هل فعلاً يقول الوزير:  إن الدعم أكبر من الموازنة؟!

هل فعلاً يقول الوزير: إن الدعم أكبر من الموازنة؟!

أوصل وزير المالية الدعم الحكومي اليومي إلى رقم قياسي جديد بلغ 4 مليار ليرة يومياً، في واحدة من تصريحاته الأخيرة، والمتكررة بهذا الشأن، بينما كان هذا الرقم ذاته يبلغ 3 مليار ليرة في شهر 11 من العام الماضي، أيضاً وفق التصريحات الوزارية.

الوزير المذكور يتحدث عن 4 مليارات يومياً، وبالتالي عن حوالي 1460 مليار خلال السنة، أي: أنه يقول: إن الدعم الحكومي أعلى من الموازنة الحكومية!
ما لا يمكن فهمه هو الإصرار الحكومي على تذكيرنا بأرقام الدعم، والتباري في رفع تقديراتها، وكأن أحدنا يعتب أو يتساءل... ألا تعلم الحكومة أن الوضع أصبح خارج دائرة العتب والمساءلة؟! وأن الأمور أصبحت جلية. فتقديرات الدعم السوري خارج كل الحسابات المنطقية. وعلى العالمين فعلاً بحجم الدعم وحركة الأموال العامة، أن يجمعوا الحكومة ويوحّدوا مفهوم الدعم ورقمه المزمع لدى مسؤوليها. فبعض الوزراء يحسب أن التكاليف الإجمالية هي الدعم، على ما يبدو... بينما الدعم يجب أن يكون مقدار الفرق بين التكلفة الفعلية، وبين سعر المبيع الذي يفترض أن يكون أقل من التكلفة.
فإذا كانت الحكومة تدعم المحروقات والكهرباء والخبز والمياه كما يقول الوزير بمبلغ 4 مليار ليرة يومياً، فما هي الكلفة الإجمالية التي يفترض أن تكون أكبر من الدعم؟!
الموازنات «تبهّر» أيضاً
لا تنحصر مسألة «تبهير» الأرقام على التصريحات الحكومية، بل أيضاً على مشاريع الموازنات العامة. والأمثلة كثيرة وتظهر مع كل موازنة حكومية. ففي عام 2016 وضعت الموازنة الحكومية رقماً تاريخياً لدعم المحروقات، بلغ في حينها 445 مليار، ليرة ليتبين لاحقاً أن شركة محروقات تقول: إن دعم المحروقات لم يتجاوز 70 مليار ليرة. ثم لم تعدل الموازنة اللاحقة الرقم كثيراً، بل رفعته إلى 730 مليار ليرة كخسائر لشركة محروقات، بين ما هو داخل الموازنة وما يمكن أن ينفق من خارجها!
ولكن السؤال، هو: حول وجود دعم فعلي، وحول حجم هذه النفقات المزعومة على تخفيض الأسعار؟ فإن كانت بالفعل تكاليف الخبز قد تفوق سعره، فإن المسألة في كل ما يخص قطاع المحروقات مختلفة.
المحروقات
بين السعر المحلي والعالمي
المحروقات السورية مسعّرة بسعر قريب من الأسعار العالمية، وإنتاجها المحلي قد ازداد بين عامي 2016 و2017، ما يعني أن نسبة الإنتاج المحلي من الاستهلاك الإجمالي قد ازدادت زيادة كبيرة.
فبالنسبة للنفط ازداد من 2000 برميل يومياً، إلى 20 ألف برميل. وبالنسبة للغاز ارتفع من 7 مليون متر مكعب إلى 16 مليون. فإذا ما كان الدعم في 2016 وبمستويات الإنتاج المحلي المنخفضة قد بلغ قرابة 70 مليار ليرة تقريباً، فإن هذا يعني أن ارتفاع مستويات الإنتاج المحلي بهذه النسب يفترض أن تعدّل على موازنة المحروقات. وأن تجعلها رابحة لا مدعومة! وتحديداً أن أسعار البيع المحلية لا تبتعد كثيراً عن أسعار البيع العالمية، أي: عن كلف الاستيراد.
يفترض أن ينعكس هذا الإنتاج انخفاضاً في أسعار المحروقات، لأنه إنتاج محلي ينبغي ألا يسعّر بالسعر العالمي. وتحديداً في الظرف الحالي فنحن لا نستعين بشركات أجنبية تأخذ نصف الإنتاج تقريباً 48%. وتكاليف الإنتاج المحلية ليست 50 دولاراً للبرميل، بل كانت 3 دولارات للبرميل قبل الأزمة. وقد تكون ازدادت بنسبة ما بناء على ارتفاع مستويات الكلف والأسعار في سورية، إلا أن جزءاً أساسياً من التكلفة، وهي تكلفة أجور عمال استخراج النفط السوريين، لم ترتفع إلا بنسب قليلة جداً. وإن كان القائمون على قطاع النفط، يسعّرون النفط المحلي بالسعر العالمي لا بسعر التكلفة، ليوزعوا حصصاً لأطرافٍ ووسطاء «يحمون» النفط، أو ينقلونه أو يقومون بمهمات اعتبر البعض أن ظروف الأزمة يمكن أن تغطي عليها، فإن هذه المرحلة قد انتهت، والتغيرات الأمنية والسياسية يفترض أن تنهي حصة هؤلاء، وسمسرتهم على الظروف الصعبة! وتجعل تسعير النفط وإنتاج المحروقات بسعر تكلفة مع هامش منطقي لدخل الشركات العامة، أمراً ضرورياً.
ينبغي أن تتذكر الحكومات السورية: أن هذا الدعم الذي تزعم وجوده، وتتسابق التصريحات في تضخيمه، وخلطه بالإنفاق العام، ما هو إلا من ثروات السوريين، ومن نتاج عملهم. وما القائمون عليه إلا بقائمين عليه فقط... وليسوا مالكيه. فإن كانت الحكومات لا تستطيع أن تعلن الحقائق الفعلية في قطاع النفط، ولا تستطيع أن توضح حجم الربح الممكن فيما لو تقلصت حصص الوسطاء... فإن عليها عملياً ألّا تغالي في تقدير أرقام «الخسائر والمدفوعات الحكومية على دعم الشعب»!

آخر تعديل على الإثنين, 07 أيار 2018 11:18