نزار عادلة نزار عادلة

التصفية أو الخصخصة.. هل هما خياران لا ثالث لهما؟

المرافئ في طرطوس واللاذقية، مؤسسة الأبقار، شركة أسمنت طرطوس، وشركة أسمنت عدرا. هذه الشركات رابحة، ولكنها الآن في مرمى الاستثمار، وهذا يعني أن التيار الليبرالي الاقتصادي الذي يدعي في طروحاته بأن زمن القطاع العام انتهى، وأن العالم المعاصر وقوى العولمة وما تسير عليه اقتصادات دول العالم من نمط وشكل جديدين لا يتوافق إطلاقاً مع أساليب عمل ومنهجية القطاع العام... هذا التيار استطاع أن يسوق طروحاته وبدأت السلسلة.

أسئلة محيرة
المثير هنا أن الشركات والمؤسسات التي قدمت للمستثمر جميعها رابحة ومحققة لكامل خططها الإنتاجية، إضافة إلى أن عملية التطوير والتحديث فيها جارية دائماً. فلماذا لاتطرح الشركات الخاسرة والمنهارة للاستثمار ومنها: شركة المصابغ في حمص، معمل الوليد للميكرو، شركة الإطارات، الشاشات والبطاريات في حلب.. وغيرها.
لم تطرح هذه الشركات الخاسرة وبعضها متوقف عن الإنتاج، فلماذا؟
لأن هناك خططاً كانت مرسومة لإيصال هذه الشركات الخاسرة إلى الانهيار، وقد وصلت الرسالة، وكمثال على ذلك سنورد الوقائع التالية:
شركة المصابغ في حمص عمرها /60/ عاماً، كانت قبل /15/ عاماً تضم /1500/ عامل، والآن عمالها /300/ فقط.. خسائرها مئات الملايين، كانت تنتج في السنوات الأخيرة أكياس لتعبئة الطحين بكلفة /60 ل.س/ للكيس الواحد، ويباع بـ /18 ل.س/.
وصلت الشركة إلى هذه الدرجة لأن المشاريع الاستثمارية التي كانت مقررة من أجل إنقاذها أعطيت للقطاع الخاص، بعد أن دفعت الشركة مئات الملايين لقاء دراسات التطوير!!
أما شركة أسمنت طرطوس، فعندما قدمت للاستثمار رفعت نقابة عمال الأسمنت مذكرة إلى الجهات الوصائية قالت فيها: لا يوجد مبرر ولا حاجة لاستثمار الشركة من القطاع الخاص إلا إذا كانت الجهات المعنية بصدد التخلي عن منشآت القطاع العام، فشركة طرطوس من الشركات الرابحة وقد حققت في  عام 2005 ربحاً قدره /241/ مليون ل.س، وكل مستلزمات الإنتاج متوفرة. وقد أحدث الإعلان عن طرح الشركة على الاستثمار ردة فعل عنيفة لدى العمال، وهم يعبرون عن استنكارهم ورفضهم وقلقهم من هذا الإجراء الذي سيكون له منعكسات سلبية غير معروفة النتائج.
نقابة أسمنت دمشق قالت أيضاً: «فوجئنا بإعلان المؤسسة العامة للأسمنت بخصوص طرح شركة أسمنت عدرا للاستثمار، تحت اسم إعادة تأهيل وتطوير الخطوط الإنتاجية من شركات عالمية تتمتع بالملاءة المالية والكفاءة الفنية، معلنة شروطها لتأهيل وتطوير وتدريب وتأهيل كوادر مع تحديد حصتها من الإنتاج، ولو كانت شركة أسمنت عدرا من الشركات الخاسرة لكان موقفنا تجاه الاستثمار مختلفاً عما نحن عليه الآن.
شركة أسمنت عدرا من الشركات الرابحة ومحققة لخططها الإنتاجية السنوية ولديها من الخبرات الفنية ما لا يستهان به، ونفذ عمالها الفنيون أعمالاً كبيرة عجزت شركات عالمية عن تنفيذها. ونحن في شركة أسمنت عدرا دخلنا التطوير، وتمت دراسات تطويرية منذ عام 2003 ليتم تطوير الخط الثالث من /800/طن إلى /1200/طن يومياً، ومستلزمات التطوير في أرض الشركة بلغت كلفتها/700/ مليون ل.س وسوف تكون الزيادة في الإنتاج /50%/».
 
الشركات الأخرى
أرباح شركات الأسمنت في العام 2008 هي بحدود /826/ مليون ل.س وذلك قبل تسديد الضريبة، وهذه الأرباح تعود لشركات الأسمنت التي حققت جميعها أرباحاً باستثناء شركة طرطوس، حيث أظهرت خسائر بحدود /200/ مليون ل.س بعد أن استلمتها مجموعة فرعون.
أسمنت عدرا: رابحة، وقد حققت نسباً جيدة من خطتها الاستثمارية رغم الفساد.
أسمنت الرستن: رابحة، وقد تم تجديد خطوطها الإنتاجية، وتنتج أسمنتاً لأبار النفط كان يتم استيراده.
الشركة السورية لصنع الأسمنت: رابحة، وهي شركة مستقرة وتنفذ كامل خططها.
الشهباء لصناعة الأسمنت: رابحة، وتنفذ هذه الشركة خطتيها الإنتاجية والاستثمارية بالكامل.
العربية للأسمنت: رابحة، وتنفذ كامل خططها الإنتاجية والتسويقية.
العربية للبورسلان والأدوات الصحية: متوقفة منذ عام 2006 لعدم إمكانية تسويق منتجاتها، والخسائر التي تعرضت لها بعد إقامة عشرات المعامل للقطاع الخاص، وبعد فتح باب الاستيراد.
الوطنية لصنع الشمينتو ومواد البناء: خسائرها /17647/ ألف ل.س، الأسباب عزوف الشركات الإنشائية ومشاريع الري عن استخدام أنابيب الأترنيت، مما أدى إلى وقوعها في الخسائر.
حلب لصناعة الأسمنت الإميانتي: خسائرها تبلغ /72875/ ألف ل.س.
بشكل عام شركات الأسمنت رابحة ويجري تطويرها وتحديثها بشكل دائم. فلماذا نقدمها إلى الاستثمار أو المشاركة بعد التطوير والتحديث؟ وهل من شروط المستثمر تأهيل الشركات أولاً كشرط أساسي لقبول المشاركة؟
نعم، وهذا ما جرى في مرفأي اللاذقية وطرطوس، تم استيراد آليات بالمليارات وقدمت بعد ذلك للمستثمر. وهذا ما يجري الآن في شركات الأسمنت.
شركات تم إيصالها إلى الانهيار لكي تصفى دون تطويرها وتحديثها ودون عرضها على المشاركة والاستثمار، وشركات أخرى رابحة تقدم على طبق من ذهب إلى الاستثمار أو الشراكة. هذا هو المخطط النيوليبرالي الذي بات واضحاً كالشمس.
 
آراء متقاربة
عندما رفعت مذكرة التفاهم أو الاستثمار مع مجموعة فرعون وجه اتحاد العمال مذكرة إلى القيادة القطرية قال فيها:
«لا يوجد في القانون رقم /51/ لعام 2004 أية مادة صريحة تجيز تأهيل وتطوير أي من شركات القطاع العام من الغير. وإنما حددت المواد /76، 73/ طريقة بيع عقارات الجهة العامة أو تأجيرها أو استثمارها. جرى إعداد مذكرة التفاهم في غياب السند القانوني النافي. وقد جرى بطريقة العقد بالتراضي مسنوداً إلى القانون /51/ لعام 2004.
 أولاً: لم تقم إدارة الشركة أو المؤسسة بالإعلان أو وضع دفتر شروط فنية لاستقدام عروض فنية للاستثمار أو التطوير، بل المستثمر قدم عرضاً حول إلى الجهات المعنية وإلى إدارة الشركة.
 
ثانياً في الجوانب الاقتصادية والمالية:
1. تبين من مذكرة التفاهم في عدة بنود أنه تمت المحافظة على نسب استهلاك مستلزمات الإنتاج في السنة السابقة للعقد.
2. نصت المذكرة على أن تقوم شركة أسمنت طرطوس بتسديد قيمة مستلزمات الإنتاج كاملة، ومن ثم يتم استرداد قيمة الأسمنت المسلم لمجموعة فرعون بسعر التكلفة، وهو ما سيحمَّل شركة أسمنت طرطوس عبء تأمين رأس المال العامل الكافي لتسديد قيمة مستلزمات لإنتاج /2150/ ألف طن دون أي ربح مقابله، بينما سيبلغ قيمة أرباح المستثمر خلال سنوات العقد الثلاث /4.074/ مليار ل.س، عند سعر محلي /6000 ل.س/طن وبالوقت  نفسه نصت مذكرة التفاهم على حق الفريق الثاني باستلام حصته والتصرف بها بالشكل والطريقة والسعر المناسب له.
3. تعد شركات الأسمنت، ومنها شركة طرطوس، من الشركات الرابحة وهي بإمكاناتها الذاتية فيما لو احتفظت بفوائضها الاقتصادية، قادرة على تطوير خطوط الإنتاج وبالتالي زيادة الإنتاج وتحسين الإنتاجية دون الاضطرار إلى اللجوء إلى المستثمرين.
 
ثالثاً في الجوانب الفنية:
لم توضح مذكرة التفاهم نقطتين أساسيتين أولهما: ما هي التجهيزات والنقاط التي سوف يتناولها التطوير وماهية الاستثمارات التي تدفع لذلك، وثانيهما: ما هي الضمانات في تحقيق الهدف والتزامات الفريق الثاني.
ما فائدة شركة الأسمنت إذا كانت الكمية التي تنتجها حالياً /1450/ ألف طن هي نفسها التي ستستلمها من المستثمر، والزيادة في الإنتاج ستعود لمصلحة المستثمر؟!
كما أن عرض المستثمر لم يتضمن تخفيض التكاليف، ويعد معيار التكاليف هو نفسه للسنة السابقة للاستثمار.
من هذا المنطلق فإن الاتحاد العام لنقابات العمال يوصي بإلغاء مذكرة التفاهم التي نحن بصددها، وتمكين إدارة مؤسسة الأسمنت وشركاتها من أجل تطوير خطوط الإنتاج وزيادتها حسب الإمكانيات المتاحة».
 
أما بعد...
بعد عام من التجربة، وفي الاجتماع النوعي في شركة أسمنت طرطوس، وبعد أن تحدث وزير الصناعة، قال عزت الكنج نائب رئيس اتحاد العمال: «إن التنظيم النقابي على تواصل دائم مع وزير الصناعة، ونواجه معه العقبات التي يعاني منها القطاع العام الصناعي، في البداية كنا ضد هذا العقد ليس لأنه موقع مع شركة فرعون، بل لأنه تجربة جديدة على الحركة النقابية أن يدخل القطاع الخاص إلى العام. وأثبتت التجربة أنها ناجحة لأنها حافظت على الإدارة ودافعت عن العمال، ونتمنى أن تعمم هذه التجربة على شركات القطاع العام الخاسرة وليس على شركات الأسمنت فقط، وعلينا أن نسعى لإبرام عقود مشابهه لهذا العقد من أجل إصلاح ما أفسد من القطاع العام، فهذا العقد تطويري وليس استثماري».
 وهكذا نقبل اليوم ما رفضناه بالأمس، بل ونروج له، وسورية باتت حقل تجارب على الصعيد الاقتصادي، والفريق الاقتصادي الحكومي يمرر ما رسمه لاقتصاد سورية خطوة خطوة.. ومازلنا في البداية فقط!!

معلومات إضافية

العدد رقم:
414