2016: تراجع التراجع الكهربائي
حتى الثمانينيات كانت لا تزال مهمة إيصال الكهرباء موضوعة على جدول أعمال بعض المحافظات السورية لبعض القرى والبلدات، وفي العقد الماضي في سورية بدأت تظهر بوضوح أثر إخفاقات هنا وهناك في مواجهة الأحمال على الشبكة، مع توسع الأحياء والنشاطات الاقتصادية التي تولد في الظل، وتسرق حاجاتها الكهربائية أما اليوم فالكهرباء المقننة أصبحت المقياس الأهم على شدة التدهور...
نشرت بعض البيانات الجديدة عن واقع القطاع الكهربائي في سورية من تقرير صادر عن البنك الدولي (the toll of war) قاسيون تستطلع بياناته مع الأرقام والمعلومات الرسمية السابقة للوقوف على المعالم الأساسية لقطاع الطاقة الكهربائية في سورية اليوم.
يبدو أن عام 2016 سيكون ذروة التراجع في الإنتاج الكهربائي خلال الأزمة، فالعام الحالي ورغم عدم صدور أيةِ معطيات أو مؤشرات أو تصريحات حكومية تدل على تحسن مستوى الإنتاج، إلا أن واقع التغطية الحالي في بعض المدن والتجمعات الكبرى، والذي لم يشهد توقفات طويلة في الصيف الحالي، يشير إلى تحسن نسبي في إنتاج الكهرباء وتأمين الوقود اللازم لها.
تم توليد إجمالي 19 مليار كيلو واط ساعي في عام 2016، بتراجع بنسبة 4% فقط عن إنتاج 2015، وهي أقل نسبة تراجع خلال سنوات الأزمة، بينما كانت نسبة التراجع السنوي الأكبر في عام 2013 عندما خسر الإنتاج الكهربائي نسبة تقارب 31% من إنتاجه في عام 2012.
بينما أنتجت وزارة الكهرباء نسبة 92% بمقدار 17.6 مليار كيلو واط ساعي من الكهرباء في عام 2016 عبر المؤسسة العامة للتوليد بتراجع بنسبة 7% تقريباً عن إنتاج عام 2015 البالغ 18.9 مليار كيلو واط، والباقي أنتجته السدود المائية ووزارة النفط بشكل أقل، بينما لا يرد عبر خطوط الربط مع الجوار أية كمية من الطاقة الكهربائية.
وعملياً فإن إنتاج الكهرباء مطلع العام الحالي شكّل نسبة 38% تقريباً من إنتاج الذروة في عام 2011 البالغ: 49 مليار كيلو واط، بينما خسرنا ما يقارب 30 مليار كيلو واط ساعي من الكهرباء القابلة للإنتاج خلال السنوات الست.
الملفت أن التوليد من وزارة الري قد ارتفع في عام 2016 بنسبة 125% عن 2015، لتنتج السدود المائية 9.2 مليار كيلو واط مقابل 4.9 في 2015، مع تضاعف الإنتاج التابع للمؤسسة العامة لسد الفرات التي تستمر بالعمل.
ولكن في كل الأحوال لا تزال الفجوة بين الطلب الإجمالي والتوليد كبيرة، فرغم تراجع الطلب الإجمالي من 50.7 مليار كيلو في عام 2011 إلى 32 مليار أي: بنسبة 37%، إلا أن الفجوة بين التوليد والطلب قد ازدادت، فتلبية الطلب الحالي في عام 2016 تحتاج إلى زيادة قدرة التوليد الإجمالية بنسبة 68%، وزيادة قدرة المؤسسة العامة للتوليد بمقدار 90% تقريباً، بينما كنا نحتاج في عام 2011 إلى زيادة بنسبة 3% لتغطية الطلب الكلي.
وعموماً كانت ذروة تراجع الطلب في عامي 2013- 2014، ثم استمر التراجع ولكن بوتائر أقل، فالطلب في الذروة في عام 2016 كان أقل بنسبة 2.6% فقط عن الطلب في الذروة في عام 2015.
بنى التوليد مستمرة والنقل والتوزيع أكثر تضرراً
ثلاثُ من المحطات العاملة خارج الخدمة في عام 2016، وهي حلب وزيزون والتيم، بينما وبحسب بيانات من وزارة الكهرباء في أواخر عام 2015 فإن المحطات بمجموعها كانت تعمل ولو جزئياً باستثناء التيم، والإنتاج كان يتوقف بنسب مختلفة بين المحطات لأسباب تتعلق بتوفر الوقود، حيث قدرنا مجموع أوقات التوقف للمحطات العاملة لتشكل بمجموعها ثلاثة أشهر خلال السنة، بينما ترتفع نسبة التوقف في ريف دمشق لتصل إلى مدة مجموعها عشرة أشهر خلال السنة في محطات ريف دمشق الأساسية: الدير علي وتوسعها، تشرين، والناصرية، مقابل ساعات عمل لم تتجاوز الشهرين في عام 2015، ليتبين بأن كلاً من الدير علي والناصرية عادت إلى العمل بنسب أعلى في عام 2016 الأمر الذي تدل عليه حصتها التي ارتفعت من استهلاك الغاز.
أما معلومات تقرير البنك الدولي في بداية العام الحالي فتقول: بأن المحطات المتوقفة كلياً هي ثلاث حلب، وزيزون في إدلب والتيم في دير الزور، كما تشير إلى أن اثنان من السدود المائية الثلاث تعمل بالكامل، وواحد جزئياً، مقابل خمس من المحطات الأساسية مستمرة بالعمل بالكامل، بينما المحطات الباقية تعمل جزئياً، كما تشير المعلومات الدولية إلى أن قدرات شبكة النقل لم تتأثر، ولا تزال إمكانية التوزيع والنقل عبر البلاد متاحة.
ولكن حتى في الأماكن التي يعتبرها التقرير الدولي الأكثر تضرراً فإن الضرر الكامل في البنى التحتية والشبكة يبلغ نسبته القصوى في حلب بنسبة 6.8% من البنى التحتية، بينما المدمرة جزئياً تبلغ نسبتها 3.8% وهي أعلى نسبة ضرر ودمار في البنى التحتية الكهربائية في المحافظات السورية، ما يجعل نسبة الاعتماد على الحلول البديلة في حلب عالية، فنسبة 49% من المستبينين في حلب يعتمدون في تأمين الكهرباء على الشراء من المزودين الخاصين بالطاقة، أي: من مالكي الأمبيرات، أما من يعتمدون على المولدات: فيشكلون نسبة 18.7%، بينما 4.7% فقط لا زالوا يعتمدون على الكهرباء الحكومية فقط.
البيانات الرسمية تشير إلى أن المجموع التراكمي للخسائر والأضرار المباشرة في قطاع الكهرباء قد بلغت 850 مليار ليرة منذ بداية الأزمة، جزء هام منها هو في قيمة الكهرباء التي لم تنتج نتيجة التوقف بمقدار 30 مليار كيلو واط ساعي تقريباً، وجزء آخر هو في أضرار البنى التحتية. التي يمكن القول: إنها موزعة ضمن اتجاهين الأول: هو إمكانات التوليد التي لم تتعرض لخسائر هامة، من حيث أضرار المحطات والعنفات وغيرها، بينما الثاني فهو في أضرار النقل والتوزيع حيث تشير البيانات الرسمية نهاية عام 2016 إلى أن نسبة 27% من خطوط النقل خارج الخدمة، بينما نسبة المحولات الخارجة عن الخدمة تبلغ 19% من المجموع، والضرر الأكبر في خطوط النقل ومحولات التوتر العالي 400 ك.ف.
إن خسائر قطاع الكهرباء الأساسية هي في خسائر قطاع النفط، وفي عدم توفر الوقود الكافي، ويدل على هذا أن نسبة تراجع استهلاك الوقود لإنتاج الكهرباء تتساوى مع نسبة تراجع إنتاج الطاقة الكهربائية، فكمية الغاز المستهلكة كهربائياً تراجعت بنسبة 62%، وكذلك تراجع استهلاك النفط (الفيول والمازوت) في إنتاج الكهرباء بنسبة 60% بين عامي 2011- 2016، ومقابل هذه النسب تراجعت كمية الكهرباء المنتجة بالنسبة ذاتها 61% بين العامين. ما يدل على أن وزن تراجع الوقود محوري في تراجع إنتاج الكهرباء بينما حال البنى التحتية تأثيرها غير ملموس على تراجع إنتاج الكهرباء.
المفارقة أن الكهرباء كانت تحصل على حصة أكبر من الغاز المنتج محلياً في عام 2011، فقد حصلت الكهرباء في عام 2016 على نسبة تقارب 70% من الإنتاج التقديري للغاز محلياً خلال العام، بينما كانت تحصل على 80% في 2011، ما يشير إلى إمكانية زيادة مخصصات الغاز لإنتاج الكهرباء وتوسيع تشغيل البنى التحتية القادرة على التوليد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 822