ماذا يريد واضعو سياسة سعر الفائدة؟!
خلال العام الماضي تم رفع سعر الفائدة على الودائع لتصل إلى 20%، وخلال الأسبوع الماضي تم رفع نسبة الفائدة لإقراض العمال محدودي الدخل لتصل إلى 37% تقريباً.. فما الهدف من كلا السياستين، وهل نستطيع أن نجد اتساقاً أو تفسيراً لسياسة سعر الفائدة السورية؟!..
خلال عام 2015 تم رفع الحد الأعلى للفائدة على الودائع التي تزيد على عام لتصل إلى سقف 20% بموجب قرار مجلس النقد والتسليف رقم 1266 لعام 2015 في سبيل تعزيز الإيداع الطويل الأجل.. أما في الأسبوع الماضي فقد وافقت رئاسة مجلس الوزراء على رفع سقف الإقراض لمحدودي الدخل، ولكن مع فائدة مرتفعة. والبداية من السياسة الأولى، رفع الفائدة على الودائع..
«ضعوا ليراتكم في المصارف»
يعتبر هذا الرفع تعبيراً مباشراً عن سعي السياسات النقدية والمالية السورية، إلى تحفيز أصحاب الأموال للادخار في سورية، وإيداع أموالهم لفترات طويلة في البنوك، ليحصلوا على عوائد إضافية بمقدار خمس ما وضعوه من مدخرات. حيث يعتبر البعض أن هذه السياسة تجذب كتلة نقدية فائضة موجودة بالليرة السورية في السوق، إلى المصارف العامة والخاصة، لتتحول إلى مدخرات. معتبرين بأن هذا الأمر يشكل دعماً لليرة السورية، عبر التحكم بكتلة السيولة الفائضة منها.
ولكن ماذا لو جمعنا الليرات السورية في المصارف، ودفعنا عليها فوائد هل تستطيع هذه السياسة فقط أن تحمي الليرة؟! قد يؤدي زيادة الودائع طويلة الأجل إلى تخفيف أثر كتلة السيولة الفائضة، ولكنه لا يلغي الحافز تجاه تحويل الليرة إلى دولار، طالما أن النشاط الاقتصادي الأساسي أصبح يعتمد على القطع الأجنبي والاستيراد تحديداً، وطالما أن النشاط الاقتصادي لا يطلب الليرة ليقوم بعمليات إنتاج واستهلاك إضافية جديدة!
ما يعني أن تكديس هذه الودائع بالليرة لدى المصارف، لا يحقق غرض حماية قيمة الليرة، بل على العكس لا يتشكل حافز حقيقي للإيداع بالليرة، إلا إذا تأكد المودعون بأن قيمة الليرة محمية، ولا تتدهور! فلن يضع أحدهم أمواله بالليرة ويتركها لمدة أكثر من عام ليحصل على فائدة 20% بينما قد تتدهور قيمة الليرة بالنسبة ذاتها خلال فترة الإيداع!
وماذا ستفعلون بالليرات المودعة؟!
لا يمكن أن تتحول سياسة رفع الفائدة لتحفيز الإيداع بالليرة، إلى دعم لليرة السورية، إلا إذا كانت مرتبطة مباشرة بعملية استخدام مناسب لهذه الكتلة الفائضة المودعة بالمصارف، لا تجميدها فقط، ودفع فوائد عليها!
وهو ما يجب أن يستكمل بسياسة استثمار، أي تشغيل ودائع الليرة السورية بعمليات اقتصادية تدعم الليرة، أي عمليات إنتاج محلي لغرض الاستهلاك المحلي، أو التصدير.
وهذه السياسة الاستثمارية تتم إما عبر الاستثمار الحكومي المباشر، أو عبر سياسة إقراض تحفز السوريين على استخدام هذه الأموال في الإنتاج، ليدفعوا مقابلها فوائد للمنظومة المصرفية العامة أو الخاصة..
فهل تستكمل السياسة السورية الاقتصادية، وتضع الأسس لاستخدام هذه الأموال بشكل فعّال استثمارياً؟!
السياسة الاقتصادية السورية، يمكن أن نقول عنها، بأنها تُجري إيقاف مؤقت للاستثمار! وقد أوقفت تقريباً عمليات الإنفاق الاستثماري الحكومية، ووفرت الأموال التي أعلنت أنها ستخصصها للإنفاق الاستثماري في الموازنة، حيث تشير المعلومات إلى أن إنفاق الحكومة من موازنتها على جوانب الاستثمار يقارب 50 مليار ليرة فقط بينما المبالغ الموضوعة رقمياً تفوق 400 مليار ليرة في 2015.
وآخر ما يمكن ذكره في هذا السياق، هو طلب وزارة الصناعة خطة استثمارية لمنشآتها العامة لعام 2017 بمقدار 19 مليار ليرة، وموافقة واضعي السياسات على 8.8 مليار ليرة فقط، أي أقل من 17 مليون دولار استثمار صناعي عام.
كما أنها أوقفت عمليات الإقراض بشكل واضح وصريح منذ عام 2012، ولم تتخذ أي إجراء لتحفز أو تلزم المصارف الخاصة على تقديم القروض التشغيلية، للمنتجين المحليين..
حيث لا يجد صغار المنتجين أو كبارهم، وسيلة لتمويل مشاريعهم إلا من خلال بعض المنظمات غير الحكومية التي تقدم عينات قروض تسويقية لا أكثر، ولا يمكن أن تتحول لرافعة إنتاجية، أو من خلال مشروع تمويل المشروعات الصغيرة المقيد بشروط صعبة، وبسقوف منخفضة.
أي ما نستطيع أن نقوله، بأن الأموال المودعة لن تستخدم في خطة استثمارية إنتاجية، لأنه ما من خطة لتوسيع الاستثمار.
قروض للعمال.. بتكلفة مرتفعة!
السياسة الاقتصادية بدأت بإعادة عمليات الإقراض ولكن من بابها الأضيق! حيث وافقت رئاسة مجلس الوزراء على مقترح وزارة المالية، وتوصية اللجنة الاقتصادية الصادر بتاريخ 5-9-2016،برفغ سقف الإقراض بمقدار 200 ألف ليرة من مصرفي التوفير، والتسليف الشعبي لذوي الدخل المحدود من العمال، ليعود السقف إلى مستويات عام 2010 أي بمقدار 500 ألف ليرة، ولكن مع فارق أن 500 ألف قبل الأزمة كانت تعادل 10 آلاف دولار تقريباً، وأصبحت اليوم حوالي 1000 دولار فقط.
القرض المذكور، عليه فوائد عالية، فلمدة 60 شهر، يدفع العامل المقترض قسطاً شهرياً 11400 ليرة يعادل 33% من الأجر الوسطي السوري اليومي، ونسبة الفوائد من هذا القسط تبلغ 3000 ليرة تقريباً، وبنسبة 36.8%!
إن هذا القرض لا يمكن أن يكون قرضاً إنتاجياً، بل هو عملياً قرض استهلاكي، يحاول محدودو الدخل من خلاله أن يؤمنوا بعضاً من حاجاتهم الضرورية التي لا يمكن أن تؤمنها الرواتب، كأن يقوم عامل سوري بتغطية تكلفة شراء أدوات كهربائية للمنزل، أو أن يقوم بدفع تكلفة عمل جراحي في مشفى خاص، أو أن يقوم بدفع آجار منزل لمدة سنة! مقابل أموال لنفقات من هذا النوع، تريد السياسة الاقتصادية أن تقتطع من استهلاك العمال، ومن دخولهم نسبة 37% تقريباً إضافة لما قدمته لهم!..
أي أن السياسة الاقتصادية قررت أن تستخدم الأموال المودعة في المصارف في قروض استهلاكية للعمال، وليس في قروض إنتاجية، وإضافة لذلك ستأخذ منهم نسبة فائدة مرتفعة وغير مسبوقة! فيما يمكن أن نسميه عملية سحب من قدرات الأجور على الاستهلاك، وهي عملية تضعف قدرات الاستهلاك، وبالتالي تؤثر سلباً على قيمة الليرة السورية.