(فقاعة التكنولوجيا)  توشك على الانفجار
ليلى نصر ليلى نصر

(فقاعة التكنولوجيا) توشك على الانفجار

خسرت فيسبوك بتاريخ 26-7- 2018: 19% من قيمة أسهمها وحوالي 119 مليار دولار، ليكون هذا أعلى مستوى خسارة لأية شركة تجارية أمريكية، لم يسبقها إليه إلا فيسبوك نفسها مع فضيحة بيع بيانات المستخدمين حيث خسرت 150 مليار دولار في ساعتين... فهل يقتصر الأمر على فيسبوك؟!

يتوقع الخبراء بأن شركات التكنولوجيا الأمريكية تحديداً قد تكون فقاعة مالية كبرى تفجر الأزمة المالية المتوقعة في كل لحظة.

تأتي خسائر شركة فيسبوك المذكورة، بعد توالي الخسائر في عوائدها خلال الفترة الماضية، ووفق هذا المقياس فإن شركات أخرى من بين شركات وادي السيليكون في كاليفورنيا (المنطقة المتعارف عليها كمركز لشركات التكنولوجيا منذ مطلع الألفية الجديدة)، تخسر مليارات الدولارات سنوياً.
فشركة تسلا الأمريكية مثلاً المؤسسة في عام 2003 والمتخصصة في صناعة السيارات الكهربائية بالدرجة الأولى، تخسر مليارات الدولارات سنوياً، ورغم ذلك فإن قيمتها السوقية تفوق قيمة كل من شركتي فورد، وجنرال موتورز الأمريكيتين، رغم إنتاجها عدداً قليلاً جداً من السيارات. وكذلك شركة أوبر لخدمات التوصيل العالمية، والتي كانت تعتبر من أكثر الشركات التكنولوجية سعراً، ونمت إيراداتها سريعاً، ولكنها خاسرة من حيث العائد السنوي وبنسب كبيرة، فمن عوائد إجمالية 6,5 مليار دولار عام 2016، فإن خسارة الشركة قاربت 2,8 مليار دولار، والأمثلة كثيرة...
شركات تتضخم بلا أرباح
رغم أن هذه الشركات الكبيرة والكثيرة لم تكن تسجل جميعها أرباحاً عالية، إلّا أن قيمة أسهمها في الأسواق كانت ترتفع بشكل مضطرد، حيث تدفقت الأموال من المستثمرين إليها، وتحديداً بعد الأزمة المالية في عام 2008، فقيمتها السوقية مضخمة عبر المضاربة بنسبة تفوق 50%، كما أشارت تقديرات المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية الأمريكي، حيث في دراسةٍ له نهاية العام الماضي، بيّن أن 135 منها ينبغي أن تخفض قيمها السوقية بمليار دولار على الأقل.
كما أن 76% من الشركات التي توسعت قيمها السوقية في عام 2017، لم تكن شركات رابحة، بل كانت شركات ناشئة، ولم تستطع أن تحقق أرباحاً من أعمالها. وهذه النسبة لعدد الشركات المتضخمة وغير الرابحة هي الأكبر منذ انفجار فقاعة (الدوت كوم) في عام 2000، حيث كانت 81% من الشركات الجديدة غير رابحة. فعملياً قيم أسهم الشركات لا تتطابق أبداً مع الأرباح، وإذا ما وزعت فعلياً الأرباح على كل المساهمين في الشركات المدرجة في الأسواق الأمريكية الأساسية، فإن عوائد الأسهم لا تتجاوز 4-5%، وتحديداً في أسعار أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى المتضخمة إلى حد بعيد (قاسيون 850).
كيف انتفخت هذه الشركات؟
التوقعات كثيرة بانفجار فقاعة تضخم أسعار أسهم شركات التكنولوجيا خلال هذا العام، وتعززها الصدمات الكبيرة في الشركات الكبرى، مثل فيسبوك، وأداء أسواق أسهم الشركات عموماً المتراجع بشكل كبير، أيضاً بعد تضخم كبير. فعملياً في مطلع العام الحالي، وتحديداً في الأيام الخمسة الأولى من شهر شباط- 2018، سجلت الأسهم الأمريكية خسارة في قيم أسهمها بمقدار 1 تريليون (ألف مليار) دولار.
لقد تضخمت قيم أسهم هذه الشركات بفعل التدفق الكبير للأموال إليها، عقب الأزمة المالية العالمية، ومع توسع الضخ النقدي بفائدة صفرية في الأسواق الغربية... حيث ذهبت هذه الأموال للاستثمار المضاربي في قيم هذه الشركات، التي تحولت إلى أكبر الشركات العالمية خلال عقد من الزمن، وتحول مدراؤها التنفيذيون إلى أثرى أثرياء العالم، وفق التصنيفات المعلنة.
ولكن هذه الموجة من تضخيم قيم الشركات الأمريكية تحديداً، والتكنولوجية على وجه الخصوص، تشارف على نهايتها. والدلائل هي في عمليات البيع الكبرى لأسهم هذه الشركات، وتوجه المستثمرين إلى أماكن استثمار أخرى، كسندات الدَّين الحكومية الأمريكية التي ترتفع عوائدها، أو إلى اتجاهات أخرى. كما أن عملية منظمة لاستهداف هذه الشركات وتخفيض قيمها السوقية تجري على مستوى الإدارة الأمريكية لترامب، فعلى سبيل المثال: التركيز على شركة أمازون التي تتهرب من دفع ضرائبها، والتي أخذت أعمال البريد الأمريكي كما يقول ترامب. بالإضافة إلى الفضائح التي استهدفت شركة فيسبوك، والتصعيد الإعلامي ضد الشركة، التي تستخدم بيانات المستخدمين منذ نشوئها، ولكنها المرة الأولى التي يقوم أحدهم بنقل الفضيحة للعلن لأهداف اقتصادية.

تستهدف بعض قوى المال الغربية نقل أموال المستثمرين من شركات التكنولوجيا الكبرى، إلى مواضع أخرى، وهو اتجاه موضوعي لشركات تتوسع مضاربياً، ودون أرباح، والمصير المنطقي لفقاعة يجري تضخيمها عبر المال الذي كان يتدفق من البنوك المركزية بسهولة، والذي يتوقف اليوم. ولكن تراجع هذه الشركات المنتفخة سيكون ثمنه انفجار فقاعة مالية كبرى لشركات أصبحت أكبر من اقتصاديات دول بأكملها، ولسوق أسهم عالمية أصبحت قيمتها السوقية تتجاوز 100 تريليون دولار، في نهاية عام 2017. وإذا ما تكرر سيناريو انفجار الفقاعة في عام 2008 دون توسع بل بالمعدلات ذاتها فقط، فإن هذا سيعني خسارة تقارب 50 تريليون دولار، أو ما يقارب ثلثي قيمة الناتج الإجمالي العالمي!

آخر تعديل على الإثنين, 30 تموز/يوليو 2018 14:34