إنتاج فعلي وإنتاج إجمالي
تراجع الناتج الإجمالي السوري 58% بين عامي 2011- 2016، وقارب في نهاية 2016: 5700 مليار ليرة، وحوالي 12 مليار دولار، وهذا الرقم (الناتج المحلي الإجمالي) الذي يضم القيم المضافة المنتجة في كل القطاعات، لا يعبر عن الإنتاج الفعلي للثروة الجديدة في الاقتصاد السوري...
يضم الناتج الإجمالي صنفين من القطاعات، الأولى: المسماة قطاعات حقيقية تُنتج الثروة. والثانية: التي يُعاد توزيع الثروة ضمنها.
تنتج الثروة الجديدة عن ساعات تفاعل قوة العمل البشرية مع مواد العمل وأدواته، هذا التفاعل الذي ينتج عنه ما يُسمّى ماركسياً (القيم المنتجة مجدداً). وهذه القيم يعاد توزيع جزء منها على القطاعات الثانية، فمثلاً: تحصل المصارف وشركات التأمين على جزء من هذا الدخل الفعلي من المنتجين، وتقوم بتدويره وأخذ حصة منه مقابل خدماتها، وكذلك الأمر في التجارة الداخلية، ولدى أصحاب العقارات حصتهم أيضاً. بينما تأتي خدمات أخرى لتضيف قيمة منتجة مجدداً إلى الإنتاج السلعي، كخدمات: النقل والتخزين والمواصلات وحتى الاتصالات نسبياً.
ورغم أنه يصعب أن يتم الفصل تماماً بين موضع النشاط الاقتصادي الذي تنتج فيه الثروة، والموضع الذي يعاد توزيعها فيه... إلا أنه يمكن القول: أن التصنيف الدولي المعتمد للقطاعات يفصل نسبياً بين الاثنين. ونقدر بأن قطاعات الإنتاج الحقيقي هي بشكل أساس: الزراعة والغابات والثروة السمكية، والصناعة الاستخراجية والتحويلية متضمنة إنتاج الكهرباء ومياه الشرب، البناء والتشييد، النقل والتخزين والمواصلات. أما ما تبقى فهي قطاعات يُعاد فيها توزيع الثروة بشكل أساس، مثل: التجارة، والقطاعات المالية والعقارات، بالإضافة إلى خدمات المجتمع الحكومية وغير الحكومية. وهذا بالطبع لا يقلل من أهمية بعض هذه الخدمات، إلا أنه يحدد دورها في النشاط الاقتصادي، وعلاقتها مع إنتاج الثروة الاقتصادية المادية، ورغم مساهمة بعضها في رفد هذه الثروة وارتباطها بها وحاجتها الموضوعية إليها، مثل: التعليم والصحة، إلا أن مساهمتهما مرتبطة بهذا الإنتاج الأولي الذي تحصل منه على حصتها من الثروة، ونواتجها الفعلية تظهر أيضاً في الإنتاج اللاحق من الثروات الفعلية كما في التعليم مثلاً.
وفق هذا التصنيف التقريبي، توصلنا إلى نتيجة بأن إنتاج الثروة الفعلي، أقل من نصف الناتج الإجمالي السوري، ويتراوح بين أقل من 50% وصولاً إلى 60% منه، بينما الباقي، هو: الناتج في القطاعات التي تدور فيها الثروة والدخل السابق أو المنتج خلال السنة ذاتها.
وهي نسبة منخفضة للناتج الحقيقي، ورقم منخفض لإنتاج الثروة الفعلية يتراوح بين قرابة 6- 7,2 مليار دولار في عام 2016.
إن عملية التحديد الدقيق لموضوع إنتاج الثروة الفعلية، هو مسألة حساب وطني شامل، ولكنها عملية مُهمَلة نتيجة اتباع النمط العالمي للحساب القومي. ولكن إذا لم نسع لتحديد دقيق لقدرتنا على إنتاج الثروة الحقيقية محلياً، فإن هذا يعكس عدم اهتمامٍ بعملية التنمية الاقتصادية الفعلية، أي: تنمية قدراتنا على خلق ثرواتنا الفعلية، وليس فقط تكبير الأرقام بالاعتماد على الناتج في القطاعات الأخرى، أو على الدخل المتدفق من الخارج!