الكهرباء (تتوصّى) بصغار المنتجين.. وترفع تعرفتهم 76%!
أصدرت وزارة الكهرباء القرار 1760 بتاريخ 28-12-2016، في تعديل وتصحيح على قرار التعرفة الأخير، والتصحيح في مفهوم الحكومة هو الرفع، حيث تم رفع التعرفات الكهربائية جميعها، باستثناء الاستهلاك المنزلي. القرار الذي لم ينشر رسمياً بعد حصلت قاسيون على نصه، وسنناقش الأرقام، لنحاول الإجابة عن تساؤل محق: ما الذي يريده مُصْدرو قرارات من هذا النوع؟!
يأتي الرفع المرتقب في بداية عام 2017، وبعد عام تقريباً على رفع أسعار الكهرباء الشامل، الصادر بالقرار رقم 349 بتاريخ 6/1/2016. فالحكومة للعام الثاني على التوالي، تفتتح العام الجديد، بقرار يمس قطاع الكهرباء ويرفع أسعارها.
ارتفعت التعرفة الكهربائية للقطاعات المختلفة، وبشكل تمييزي، وجرت تعديلات جديدة على طرق التصنيف، وسنبدأ أولاً بالارتفاعات في الأسعار، ثم سنتجه لتوضيح التغير في التصنيفات.
من المستهدف بالرفع؟!
وفق نص القرار، ارتفعت التعرفة الكهربائية للمكلفين الصناعيين والتجاريين والزراعيين، والخدميين جميعهم، وعلى التوترات المرتفعة والمنخفضة، حيث سينال الكل حصة من الرفع، ولكن البعض سينال (حصة الأسد) وكأن القرار مفصّل لهؤلاء!
ويمكن أن نضع وفق نسب الارتفاع في التعرفة، التمايزات الثلاث الرئيسة:
سترتفع التعرفة بنسبة 15%- 16,6% لكل من مؤسسات القطاع العام الصناعي على التوتر 230 فولت، وللمشتركين على التوتر 66 ك.ف وعلى التوتر 20 ك.ف، وللأغراض الصناعية والتجارية ومضخات المياه على التوتر بين 20-0,4 ك.ف، وكذلك للأغراض الزراعية والتجارية على التوتر 0,4 ك.ف.
20%: سترتفع التعرفة بنسبة 20% للمشتركين الزراعيين على التوتر 0.4- 20 فولت.
76%: سترتفع التعرفة بأعلى نسبة 76% للمشتركين الصناعيين والحرفيين على التوتر 0.4، لتصبح: 33,5 ليرة للكيلو، بعد أن كانت 19 ليرة للكيلو.
مختلف المشتركين الصناعيين والزراعيين والتجاريين، وعلى مختلف التوترات ستنالهم حصة من الرفع بين 15-16,6%، مع رفع أعلى للمشتركين الزراعيين بنسبة 20%، ولكن نسبة الارتفاع الأكبر هي للشريحة المستهدفة من الرفع، وهي: الورش الصناعية والحرفية التي تشترك على التوتر المنخفض: 0,4 ك.ف، وهؤلاء سترتفع تكلفة الكهرباء عليهم بنسبة: 76%، وهي نسبة ارتفاع قياسية خلال فترة سنة، وتزيد من هشاشة وقدرة هؤلاء على مواجهة ارتفاع تكلفة الإنتاج.
من استثني من الارتفاع؟!
عملياً شريحتان لم يتم لهما، رفع التعرفة الكهربائية للمشتركين فيها حتى الآن، ووفق البيانات المسربة من القرار، وهما، أولاً: القطاع الخاص المستهلك على التوتر المرتفع 230 ك.ف، حيث أن هؤلاء لا تعلن التعرفة المخصصة لهم، بل تتم بالاتفاق ووفق قرارات الجهات المختصة العليا، كما يذكر مضمون القرار الحالي، والسابق للرفع: (تحدد تعرفة مبيع الكيلو واط، حسب فترات الاستجرار، والعوامل الأخرى التي تضمنتها عقود التزويد بالطاقة الكهربائية، ومقاولات الاشتراك التي يتم إبرامها مع المشتركين على التوتر 230 ك.ف، وتبعاً لنوع الصناعة أو الاستثمار والاستطاعة التعاقدية، وحسبما توافق عليه أو توصي به الجهات الوصائية العليا). فلماذا لا يحق للسوريين أن يعرفوا ما الذي يدفعه، كبار المستهليكن الكهربائيين؟! وهل يعطى هؤلاء إعفاءات كهربائية، وتخفيضات؟ ألا نستطيع التساؤل ما حجم مسؤولية هؤلاء في الفرق بين تكاليف إنتاج الكهرباء ونسبة التحصيل المنخفضة، أو ما يسمى الفاقد الكهربائي؟!
بالإضافة إلى هؤلاء، فإن شرائح الاستهلاك المنزلي، لم ترتفع تعرفة كهربائها وفق القرار المنشور نصه، وهذه الشرائح لا تصلها الكهرباء إلا بمعدل 8 ساعات يومياً، في أحسن وأكثر موجات التقنين انتظاماً، قد نالت حصة جيدة من الرفع في العام الماضي، عندما ارتفعت التعرفة بنسبة 300%.
المساواة بين المنتجين
وغير المنتجين!
وفق نص القرار، فإن التغيير في التصنيفات طال المشتركين الأكثر استهدافاً، أي الصناعيين والحرفيين على التوتر المنخفض 0.4 ك.ف، الذين ارتفعت نسبة التعرفة لهم بمقدار 76% تقريباً. فهؤلاء كانوا في التعرفات السابقة، منفصلين عن المشتركين التجاريين على التوتر ذاته، بينما تم دمجهم مع التعرفة التجارية، وفق القرار الجديد. أي عملياً أصبحت فاتورة الكهرباء التي يدفعها المشترك الصناعي والحرفي، متطابقة مع فاتورة الكهرباء التي يدفعها التاجر. والفرق كبير بين هؤلاء وأولئك. حيث أن القطاع التجاري، يتمتع بمرونة أعلى للتعامل مع ارتفاعات تكاليفه، بينما ارتفاع تكاليف الإنتاج للورش الصناعية والحرفية الصغيرة، وتحديداً في كلفة الكهرباء وبهذه النسبة المرتفعة، سيؤدي عملياً إلى تقليص إمكانيات هؤلاء على الإنتاج، وسيرون جدوى أكبر في التحول إلى موزعين للمنتجات المستوردة، أو لمنشآت الصناعيين الكبار أصحاب المرونة الأعلى والإنتاج الأكبر. أي أن توحيد التعرفة للصناعيين والحرفيين الصغار، وللتجار، يعني عملياً إزالة آخر حوافز هؤلاء للاستمرار بنشاطهم الاقتصادي الصناعي، أي إنتاج المنتجات محلياً، ليتحولوا إلى توزيع ما يستورده الآخرون وبيع منتجاتهم.
وينبغي التذكير بأن القرار الماضي، تضمن إلغاءً لكثير من شرائح الاستهلاك المنخفض، ودمجها مع الشرائح المتوسطة، في الاستهلاك المنزلي، وكذلك في الاستهلاك الصناعي والتجاري والزراعي، أي، عملياً تم إلغاء الحوافز التي تدفع المستهليكن لتخفيض استهلاكهم، ليحصلوا على تعرفة منخفضة إذا ما استهلكوا أقل، وعملياً أصبح من يستهلك 400 كيلوواط ساعي، كمن يستهلك 600 كيلو واط ساعي في الاستهلاك المنزلي، أي أزيل الدعم الأوسع عن الشرائح الأقل استهلاكاً.
عداك عن الرفع العام لتعرفة الكهرباء وإنهاء دعمها، هناك عملية دمج ومساواة غير عادلة بين كبار المستلهكين وصغارهم، وبين المنتجين وغير المنتجين، مع تمييز واضح وصريح لكبار المستهلكين في القطاع الخاص الذين تتحدد تعرفتهم (من راسهم لراس) الجهات العليا المختصة.
أسئلة تجيب
عن نفسها..
يمكن أن نطرح أسئلة مشروعة على مُصْدري قرارات من هذا النوع، ويمكن أيضاً أن نعفيهم من الجواب الصريح الصعب ونجاوب بأنفسنا..
لماذا رفع تكاليف الكهرباء، طالما أنها تؤدي إلى ارتفاع مباشر في المستوى العام للأسعار، وفي إمكانيات الإنتاج؟
لماذا رفع التعرفة للصناعيين والحرفيين على التوتر المنخفض بنسبة 76% وبشكل استثنائي بينما مجمل التعرفات الأخرى ارتفعت بنسبة بين 15- 20%؟
لماذا تبقى تعرفة المشتركين الكبار من المستثمرين في القطاع الخاص، على التوتر 230 ك.ف، (تعرفة سرية) أو غير معلنة ومعتمدة على قرارات وتوافقات الجهات العليا المختصة مع كبار المشتركين، وأكثرهم استهلاكاً؟
لماذا يتم دمج الشرائح، وإزالة التمايزات ليتساوى صغار المستهلكين مع الاستهلاك الوسطي، وليتساوى المشتركون الصناعيون ومنتجو المواد، مع المشتركين التجاريين بائعي المنتجات؟! أي لماذا تلغى التمايزات بين الأغنى والأفقر من جهة، وبين المنتجين وغير المنتجين من جهة أخرى؟!
بعض الأسئلة تجيب عن نفسها، وتجيب نتائجها عنها، فارتفاع الأسعار، وتهميش صغار المنتجين والإنتاج، وتمييز (الكبار) ومحاباتهم، وتحويل الكهرباء لقطاع رابح، جميعها نتائج لسياسات من هذا النوع، وجميعها في مصلحة (جماعة الربح الكبير)، وفي عكس المصلحة العامة للسوريين وبلادهم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 794