محمد دحنون محمد دحنون

سوق دمشق للأوراق المالية بين «حاجات» الاقتصاد الوطني.. و«كماليات» اقتصاد السوق الحر!!

صدور المرسوم التشريعي رقم 55، والقاضي بإحداث «سوق دمشق للأوراق الماليّة»، وما تلاه من خطوات تشريعيّة وتنفيذيّة لإنجاز سوق البورصة، لا تضع السؤال المتعلّق بحاجة الاقتصاد السوري إلى سوق للأوراق الماليّة على «الرف»، بل تفتح المجال لطرح أسئلة قد تكون أكثر حيويّة وديناميّة. من بينها بالطبع، السؤال المتعلّق بالشريحة الاجتماعيّة التي يعبّر هذا القرار الاقتصادي عن مصلحتها، وسؤال آخر يرتبط بتأثير وجود سوق للأوراق الماليّة على تطور القطاع الإنتاجي، وتأثيره على الاقتصاد الوطني ككل وخاصّة في زمن «الأزمات».

الفائدة والمعرفة... الحصيلة صفر للمواطن السوري!
حصيلة الأجوبة من طرف المواطن السوري كانت ضئيلة وفقيرة وقد تثير الدهشة، حصيلة تتعلّق بمعرفته بوجود السوق أوّلاً وبنظام عملها ثانيّاً، ثم بالفائدة التي قد تعود عليه من جراء وجودها ثالثاً. لكنّ الدهشة المفترضة تزول إذا تبيّنا أصل العلاقة بين المعرفة والفائدة. يقول مازن «عامل في القطاع الخاص»: «نعم، أعرف أنّه سيتم افتتاح سوق للأوراق الماليّة في دمشق وهذا كل شيئاً، ولا أسعى لأعرف المزيد، لأنّني في النهاية لا أستفيد شيء من معرفتي هذه، فأنّا أعمل براتب بسيط (يادوب) يكفيني أنا وعائلتي المؤلّفة من ست أفراد. وبحسب علمي، فإن من يريد أن يعمل في السوق عليه أن يؤمّن رأسمال ما، وهذا غير متوفر أبداً، ولا أعتقد أنّه سيتوفر في المستقبل القريب».
 انعدام الرغبة في المعرفة التي أبداها مازن، تنطبق على كل من يشاركه مستواه الاقتصادي، وهم على العموم من أبناء الشريحتين المتوسطة والفقيرة. يقول «رياض تقي الدين» (مدير عام ـ قطاع خاص): «صحيح، أتفق معك على أنّ كل قرار اقتصادي يعبّر عن مصلحة شريحة اجتماعيّة معيّنة، وهي فيما يتعلّق بسوق البورصة يعبّر عن مصلحة الطبقة الثرية حصراً ومن دون نقاش»، ويضيف: «فوائد وجود سوق للبورصة في دمشق تعود على الأغنياء، ولكنّ مضارها في حال حصلت اهتزازات في تلك السوق لن تشمل كل شرائح المجتمع السوري، بل ستقتصر على المشاركين المباشرين في السوق».

السوق يخدم كل الفئات الاجتماعيّة... كيف؟!
يختلف «وديع أبو حديد» (مدير إدارة الدراسات والتوعية في الهيئة العامة للسوق) مع الرأي القائل إن وجود سوق البورصة يعبّر عن مصلحة الشرائح الغنيّة فقط.. يقول: «السوق يخدم كل الفئات الاجتماعية، فأي شخص مهتم في العمل بالسوق ليس بحاجة إلى رأسمال ضخم. ونحن كسوق دمشق للأوراق المالية معنيّون بحماية المستثمر من كافة الجوانب، ولكن من ناحية أخرى، على المستثمر أن يدرس الشركة التي ينوي المساهمة بها، ونحن من واجبنا أن نعطي للمستثمر السوري كامل المعلومات كي يستخدمها كسلاح ويدخل على السوق بقوة».
ويرفض «أبو حديد» فكرة أن المستثمر المتوسط هو الأكثر عرضة للتهديد في حال تعرّض السوق للاهتزازات: «لا أتفق تماماً مع فكرة أن المستثمر المتوسط مهدّد دوماً، فاعتماد سوق دمشق ليس على الاستثمارات الضخمة، وبالمقابل على المستثمر أن يقوم بدراسة واعية وجادّة قبل أن يدخل في السوق».
 أمّا عن تأثير وجود سوق للبورصة على القطاع الإنتاجي، فيقول: «سوق الأوراق المالية الذي أحدث بمرسوم تشريعي من السيد الرئيس، هو داعم للاقتصاد الوطني، من خلال زيادة حجم الشركات، وافتتاح شركات أخرى. فالسوق يوفر سيولة من خلال المساهمين، الأمر الذي يساهم في زيادة حجم الشركات وبالتالي في زيادة عدد الأيدي العاملة فيها».

البورصة... زينة اقتصاد السوق الحر!
في المقابل، يقرّ «باسل الحموي» (رئيس بنك عودة ونائب رئيس مجلس إدارة سوق دمشق للأوراق الماليّة) بحاجة الاقتصاد السوري إلى تطوير قطاعاته الإنتاجية، ولكنّه يعتبر أن هذا الاقتصاد «بحاجة للنموذجين معاً، أي القطاع المالي والقطاع الإنتاجي»، أما عن الحاجة الاقتصاديّة التي يلّبيها وجود «سوق دمشق للأوراق الماليّة»، وخاصّة على ضوء وصفه للاقتصاد السوري بأنّه أقل من ناشئ، فيقول: «ليس هناك علاقة بين اقتصاد ناشئ أو متطوّر، أو بين دولة غنيّة أو فقيرة في مسألة وجود سوق للأوراق الماليّة، بل إن الأمر يتعلق بالنظام الاقتصادي، أي بين اقتصاد السوق المركزي أو اقتصاد السوق الحر، وسوريّة اليوم تبنت اقتصاد السوق الحر(!!)، وبالتالي فإنّي أجد أن حاجة سورية للسوق كبيرة، وهذا ما يسهم بدوره بتحقيق التوازن في الاقتصاد»!. ويضيف: «واحدة من مشكلات الاقتصاد هي: أين التوازن عندما يصبح الاقتصاد قائماً على الاقتصاد المالي دون وجود الاقتصاد الإنتاجي؟ حيث يوجد دول اتبعت هذه السياسة وتوّقفت عن التصنيع واتجهت للاقتصاد المالي، والسؤال الذي يطرح بشكل أكثر حالياً: ما هو دور المشرّع في هذه العملية؟ ولكن ليس هناك جواب واحد وإنما خمسمائة جواب»!.
من جهته يعتبر «صقر أصلان» (المفوّض التنفيذي في سوق دمشق للأوراق الماليّة) أن وجود السوق هو ضرورة لتوسيع قاعدة الاستثمار: «مثلاً، إذا طرحت شركة خاصة أسهماً للبيع بهدف تأمين تمويل للمشروع، في البداية يمكن أن يشتري الناس أسهماً، وفي حال عدم وجود سوق للأوراق الماليّة، يحاول المساهم أن يبيع أسهمه ولكن تعقيدات هذه العملية تدفعه إلى تجنّب شراء أسهم جديدة في شركة جديدة، أما في حال وجود سوق مالي فإنّه يقدم الآلية بحيث إذا اشتريت أسهماً واستثمرت، فالشركة تستفيد وتزداد الثقة بحيث إذا أتت شركة جديدة يمكن أن تشتري وتوّسع قاعدة الاستثمار».

بورصة.. أوهام و..تغرير!
لا يتفق د. «منير الحمش» مع الآراء الداعمة لوجود سوق للأوراق المالية سوى في نقطة واحدة، وهي عدم ارتباط وجود سوق للبورصة بمستوى تطوّر الاقتصاد في البلد المعني، يقول: «قد تكون الدولة فقيرة ولكن يوجد فيها بورصة في ظل اقتصاد سوق حر». وهو بعد ذلك على خلاف جذري مع تلك الآراء، حيث يعتبر أن وجود مثل هذه السوق لا يخضع لاعتبارات تتعلّق بحاجة الاقتصاد المحلّي، بقدر ما هي تعبير عن سعي حثيث وراء ما يسميه «أوهام خلقها كل من الاتحاد الأوربي وصندوق النقد والبنك الدوليّين، ووجدت تعبيرها المحلّي في الخطة الخمسيّة العاشرة، وجوهر هذه الأوهام هو تحويل سوريّة إلى سوق مالي إقليمي». ويضيف: «هذا الأمر لن يتحقق، فسوريّة ليست دبي ولا «إسرائيل» لا غيرهما، والسياسيات الاقتصادية التي يتبّعها الفريق الاقتصادي هي ترجمة للتوافق الذي أقرّ بين حكومة الولايات المتحدّة وصندوق النقد والبنك الدوليين بهدف تحويل الاقتصادات الموجّهة والناشئة إلى اقتصاد السوق الحر». لكنّ الحديث عن خلق تلك الأوهام من جهات دوليّة، قد يوحي بانطباع يصوّر الفريق الاقتصادي كمجموعة من الأشخاص المغرّر بهم. لا ينفي د. الحمش صحّة هذا الانطباع: «يمكن أن يكون البعض مغرّر به، ولكن البعض الآخر يسير في هذه السياسات بناء على قناعات صنعتها دراساته الأكاديمية أو علاقاته»!.
 
أساس السوق.. مغامرة ومقامرة!
 أمّا عن المستفيد من وجود «سوق دمشق للأوراق الماليّة»، فتأتي إجابة د. الحمش على شكل تساؤل: «المستفيد من السوق هم المتعاملون فيه، لكن من هم هؤلاء المتعاملون؟. السوق يخدم فئة واحدة، فهو معني بالدرجة الأولى بالمضاربين الذين يسعون لجني أرباح طائلة خلال فترة قصيرة، ولكن هؤلاء قد يحصدون خسائر كبيرة أيضاً».
ينسف د. الحمش كل الآراء التي تتحدث عن ضرورة الدراسة الجادة والواعية من المستثمر، وعن تقديم المعلومات التي تحدّث عنها السيد «وديع أبو حديد» بتساؤل واحد: «لكن هل ستتوفر شفافية في السوق»؟، ويضيف: «المستثمر المحتمل في بلدنا أقل وعياً من المستثمرين في البلدان الأخرى، فإذا كان المستثمر في اليابان أو الولايات المتحدة قد «أكل هوى» في أسواق تتوفر على درجة عالية من الشفافيّة، فما هو حال المستثمر الوطني الذي هو أقل معرفة ودراية في مثل هذه التعاملات. وحتى مع وجود هذا الوعي سوف تكون هناك خسائر، وسوف يكون هناك ألاعيب، وستبقى هذه السوق خاضعة للمغامرين، وهي أساساً قائمة على فكرة المضاربة أو المغامرة». ويعتبر أن حاجة الاقتصاد الوطني لقطاعات إنتاجيّة هي حتمية، ويضيف: «لكن الفريق الاقتصادي يتجاهل أو لا يريد أن يتصدّى لمسائل تتعلق بالاقتصاد الحقيقي، فأحد أسباب الأزمة المالية الحالية هو تحوّل كبير نحو الاقتصاد المالي، حيث أصبحت المعاملات المالية تشكّل 95% من الاقتصاد بينما بقي للتعاملات المنتجة 5% فقط، وعلى الرغم من أنّ هذه الأزمة يجب أن تدفع الجميع إلى وقفة للمراجعة، لكن ما نلاحظه في الفريق الاقتصادي هو إمعان للسير في هذه السياسات، دون أي تساؤل عن منعكساتها. ولدي انطباع بأن هناك نوعاً من المكابرة، من خلال اعتبارهم بأن هذه السياسة الاقتصادية هي الصحيحة، في الوقت الذي يجب فيه أن نستفيد من تجارب الآخرين».

البورصة والشركات الأجنبيّة... اضرب واهرب!
يعود د.الحمش إلى جذر المسألة حينما يتساءل «عن سبب الإصرار على افتتاح سوق للبورصة في بلد لا تتوفر فيه شركات مساهمة كبيرة يمكن أن تطرح أسهماً للبيع؟!»، ويجيب على تساؤله: «هذا ما لا أفهمه إلا من زاوية واحدة وهو أن يسمح بتداول أسهم شركات من خارج سورية، ويجب أن ننتبه أنّه في قانون سوق دمشق للأوراق المالية، يسمح لرأس المال الأجنبي أن يشتري أسهماً ليبيعها ويخرج بالأرباح، أي على طريقة اضرب واهرب، وهذا ما يسمى برأس المال الساخن، الذي يتعلق بعولمة حركة رأس المال والتي كانت جذر الأزمة وسبب الانهيار في البلدان التي سميّت بالنمور الأسيوية».
وفي عود على بدء، يعبّر د. الحمش عما يمكن أن نصفه بأنّه «نصيب» المواطن السوري العادي من وجود سوق للأوراق الماليّة في حال تعرّضت هذه السوق لأزمات أو اهتزازات، يقول: «إذا كان الرابح من وجود السوق هم فئة المضاربين أو الشرائح الغنيّة عموماً، فإن المتضررين من تعرّض هذه السوق لاهتزازات وأزمات هو المجتمع السوري بالكامل، وذلك لأنّ الضرر الذي قد تخلّفه تلك الاهتزازات سوف ينعكس على مجموع الاقتصاد»، ويختم كلامه بالقول: «في كازينو القمار هناك رابح وحيد وهو صاحب الكازينو».

معلومات إضافية

العدد رقم:
385