الإنتاج الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية
بلغ الناتج الإجمالي العالمي لعام 2016: 75.5 تريليون دولار– ألف مليار، بالأسعار الجارية للدولار حالياً- والولايات المتحدة لا تزال المساهم الأكبر به بمقدار 18.5 تريليون ونسبة 24% أي: قرابة الربع...
ولكن ماذا بشأن الإنتاج الاقتصادي الحقيقي في القطاعات المولدة للثروة مثل: الزراعة- الصناعة- الإنشاء- البنى التحتية، كم تبلغ مساهمة الولايات المتحدة بمقاييس الإنتاج الفعلي؟!
تساهم كل من الزراعة والصناعة بمجمل قطاعاتها بنسبة 36.5% من الناتج الإجمالي العالمي، أي: من مجموع القيم المضافة المنتجة عالمياً، بينما نسبة 63.5% تعود إلى قطاعات الخدمات بأنواعها، ومن ضمنها بالدرجة الأولى القطاعات المالية، والتجارة، والنقل، والإعلام.
أي: من ضمن 75.5 تريليون دولار منتجة عالمياً في عام 2016، هناك 4.7 تريليون أنتجت من الزراعة، و12 تريليون دولار تأتي من قطاع التصنيع الذي يشمل الصناعات التحويلية كلها ومن بينها تكرير النفط، إضافة إلى 10.8 تريليون دولار تتوزع بين قطاع الإنشاء، والطاقة، والمياه. بينما قرابة 48 تريليون دولار عالمياً، أتت من قطاعات الخدمات بأنواعها.
وبمقاييس إنتاج الثروة الفعلية، أي: حيث يساهم العمل البشري بتفاعله مع الآلات وعناصر الطبيعية لينتج منتجات جديدة فيها قيمة جديدة، فإن الإنتاج الفعلي يكمن بشكل أساسي في القطاعات الثلاثة: الزراعة، والتصنيع، وخدمات البنى التحتية، أي: أن القيم الجديدة المنتجة فعلياً تبلغ قرابة ثلث الناتج العالمي فقط.
خمس الإنتاج الأمريكي... إنتاج حقيقي!
وبالعودة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، الاقتصاد الأقوى عالمياً حتى الآن، فإن مساهمته في هذه القطاعات الأساسية، وفي إنتاج الثروة الحقيقية، أقل من مساهمته في مجمل الدخل العالمي.
حيث يتوزع الناتج الأمريكي في عام 2016 والبالغ 18.5 تريليون دولار، على ثلاثة أبواب:
الأول: هو الزراعة وبنسبة لا تتعدى 1.1% من إجمالي الناتج الأمريكي، وقيم بلغت في عام 2016: 0.2 تريليون دولار. أما التصنيع فيساهم بنسبة 12%، وقيم مضافة بلغت 2 تريليون دولار، وفي باقي فروع الصناعة من بنى تحتية وطاقة وغيرها فإن النسبة تبلغ 7.4% وقيم مضافة بلغت: 1.3 تريليون دولار.
أما الجزء الأعظم من الناتج الأمريكي وبنسبة 79.5% فهو في قطاع الخدمات بأنواعها، وبقيم مضافة بلغت: 14.7 تريليون دولار. ما يعني أن إنتاج الثروة الفعلية يشكل قرابة خمس الإنتاج الأمريكي فقط.
12% من الإنتاج الحقيقي العالمي
وإذا ما نظرنا إلى إنتاج القطاعات الحقيقية في الولايات المتحدة، ومساهمته من الناتج العالمي في هذه القطاعات، ومقارنته مع الإنتاج الصيني فيتبدى لنا التالي:
تساهم زراعة الولايات المتحدة بنسبة 6,4% من القيم المضافة في القطاع الزراعي عالمياً، بينما تساهم الصين بنسبة 30,6% وبقيم مضافة بلغت 0,95 تريليون دولار.
أما في مجمل قطاع الصناعة: (التصنيع والبنى التحتية والإنشاء)، فإن مساهمة الولايات المتحدة عالمياً تبلغ قرابة 20% وقرابة 3,3 تريليون دولار، بينما تساهم الصين بنسبة 22%، وبمقدار 4,4 تريليون دولار.
أما مساهمتها الإجمالية في ناتج القطاعين معاً عالمياً تشكل 12% من الناتج الحقيقي العالمي، بينما مساهمة الصين في ناتج القطاعات الحقيقية العالمية تبلغ: 19,5%.
الحفاظ على التصنيع ومتغيرات كبرى
تحافظ الولايات المتحدة على معدل نموٍ في قطاع التصنيع، متقارب مع معدل نمو الناتج الإجمالي، ففي دراسة أمريكية للفترة بين 1987-2011، نما الناتج الإجمالي الأمريكي بمعدل 2,5%، ونما ناتج قطاع التصنيع التحويلي بنسبة 2,6%.
ولكن هذا النمو يعتمد على قطاع أساسي، وهو ما يصنف بقطاع الكمبيوترات والإلكترونيات، الذي نما ناتجه خلال الفترة ذاتها بمعدل وسطي سنوي 19,5%.
بينما قطاع إنتاج السلع الاستهلاكية، أو ما يسمى بغير المعمرة، فقد نما بمعدل لا يتجاوز 0,7% سنوياً خلال الفترة ذاتها.
ترافقت هذه العملية مع مستوى عالٍ من التكثيف الرأسمالي، وتراجع التشغيل في قطاع التصنيع، بمقدار الثلثين، حيث إن أكثر من 17 مليون عامل في التسعينيات كانوا يعملون في شركات التصنيع الأمريكية، تقلصوا خلال الفترة بين 2005- 2011 إلى 5,7 مليون عامل.
وفي المقابل تضاعفت كثافة رأس المال الموظف في قطاعات التصنيع، مقابل كل ساعة عمل بنسبة 243% خلال الفترة بين 1990- 2010 ثم توقف تكثيف رأس المال منذ الأزمة المالية العالمية في قطاع التصنيع الأمريكي ولم يتوسع إلا بمعدل 3% حتى عام 2016 ما يشير إلى تراجع معدل الربح.
قطاع التصنيع الأمريكي استمر بالنمو خلال مرحلة توسع القطاع المالي العالمي، وتحديداً في قطاع السلع المعمرة، الذي يتضمن إنتاج وسائل الإنتاج، وتحديداً في قطاعات التكنولوجيا العالية في الكمبيوترات والإلكترونيات. واعتمد نمو هذا القطاع على تكثيفٍ عالٍ في رأس المال، وتراجع في معدلات التشغيل.
إلا أن هذا القطاع يعتبر مساهماً أساسياً في العجز التجاري للولايات المتحدة الأمريكية، حيث إن واردات قطاع التصنيع العالمي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فاقت صادراته بمقدار 460 مليار دولار في عام 2012 وبلغ العجز نسبة: 23% تقريباً من ناتج هذا القطاع.
لدى الولايات المتحدة قطاع تصنيعي هام: 2 تريليون دولار، هو الثاني من حيث التصنيع العالمي بعد الصين: 2.8 تريليون دولار. تعتمد الصناعة الأمريكية على كثافة تكنولوجية، وكثافة رأس مال استثنائية، تضاعفت مرتين وثلث خلال عقدين من الزمن، وبالمقابل تخلت عن ثلثي عمالها. ويتركز التصنيع الأمريكي في قطاعات إنتاج وسائل الإنتاج وتحديداً الكمبيوترات والإلكترونيات، وبالمقابل تستورد الولايات المتحدة جزء هام من الصناعات الأخرى، ما جعلها تخسر ربع القيم المضافة من إنتاجها التصنيعي بالفوارق بين صادرات وواردات التصنيع.
ولكن هذا التصنيع الهام لا يشكل إلا نسبة 12% من الناتج الإجمالي الأمريكي الذي يعتمد على قطاع المال بالدرجة الأولى، وقد حرصت الولايات المتحدة خلال عقود على الحفاظ على ميزاتها التصنيعية، من خلال عوائد القطاعات الأخرى كالمال والخدمات، ولكنها منذ الأزمة المالية العالمية بدأت تقلل من التكثيف الرأسمالي في هذا القطاع، ما ينذر بتراجع معدلات نموه المعتمدة على إنتاجية رأس المال...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 832