كيف ينقسم الأمريكيون (بقوة) الدخل والثروة؟!

كيف ينقسم الأمريكيون (بقوة) الدخل والثروة؟!

تكثر الدراسات التي تحاول أن توضح حجم التفاوت في توزيع الثروة في الولايات المتحدة الأميركية، بعد أن تحول موضوع التفاوت المذكور إلى واحدة من أهم القضايا، التي لم يعد أحد من الاقتصاديين قادراً على تجاهلها، أو فصل ارتباطها العميق بالأزمة الاقتصادية العالمية، وبالركود السائد في النمو العالمي اليوم.

إن الثروة في أميركا المتراجعة اليوم، لا تقسم فقط بين الأغنياء والفقراء، ولكنها أيضاً تقسم النخبة الحاكمة والمالكة إلى شرائح وأقسام.

قاسيون

في تقرير صادر عن جامعة كاليفورنيا، في كانون الأول - 2016، درس مجموعة من الأكاديميين بيانات جديدةً موسعةً، لتوزيع الدخل في الولايات المتحدة الأمريكية. خلال الفترة بين 1970-2014، أي خلال نصف قرن مضى، حيث صنفت الدراسة، تغيرات الدخل لدى  أغنى 1% في الولايات المتحدة الأمريكية، مقابل أفقر 50% من الأمريكيين، والشرائح بينهما، ليتبين أن انعكاساً كاملاً قد حصل.

حيث أن حصة أغنى واحد بالمئة، أي حوالي: 3 مليون شخص، قد ارتفعت  من 12% في عام 1970 ووصلت إلى 20% في عام 2014، أي حوالي: 3,6 تريليون دولار، أي3600 مليار دولار في عام 2016.

بينما بالمقابل انخفضت حصة الـ 50% الأفقر أي حوالي: 160 مليون شخص، من 20% من الناتج الإجمالي الأمريكي، في عام 1970، وصولاً إلى 12% في عام 2014، أي حوالي: 2.1 تريليون دولار. بوسطي سنوي: 13 ألف دولار، وأقل من 1100 دولار شهرياً. 

الـ 9% التالية من المدراء والفنيين

ركزت الدراسة على ثاني أغنى شريحة في الولايات المتحدة، الـ 9% الأغنى بعد الـ 1%، وحوالي: 29 مليون شخص، ارتفعت دخولهم أيضاً خلال الفترة المدروسة: من 23% من الدخل، إلى قرابة 28% من الدخل تقريباً، أي حوالي: 5 تريليون دولار. 

وهذه الشريحة تصنف من يملكون ثروة صافية بين 1-8 مليون دولار، ويحصلون على دخل شهري بين 155 ألف دولار، وصولاً إلى  430 ألف دولار. وهي مكونة من مدراء الأعمال، ومن المدراء التنفيذيين، والأكادميين، والمحامين الناجحين، والاختصاصيين وغيرهم، وهؤلاء وضعهم الاجتماعي المتميز، مرتبط بمواقعهم المتميزة في قطاع الأعمال.

ورغم أن حصة هؤلاء من الدخل في تزايد خلال هذه الفترة بنسبة تقارب 3%، إلا أن حصتهم من الثروة الصافية قد تراجعت خلال قرابة النصف قرن المدروسة، من 42,5% في عام 1970، وصولاً إلى 34,9%.

وهذه الخسارة في حصتهم من الثروة الصافية، قابلتها زيادةٌ في ثروة الـ 1% الأغنى من 22,5% وصولاً إلى 37.2%.

40% من الدخل المتوسط تراجع

40 % من سكان الولايات المتحدة الأمريكية، أي حوالي 129 مليون شخص، في موقع أعلى نسبياً من الـ 50% الأفقر، حيث أن هؤلاء كانوا يحصلون على 47% من الدخل السنوي في عام 1970 وتراجعوا إلى نسبة 40% تقريباً في عام 2014. وحوالي: 7.2 تريليون دولار، بدخل سنوي وسطي لكل فرد من هذه الشريحة حوالي: 55 ألف دولار، وشهرياً: 4651 دولار.

داخل الـ 1% :أغنى 400 شخص

تبلغ الثروة الصافية لأغنى 400 شخص في الولايات المتحدة حوالي 2.4 تريليون دولار، أي 2400 مليار دولار، وبين هؤلاء تفاوتات في الحصص والقطاعات ومصدر الثراء.

حيث أن أغنى 6 أشخاص في الولايات المتحدة وفق تقديرات فوربس الأخيرة، هم من الأثرياء الجدد، أو من يقال عنهم بأنهم (صنعهوا أنفسهم بأنفسهم) بثروة إجمالية تقارب 310 مليار دولار، وأغلبهم من المؤسسين والمدراء التنفيذين والمشاركين الرئيسيين في شركات حديثة، وفي مقدمتها التكنولوجية: مثل مايكروسوفت، وفيس بوك، وأمازون وغيرها.. حيث أن الثروات من قطاع التكنولوجيا تبلغ نسبة 24% من صافي الثروة لأغنى 400 شخص في الولايات المتحدة. 

كما تشير بيانات فوربس لعام 2016 بأن من تسميهم: (صانعي ثرواتهم)، يملكون ثروةً تبلغ: 1,6 تريليون دولار، أي نسبة 66% من صافي ثروة أغنى 400 شخص في أمريكا، أغلبها في التكنولوجيا، والمال والاستثمار.

 وتبلغ الثروات الفردية لأغنى 25 ملياردير في الولايات المتحدة حوالي: 531 مليار دولار، وحوالي 22%، بينما ثروات عائلات المالكين الكبرى القديمة في الولايات المتحدة، والتي يعود ثراء بعضها إلى عام 1800تقريباً، فتبلغ مجتمعة ما يقارب 722 مليار دولار لأغنى 25 عائلة، وحوالي 30% من الثروة الصافية لأغنى 400 شخص في الولايات المتحدة. 

هل (ينتفض) أثرياء أميركا الجدد؟!

 

يتضح اليوم مع تراجع الولايات المتحدة الأمريكية، وتعمق الأزمة الرأسمالية، بأن التباين عميق بين النخب الحاكمة وأصحاب الثروات، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة من أكثر دول العالم، التي تنشر بياناتها بدورية، إلا أنها قد تكون من أكثر المعلومات التي لا يمكن الركون إليها تماماً، فعلى سبيل المثال: لا يظهر قطاع السلاح ضمن القطاعات التي تدر الربح والثروة في الولايات المتحدة، في المجمع الصناعي العسكري المنشأ منذ الثلاثينيات، ويضم أكثر من 200 شركة صناعية، ولا تظهر أرباح المساهمين في البنك الفيدرالي الأمريكي، وحائزي عوائد من طباعة الدولار وبيعه عالمياً، كعملة تبادل دولي، منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية.

ولكن يظهر أن مصادر الثروة المتزايدة والدخل في الولايات المتحدة الأميركية، والدخل، تتوظف اليوم  بالدرجة الأولى، في القطاعات التي تنعشها سوق المال العالمية، مثل التكنولوجيا، بأسهمها المرتفعة منذ التسعينيات، ومثل: المال والاستثمار المالي. ولا تزال توظف الأموال بدرجة كبيرة، في القطاعات المعتمدة على الاستهلاك الترفي والفائض، مثل الأزياء ومبيعات التجزئة والطعام والشراب، وقد يكون هؤلاء المشاركون بتوظيف الثروات بداية، والحائزون على حصص هامة لاحقاً في تناقضٍ اليوم، مع (عتاة أصحاب الثروة الأمريكية) الذين نقلوا نفوذهم إلى قطاعات السلاح والمال، إلى القطاعات المرتبطة بهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية عالمياً، بينما يرى الآخرون من (الأثرياء الجدد)، بأن تأمين استقرار أسواق المال الأمريكية والعالمية، وتعزيز استهلاك الأمريكيين، وجعل (أميركا عظيمة ثانية)، وتخفيض ضرائب الأثرياء، كما يقول برنامج ترامب، هو ما يلزم لأمريكا متراجعة، يجب أن تعترف بأن إمكانية الهيمنة بقطاعي السلاح والمال، هي إمكانية مؤقتة في ظرف الأزمة الاقتصادية العالمية، وتغير ميزان القوى الدولي بشكل لا رجوع عنه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
794