الدَّين الصيني... الأضخم والأقل خطورة
ليلى نصر ليلى نصر

الدَّين الصيني... الأضخم والأقل خطورة

يتحدث الجميع عن أزمة الديون العالمية، ويضع الإعلام الاقتصادي العالمي الديون الصينية في مصافِّ أزمات الديون الكبرى، وتتوالى النصائح الأكاديمية والاقتصادية التي تبحث ضرورة أن تقوم الصين بإعادة «هيكلة الديون» والصين تقوم بذلك فعلاً ولكن على عكس الاتجاه الذي يتمناه الغرب.

بلغ الدَّين العالمي نسبة 327% من الناتج، وأشار تقرير الرصد المالي الصادر عن صندوق النقد الدولي في نيسان 2018، إلى أن ديون الصين هي المحرك الأكبر للديون، حيث ساهم بنسبة 43% من زيادة الدَّين العالمي خلال هذه الفترة.

بالفعل ازدادت الديون الصينية بشكل كبير عقب الأزمة المالية العالمية، وارتفعت خلال عقد مضى من حدود 5 تريليون دولار إلى 26 تريليوناً في عام 2016.
ولكن يمكن القول: إن للدين الصيني «وضع خاص» ورغم حجمه الكبير، إلّا أنه قد يكون أقل الديون العالمية خطورة. ويرتبط تبيان هذا بالإجابة عن أسئلة محددة: من هو المقترض، ومن هو المقرض في الدَّين الصيني؟!

دَين للشركات غير المالية
يقول تقرير صندوق النقد الدولي، بأن محركات توسع الدَّين العالمي هي اثنتين، الأول: ديون الحكومات، وهذا تحديداً في الدول المتقدمة، حيث إن وسطي دَين الحكومات في «الدول المتقدمة» أو دول المركز الغربي هو 105% من الناتج، بينما الوسطي لدى حكومات الدول الصاعدة ومتوسطة الدخل هو 49%.
أما المحرك الثاني لتوسع الديون العالمية منذ 2007، فهو ديون الشركات، وتحديداً في القطاعات غير المالية، وفي الدول الصاعدة.
أي: الشركات الصناعية والعقارية والزراعية وغيرها من المجالات غير المالية، في دول مثل: الصين والهند، والبرازيل، وتركيا، وروسيا وغيرها...
ويتركز أثر الدَّين الصيني الكبير في هذا المجال الثاني، حيث إن ديون الشركات الصينية غير المالية قد ارتفعت من نسبة 170% من الناتج المحلي الإجمالي، إلى 235%، وقاربت في عام 2016: 180 تريليون يوان.
الحكومة هي الممول الأكبر
44% من ديون الشركات غير المالية الصينية هي ديون حكومية، وبضمانة حكومية، تسمى الديون المضمونة. وهي لتمويل شركات الدولة الصناعية، والشركات المشتركة، وديون النشاطات الاستثمارية غير المالية لحكومات الأقاليم وغيرها. وهي ديون محمية بقدرة الحكومة المالية، وبملكيتها.
قرابة 20% من الديون الصينية هي ديون قطاع الأسر، أما النسبة الباقية وقرابة 36% هي ديون الشركات الخاصة الصينية غير المالية، وحوالي 101 تريليون يوان صيني.
وهذه الأخيرة هي الديون الأضعف، والأكثر عرضة للتخلف عن السداد: ولكن الملفت أن الشركات الخاصة الصينية تتمول بنسبة 96% من قطاع التمويل المحلي، بينما تستدين من الخارج بمبلغ أقل من 4 تريليون يوان، ما يعني: أن الديون الصينية الأضعف، ليست مرهونة لدين خارجي: (يمكن أن نقارن بتركيا على سبيل المثال التي يشكل التمويل الخارجي نسبة ....% من تمويلها).
تسوية الديون وإنقاذ الشركات
وسعت الصين تمويلها المحلي لنشاطها الاقتصادي غير المالي، سواء الحكومي أو الخاص خلال المرحلة التي أعقبت الأزمة المالية العالمية، وقد توسع الدَّين مع توسع التمويل، ولم تكن هذه الديون لتتحول إلى خطرٍ لولا عوامل متعلقة بالوضع الاقتصادي العالمي، وتحديداً تراجع التجارة العالمية، والعامل الآخر المستجد والمتعلق بالهجوم الأمريكي على التجارة العالمية عبر التعرفات الجمركية.
وتصل الصين اليوم إلى المرحلة التي تتعامل بها مع هذا الدَّين، إذ لا تسمح بتفاقم حالات عدم القدرة على السداد، وترد بالوقت ذاته على الإجراءات الأمريكية.
التعرفات الجمركية الأمريكية التي طالت نسبة 85% من المبيعات الصينية إلى الولايات المتحدة. وهي نسبة هامة من الصادرات الصينية، وقرابة خمسها! ما سيكون له أثر على التجارة الخارجية الصينية، والميزان مع الولايات المتحدة.
وقد بدأ المصرف المركزي الصيني بإجراءات للرد، أهمها: مزيد من توسيع العرض النقدي، عبر زيادة قدرة المصارف المحلية على تمويل الديون، حيث من المتوقع أن يتم ضح حوالي 700 مليار يوان في السوق الصينية قريباً. وهذه العملية لها أثر على قيمة العملة الصينية إذا تخفض قيمة العملة، التي انخفضت فعلاً بنسبة 0.74% مقابل الدولار. ولكن هذا الانخفاض مفيد للصادرات الصينية، إذ يخفف من أسعار السلع، ويقلل من أثر التعرفة الجمركية الأمريكية. وبالمقابل فهو مضبوط، ولن يتم تراجع كبير في قيمة اليوان، تحديداً بعد الإجراءات الصينية لتقليص خروج رؤوس الأموال من الصين، حيث تراجع خروج الأموال من الصين في عام 2017 بنسبة 78% بالقياس بـ 2015، وتراجعت تحديداً الاستثمارات الصينية في أميركا بنسبة 92%.
وبالمقابل فإن البنك المركزي الصيني، أشار إلى أن استخدام هذا التمويل، سيكون عبر اتفاقيات: «الديون مقابل حقوق ملكية مساهمة»، والتي تعني تسوية ديون الشركات المتعثرة، عبر إلغاء الديون والحصول على حصص في هذه الشركات. وهو ما يعني إيقاف توسيع الدَّين الصيني، والقيام بعملية إعادة هيكلة ستجري تحديداً على الشركات المتعثرة عن السداد في القطاع الخاص الصيني.
الديون الصينية ليست خطرة فهي أولاً محلية وليست خارجية، وثانياً: جزء هام منها ديون من الحكومة للحكومة، وهي مضمونة بالقدرات المالية الكبيرة للاحتياطي الصيني، ولقطاع التمويل الصيني حيث أن نسبة الديون إلى الاحتياطيات منخفضة، عدا عن الفائض المالي العام للبلاد. وثالثاً: وهو الأهم: أن التمويل الصيني بعد الأزمة المالية قد توجه نحو توسيع النشاط الإنتاجي غير المالي، ما دعم النمو الفعلي في الصين ووسعه، أما الآن فإن الفشل المالي المحتمل لجزء من نشاط القطاع الخاص الصيني، سيتم انتشاله عبر إلغاء الديون ومشاركة الممولين الحكوميين بالدرجة الأولى. الاقتصاد الصيني محمي بقدراته الاقتصادية الهائلة وفوائضه المالية، ولكنه محمي بالدرجة الأولى بالدور الفعال والمرن للملكية الكبيرة الحكومية.

Fiscal Monitor April 2018- imf
Credit Booms—Is China Different?

آخر تعديل على الإثنين, 02 تموز/يوليو 2018 15:27