إلى أين وصل   «مرض» الاقتصاد السوري؟!

إلى أين وصل  «مرض» الاقتصاد السوري؟!

كان الاقتصاديون السوريون يقولون قبل عام 2010: إن الاقتصاد السوري «مشلول تنموياً»، ومصاب «بمرض عضال» يعيق النمو الاقتصادي، وبالتالي يعيق السير خطوات للأمام، وهذا المرض ناجم عن ثلاث اختلالات أساسية: 

 

 

أولها: إن ما ينتج من قيمة مضافة، أي ما ننتجه من سلع وخدمات، لا يوزع بعدالة، بل شكل مشوّه، لتأخذ الأقلية من أصحاب الأرباح نسبة 75% من الناتج، وتبقي للأكثرية من أصحاب الأجور نسبة الربع 25%.

وثانيها: إن أصحاب الأرباح يأخذون الحصة الكبرى، ولا يستثمرون إلا نسبة قليلة منها، كانت حوالي 23% فقط في عام 2010، بينما قرابة 45% من الناتج هي ربح صافٍ، يكتنزه أصحاب الأرباح في الداخل، أو يهربونه ليودعوه في مصارف الخارج...

وثالثها: إن القليل الذي يستثمر، لا يستثمر بفعالية، بل يستثمر ضمن شروط بنية الاقتصاد السوري ضعيفة الإنتاجية، والتي يتحقق فيها عائد منخفض بلغ في عام 2010 نسبة 22.9% من الاستثمار. وأسباب تراجع العائدية، أو كفاءة الاستثمار كثيرة، فعندما يكون الاستثمار في البنية التكنولوجية في القطاعات الحقيقية، أو في البحث العلمي منخفضاً، وعندما تكون عملية إدارة الاستثمار لا تمتلك أية قدرة أو سياسة لزيادة القيمة المضافة من مختلف المنتجات، بل لا تمانع تصدير المواد الخام دون إنتاجها، ولا تسعى إلى الاستثمار في البنى التحتية التي ترفع الجدوى، وتقلل التكاليف، أي عندما تتراجع بشكل مضطر الشروط التنموية الاقتصادية، فإن كفاءة الاستثمار ستتراجع حكماً، وسيلجأ أصحاب الأرباح ممن يحصلون على النسبة الكبرى من الناتج، إلى البحث عن أسهل الطرق لاستثمار أموالهم، دون «عناء»، وتكاليف تطوير الاستثمار في الإنتاج الحقيقي.

وهذه المؤشرات الثلاثة، تفاقمت بحدة خلال سنوات الأزمة، واستمرارها يهدد عملياً نجاح أية عملية إعادة إعمار! فالأرباح أصبحت حصتها تقارب 87% من الناتج في عام 2015، وهذه الأرباح لا يستثمر منها إلا ما نسبته 15%، بينما الربح الصافي، بلغت نسبته 63%، وهي نسبة المكتنز، أو المهرب أو المستثمر في مجالات غير تقليدية، من الفرص التي تتيحها ظروف الحرب! أما هذا القليل المستثمر والبالغ 15%، فإن العائد المحقق منها لا يتجاوز 11.6%، حيث تراجعت العائدية في الاقتصاد السوري إلى نصف مستواها المنخفض قبل الأزمة...

إن هذه المؤشرات لم تختل بسبب ظروف الأزمة: الأمنية والعسكرية، بل هي تفاقمت مستفيدةً من هذه الظروف، لأن هذه المؤشرات المتدهورة، تتضمن «مكاسب» متنوعة، للقلة المستفيدة والقادرة على التحكم بالقليل الذي ينتجه السوريون سنوياً، وازدياد نسبة الربح الصافي، مقابل تراجع الأجور، وتراجع الاستثمار، وتراجع حصة الدولة من الناتج، هو المؤشر الأبرز على هذه المكاسب، وحتى لو كانت عائدية الاستثمار الإجمالية منخفضةً، إلا أن العائدية في بعض المجالات التي ينشط بها هؤلاء، متزايدة باضطراد، ولا يدل عليها إلا الخسارة المضطردة في حصة الأجور السنوية من الناتج، فكل ما نخسره مع تراجع الإنتاج وارتفاع الأسعار، وتزايد البطالة، وتراجع قيمة لليرة، هناك من يربح في الطرف الآخر، على ضفة الربح الكبير! إن مرض الاقتصاد السوري، قد تفاقم خلال الأزمة، وأي علاج جزئي لا يستهدف تصحيح النسب الثلاث، ولا يؤدي إلى زيادة حصة الأجور، وزيادة الاستثمار، ورفع العائدية في القطاعات الحقيقية، لن يكون علاجاً ولا إعماراً...

معلومات إضافية

العدد رقم:
802