الخطة الخمسية...الامتحان العاشر لمجلس الشعب
تشكل الخطة الخمسية العاشرة في سورية، محوراً يجري حوله نقاش واسع، وهذه الأيام تتربع هذه الخطة تحت قبة مجلس الشعب لتبنيها واعتمادها، ومثلها مثل أي موازنة أو مشروع حكومي على الخطة أن تمر دون مشاكل عملية كبيرة تذكر، بل لا بد من تطعيم بعض النقاشات ببعض الاعتراضات والأسئلة والرفض كي يبدو الجو ديمقراطياً نوعاً ما، وكي تبدو الحالة طبيعية، وكي يظهر مجلس الشعب ببذة الحرص الرسمية على مستقبل الشعب، إنه التقليد الفلكلوري التشريعي المتوارث لأعضاء مجلس الشعب، ومجلس الشعب المعروف تاريخياً بعدم قدرته العلمية والتشريعية على تغيير بند صغير في موازنة الدولة السنوية أو حتى في قطع حساباتها أو استجواب وزير أو مدير عام، كيف له أن يكون قادراً على مناقشة خطة ستحكم سورية اقتصادياً طيلة السنوات الخمس القادمة، وستتحكم بكل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية فيها وتحدد مصير شعب بأكمله؟
وبغض النظر عن عدم وجود الكفاءات والخبرات الاقتصادية في المجلس القادرة على تحليل البيانات والأرقام المجملة والتفصيلية الواردة في الخطة، فإن الجميع يعرف كيف تقُهر إرادة أعضاء المجلس التشريعية أمام إرادة الحكومة التنفيذية دائماً، وكيف تترجم لاءات المجلس إلى لا شيء وتطنيش لدى الحكومة، فكلنا يذكر الجدل الكبير الذي دار بين وزارة المالية وأعضاء مجلس الشعب حول القانون 20 لعام 1994 العام الماضي الخاص بتعديل عمل الخاص المؤسسات ذات الطابع الاقتصادي في القطاع العام، حيث لم يستطع مجلس الشعب وقتها فرض تعديلاته المقترحة في الوقت الذي نفذت فيه إرادة وزارة المالية إزاء تلك التعديلات، وكلنا يعرف ماذا حصل من أجل المادة 38 من قانون العاملين الأساسي بالدولة، وكيف انتهت الأزمة في ذلك الحين بتدخل مباشر من رئيس الجمهورية.
إنها أمامكم فماذا ستفعلون؟
أمام أعضاء مجلس الشعب اليوم اختبار حقيقي من نوع مختلف جداً، أمامهم ألف صفحة ترسم مسار المجتمع السوري في السنوات المقبلة، أمامهم أرقام بحاجة إلى تدقيق واستعلام عن أصلها وعن إمكان تحقيقها من أرباب الخطة وواضعيها، بين أيديهم كلام على الورق، أمامهم واقع اقتصادي يتراجع يوماً بعد يوم، أمامهم أشياء كثيرة فكيف سينظرون إليها؟ وكيف سيتخذون القرار بشأنها؟ وهل ستكون هذه الجلسات الاستثنائية لأعضاء مجلس الشعب مثل أي من جلسات النقاش العادية جداً والتي تنتهي بالموافقة بالإجماع والإقرار على كل ما جاء بالخطة؟
قبل الخطة الخمسية العاشرة كان هناك الخطة الخمسية التاسعة والتي مرت على مجلس الشعب لإقرارها أيضاً، وأقرها مجلس الشعب دون مشاكل تذكر، ولكن من راقب تنفيذ تلك الخطة والنتائج التي وضعتها وتوصلت إليها؟ ومن حاسب المقصرين؟ لحظة خروج الخطة التاسعة من بوابة المجلس ودعها الأعضاء بغير رجعة، وبقي الاقتصاد على حاله، الفقر مستمر، النمو الاقتصادي يتراجع، مستوى المعيشة يتدهور، البطالة تزداد، خمس سنوات انطوت ولا شيء تغير نحو الأفضل، فهل ستكرر هذه الحالة مرة أخرى مع الخطة الخمسية العاشرة يا ترى؟ وهل سينساها مجلس الشعب بعيد خروجها من تحت قبته؟
ذاكرة موحشة
لدى السوريين ذاكرة موحشة عن برودة أعضاء مجلس الشعب تجاه القضايا الحساسة بالنسبة لهم، وعن عدم جرأتهم على اتخاذ قرار في قضية مصيرية، فالمجلس الذي لم يستنفر أبدا للدفاع عن الناس ضد ارتفاع الأسعار الكاسح، والذي لم يسأل الحكومة أبداً عن أسباب رفع سعر مادتي البنزين والأسمنت، والذي اكتفى بالاستماع إلى أسباب ارتفاع سعر صرف الدولار، والذي لم يطرح القضايا الاقتصادية والاجتماعية الجوهرية في نقاشاته، هل يهمه حقاً ما تحمله الخطة من برامج اقتصادية واجتماعية؟ أم أنه بحكم الضرورة موجود تحت القبة لممارسة الكلام فقط؟ سيبقى مجلس الشعب في مكانه، وستبقى الخطة وثيقة، وسيبقى الرهان على مدى التغيير الذي سيحصل في الواقع، وبعد خمس سنوات لا بد للشارع ذات يوم من مقارنة النتائج مع الطروحات، وعندها سييدرك إن كان واضعو الخطة، ومشرعوها، ومنفذوها يعملون من أجله، أو كانوا يناقشون من أجل النقاش فقط.
تسويق الطموحات المخملية
الخطة التي لم يسرب منها خارج الدوائر الضيقة جداً لمتخذي القرار إلا القليل، تحوي الكثير من الطموحات الكبيرة جداً والتي لم تعلن إلا في مجالس المقربين وبعض المناسبات الرسمية الخاصة والمحدودة، والتي على ما يبدو أنها لن تقدم للشارع إلا بالشوكة والسكين وبالتقسيط أيضاً أهدافاً جميلة لا يرفض أحد تحقيقها، لكن كل واحد لديه الحق في السؤال عن مشروعية تحقيقها كي لا تستنهض أحلامه، ثم تخبو بعد سنوات خمس كالمعتاد، وكل واحد منا لديه حق السؤال عن مدى قدرة الحكومة على التزامها بما تسوقه من طموحات، إنها ببساطة حالة حق للناس بعدم حقنهم بالأحلام والوعود لمجرد الأحلام والوعود، ومن تلك الطروحات الكبيرة التي تقترحها الخطة الخمسية العاشرة نقدم هذه المرة الطروحات النوعية لا الكمية ونناقش إمكان تحقيقها مستقبلاً في سورية، فالخطة وفي إطارها المرجعي، وحسب ما جاء فيها تستند إلى ما يسمى مشروع سورية الاستراتيجي المستقبلي ( 2025 ) الذي يرسم ملامح سورية من الآن حتى ذلك العام، وهذه الطموحات التي تطمح الخطة والمشروع بالوصول إليها خلال السنوات القادمة هي:
• أن يستكمل المجتمع السوري مسيرة إقامة مجتمع ديمقراطي ناضج وقائم على أساس دولة المؤسسات والقانون والتعددية السياسية واحترام حقوق الإنسان انطلاقاً من الواقع السوري.
• مطوراً لموقعه القومي في النظام العربي كقوة إقليمية فاعلة. داعماً لقدرات وإمكانات النظام العربي الاقتصادية والسياسية والأمنية وإيصاله إلى موقع الكتلة المؤثرة في إطار التكتلات الإقليمية والعالمية الأخرى.
• معززاً لموقعه الدولي وفق وعيه بالمصالح الكونية المشتركة والاعتماد المتبادل في عصر العولمة، ومدركاً لمصالحه الوطنية وأمنه القومي وروابطه الاقتصادية والسياسية.
• معتمداً على ذاته ومنفتحاً على الخارج.
• متمكناً من النهوض بمستوى الرفاه الاجتماعي للمواطنين ومقابلة حاجاتهم المتجددة.
• منجزاً لمهام العدالة الاجتماعية والمشاركة الفاعلة للجميع.
• محققاً لاقتصاد وطني متنوع المصادر ذي قدرة تنافسية عالية.
• متمتعاً بخدمات اجتماعية واقتصادية وبنى تحتية عالية النوعية.
• مسلحاً بثقافة حية وفاعلة قائمة على الثقة العالية بالذات الوطنية والقومية.
• منجزاً لتنمية قائمة على التقنية الحديثة والمعرفة.
• مرتكزاً على رصيد عال من رأس المال البشري والفكري، القائم على ثقافة الكفاءة والجودة, وعلى العقل النقدي والمبدع والشخصية السورية المتمكنة من التعامل مع المتطلبات الأكثر تعقدا للمجتمع الذي سيزداد اعتماداً على المعرفة.
• مستنداً إلى منظومة مؤسسية فاعلة وبيئة تمكينية صلبة جديرة بتحقيق نمو اقتصادي وتنمية مستدامة.
أول الأسئلة..كيف ذلك؟؟
إن أول الأسئلة المتبادرة إلى الذهن بعد قراءة هذه الطموحات هو: هل تستطيع سورية إنجاز كل تلك الأهداف خلال 15 عاما فقط؟
يقول بعض المطلعين والمهتمين بشأن الخطة الخمسية العاشرة وقضايا التخطيط الاقتصادي، إن كل هدف من هذه الأهداف وفي ظل ظروف الاقتصاد والمجتمع السوري المتراكمة تاريخياً، يقولون إن كل هدف منها يحتاج لوحده كي يتحقق إلى أكثر من 15 عاما، بسبب حساسية هذه الأهداف وما تلزمه من إمكانات اقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة جداً، يضاف إلى ذلك أن هذه الأهداف واسعة جداً، وأن كل كلمة فيها تحتاج لخطة خاصة بها، وهذا ما لا قدرة للاقتصاد السوري على تحقيقه أبداً، وبالتالي كان من الأجدى البحث عن سلسلة من الأهداف الأبسط والأقل تعقيداً والأكثر قرباً من الناس والتي يقود تحقيقها إلى أهداف أكبر وأعمق منها، ويتابع المعلقون على هذه الأهداف أن سورية لم تحل حتى الآن أزمات السير، والسكن المخالف والعشوائي، وتخلف التعليم والمناهج الدراسية، وأزمة البيئة، والعديد من الأزمات الفرعية البسيطة والمعقدة، كما أنها لم تستطع صياغة برنامج للإصلاح الاقتصادي والإداري، فكيف لها أن تنتقل إلى هذا النظام النوعي والراقي جداً خلال فترة لا تتجاوز 15 عاماً؟ وإذا كانت إعادة هيكلة قطاع الصناعة لوحده على سبيل الافتراض يحتاج إلى ما لا يقل عن 5 سنوات، فكيف سيتم انجاز كل تلك التغيرات خلال 15 عاماً؟
إن القفز من فوق الواقع وتجاهل المشكلات الصغيرة والمتواضعة والنظر إلى الطموحات الكبيرة جداً، قد يوحي بنوع من عدم المصداقية وبنوع من تسويق حبوب التسكين، في حين أن الالتهاب ما يزال موجوداً ومزمناً، فالناس تبحث دائما عما هو قريب منها وعما تفهمه وتحس به، ولا تبحث عن الشعارات الكبيرة على حد قول البعض. ولو تمعن القارئ جدياً في هذه الأهداف لنالت إعجابه وتمنى أن تتحقق، ولكن لو نظر إلى ما كانت تطرحه حكومته سابقاً من أهداف، وتفحص الواقع، فإنه لن يجد شيئاً.. بل على العكس قد يجد مستقبلاً، تراثاً اقتصادياً مضافاً إلى رفوف المكتبات وجموع الكتب.