الشهري الوسطي لأقل من عامين فقط لا غير.
هذا بعضٌ من حالِ المتقاعدين السوريين اليوم، وهو من حال العاملين بأجر في سورية، هؤلاء الذين نسبة تفوق نصفهم، تعاني من البطالة، بينما يطرح البعض ضرورة رفع سن تقاعدهم إلى 65 عاماً!
ضرورة إتاحة
الفرص لقوى العمل الجديدة
التقديرات المتداولة حول أعداد وأوضاع قوة العمل السورية، تشير إلى أن الفاعلين اقتصادياً في سورية ممن هم في عمر العمل، يبلغ عددهم 3 مليون فقط، بينما 8 ملايين متبقون بلا عمل مستمر، ويضاف إليهم أكثر من 2,5 مليون من السوريين بعمر العمل، من النازحين في الإقليم...
ما يعني، أن عرض القوى العاملة الممكن خلال الفترات القادمة، يقارب ضعفي العاملين حالياً، هذا عدا عن الداخلين الجدد سنوياً إلى سوق العمل السورية، الذين لا يقلون عن 300 ألف سنوياً. (the toll of war- WB- 2017)
ستتيح المرحلة القادمة توسيع فرص العمل بالتأكيد، ولكن هذا مرهون بتضاعف مستويات الموارد المتاحة للاستثمار، وطبيعتها. وبتقدير أولي فإننا سنحتاج إلى ضعفي مستويات الاستثمار الحالية، لتغطية العرض الحالي. ولذلك فإن الآلية الطبيعية والمنطقية، لإتاحة فرص العمل الجديدة، عبر إحالة من خدموا لعقود إلى الراحة والتقاعد، هي ضرورة، وتحديداً في المرحلة القادمة.
ضرورة الإنفاق
على تأهيل القوى العاملة
من ناحية أخرى فإن نوع قوة العمل السورية الشابة، قد تدهور بالفعل: حيث قضى شباب سورية سنوات هامة في ظروف الحرب، والعمل المتقطع، وتحت وطأة البطالة. هذا عدا عن الأثر العام والواضح للتراجع الكبير في المنظومة التعليمية بمستوياتها كافة. ولذلك فإن الطرح القائل بالحاجة إلى أخذ مسألة الخبرات المتراكمة بعين الاعتبار، يحمل شيئاً من الصحة. ولكن هل تحل مسألة الخبرات، بالإبقاء على العاملين كبار السن كافة؟
بالطبع لا، بل الحل يجب أن يكون عامَّاً، ومرتبطاً بعمليات التأهيل والتدريب، وترميم رأس المال البشري السوري. وهو ما يجب أن ينال حصة من الإنفاق والاستثمار العام، لا أن يُنتزع من السنوات الأخيرة للقوى العاملة لعقود في ظروف العمل السورية المجحفة!
إن القانون الحالي يسمح للمتقاعد بالاستمرار إلى عمر الـ 65، كما أنه يسمح بعقود خبرة مع من هم في هذه الأعمار. وهي جزء من الآليات البسيطة التي تتيح الاستفادة من هذه الخبرات السورية، العملية التي يجب أن تتم أيضاً على نطاق أوسع، عبر إيجاد الحوافز الكافية لاستقدام الخبرات السورية العاملة في الخارج، لتساهم في عملية إعادة الإعمار.
إن مشكلة نقص الخبرات، وتراجع الكفاءات، لا تُحل بإلزام القوى العاملة السورية المتعبة بالاستمرار في العمل لسنوات إضافية! وتحديداً أن هؤلاء قد خدموا آخر سنوات عملهم في سنوات الأزمة.
إن ما يتم الحديث عنه اليوم بإطالة العمر التقاعدي لمدة خمس سنوات إضافية، يعني نصف المدة المتبقية للسوري العامل، حيث إن وسطي العمر المتوقع للرجال في سورية انخفض إلى 70 عاماً، بينما للنساء 77 (WPP).
موارد التأمينات
من تأمين العمل غير المنظم
أما فيما يخص حجة الطرح المطروح، بأن رفع العمر التقاعدي سيوفر على التأمينات دفعات مالية لا تستطيع دفعها... فإن الأجدى عند التفكير من موقع مصلحة المال العام، البحث عن مصادر هدره الفعلية وإيقافها، وليس بتقليص النفقات الضرورية. فهذه المبالغ مدفوعة من هؤلاء العمال طوال سنوات خدمتهم، والأهم: أن الأموال المستحقة للتأمينات هي تلك التي لا تجنيها، من سوق العمل الخاص غير المنظم... حيث يعمل قرابة نصف القوى العاملة السورية دون أن يلتزم أرباب عملهم بدفع التأمين أو الضمان، وبمستويات أجور أصبحت الأخيرة في سلم الأجور العالمية.

إن أراد الباحثون السوريون أن يُعملوا الفكر في إيجاد حلول، لمشكلة نقص الخبرات والموارد في المرحلة القادمة، فيجب أن ينطلق البحث من أنَّ الضرورات الاقتصادية الاجتماعية والوطنية، تقتضي أن تتسع دائرة حقوق عمال سورية، وليس أن تضيق! فترميم الخبرات في المرحلة القادمة، لن يكون بإلزام العمال بإطالة مدة خدمتهم، لاستنزاف نصف المتبقي من العمر الوسطي! بل يكون بطريق واحد: أن نحصل على الموارد من حيث هي مكدّسة لدى نخب المال والربح، ونضعها في خدمة إعادة شباب سورية وقواها العاملة إلى عملية العمل، وتأمين ما يلزم لصقل معارفهم. ما من ضرورة اقتصادية اجتماعية ووطنية في المرحلة القادمة، تضاهي إعادة توزيع الثروة، باتجاه أصحاب الأجور. أما الطرح القائل بزيادة سنوات خدمتهم للوصول إلى التقاعد، يفيد، من حيث يدري أصحابه أو لا يدرون، بسرقة آخر بقايا العمر الذي قضاه هؤلاء في عمل بأجور زهيدة.

آخر تعديل على الإثنين, 27 آب/أغسطس 2018 11:25