ماذا يريد الفاسدون من الشعب؟
بعد أن طمأننا السيد رئيس الجمهورية ـ الدكتور بشار الأسد ـ وأزال من أمامنا عقدة الخوف من المستقبل المعاشي في خطاب القسم عندما قال: «أما الشيء الذي أريد أن أؤكد عليه خاصة ما نسمعه بشكل مستمر عن دور الدولة بالنسبة للشرائح الاجتماعية، تراجع دور الدولة، ضعف دور الدولة، إلغاء الدعم، التحضير لإلغاء الدعم. كل هذا الكلام، كلام إما تشويشي أو إشاعات، أو عدم معرفة. هناك حالة وحيدة لكي نلغي كل هذا الدور، ونلغي الدعم عن المواطن. ربما إذا صدر قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع عندها لا تستغربوا أن يأتي يوم يقولون فيه: إن دعم الفقراء هو دعم للإرهاب. كل شيء لم يعد مستغرباً». هكذا أقسم السيد رئيس الجمهورية. لأن خطاب القسم هو جزء لا يتجزأ من القسم نفسه.
بعد هذا كله تفاجئنا ـ بل لا تفاجئنا ـ الحكومة ـ الوطنية جداً ـ وإنما تتحفنا ملوحة برفع الدعم عن المشتقات النفطية. وهذا إشارة لرفع الدعم عن بقية المواد والسلع الأساسية والاستراتيجية للمواطنين. وذلك في صحيفة الثورة ـ العدد 13391 تاريخ الاثنين 20/8/2007 تحت عنوان: «هكذا تفكر الحكومة ـ إعادة توزيع دعم المشتقات النفطية». ليصار فيما بعد لرفع الدعم عن جميع المواد والأمور الأساسية والاستراتيجية للمواطنين ـ كما قدمنا ـ بدءاً من رغيف الخبز وحبة السكر والأرز، وحتى الطبابة والتعليم، مروراً بالوقود وما ينتج عنه أو يرتبط به.
ولكثرة ذكاء هذه الحكومة، وحتى تتخلص من المسؤولية، وكي تلقيها على الآخرين، وتخرج هي بريئة براءة المجرم من جريمته، فقد تفتق ذهنها ـ الوطني جداً ـ عن أساليب جهنمية ـ آية في الديمقراطية ـ ألا وهي: طرح معضلة رفع الدعم ـ بل جريمة رفع الدعم ـ إلى الشعب، وبما يشبه عملية استفتاء شعبي، ومن ثم تصبح النتيجة هي قرار الشعب وإرادته. ويصبح الشعب عندئذ صاحب الكلمة العليا في الدولة، وهو سيد قراره وصانع مستقبله. وبذلك نكون «أول دولة في العالم» كالعادة ـ وأكثرها ديمقراطية ـ تتبع هذا الأسلوب. لكن الحكومة لم تكشف عن آلية جمع النتيجة النهائية لآراء المواطنين، وخاصة الذين أعلنوا آراءهم حول هذا الموضوع. ومن يدري؟ فقد تصبح الآراء الرافضة أصلاً للموضوع بكامله، آراء مؤيدة ومتحمسة جداً لرفع الدعم وداعية له!!
ألا يحق لنا أن نتساءل: ما هو الهدف ـ الوطني جداً ـ من وراء هذا القرار ـ رفع الدعم؟؟! لا شك، أن الحكومة ستقول: إنه دفاع عن الوطن ضد الصهيونية والامبريالية العالمية. الوقوف في وجه المخططات العدوانية، زيادة في الاستقرار والرفاهية، وتطبيق الحرية ـ اقتصادياً ـ إن رفع الدعم عن الأساسيات الوطنية للمواطنين، هو اعتداء صارخ على الوطن والمواطنين. وخدمة لمصالح الفئة المعادية للشعب والوطن، الوالغة في نهب خيرات الوطن، وهدر كرامة المواطن.
إن رفع الدعم عن الخبز والوقود و الصحة والتعليم وغيرها.. يؤدي إلى النتائج التالية:
1 ـ منع وحرمان دخول المدارس من الحضانة حتى الجامعة، إلا لأبناء الأغنياء، وبذلك ينتشر الجهل وتسود الأمية ثانية.
2 ـ الحد أو القضاء على التعليم العام، والمشافي العامة، وتشجيع المشافي والمدارس الخاصة ذات الأجور المرتفعة جداً، والتي لا تعرف من هم أصحابها الحقيقيون؟ خاصة وأنها انتشرت في طول ـ سورية ـ وعرضها.
3 ـ تشجيع ـ بل ـ دفع وإجبار المواطنين ـ للهجرة خارج الوطن، وهذه سياسة خطيرة، القصد من ورائها تفريغ الوطن من شبابه وعقوله، ليصبح وكراً للمافيات والمرتزقة والمفسدين والفاسدين.
4 ـ العمل بردة الفعل وحب الانتقام والثأر واستيفاء الحق بالقوة، وبذلك تعود الجريمة، تعم الفوضى، ولات ساعة مندم.
5 ـ إن حجة رفع الدعم، لمنع التهريب، هي حجة واهنة زائفة خادعة، لأن من يعلم كل كلمة تقال بين ثلاثة أو حتى اثنين ـ لا تصعب عليه معرفة التهريب والمهربين ومكافحتهم ويعلن أسماءهم وعقوباتهم. إن كان يستطيع ذلك.
إن بناء الوطن، وحفظ كرامة مواطنيه، لا يكون بفوضى الحياة، وإنما بنظامها، ولا يكون بفوضى السوق الاقتصادية، وإنما بتقييده ومراقبته وطنياً. إن أكثر دول العالم المتمدن ديمقراطية، تسود فيها نظرية دعم المواد الأساسية والسلع الاستراتيجية، وما تزال المرافق العامة فيها، وخاصة ـ الضمان الاجتماعي/ الجماعي. محمية ومدعومة ومحترمة أيضاً. في الدول والحكومات التي تحترم نفسها، يمنع أطباء المشافي العامة من فتح العيادات الخاصة. ولكن تعطيهم الرواتب والأجور التي تعادل أمثالهم في القطاع الخاص. وكذلك المهندسون والمعلمون و...و...و... إذا ما عملوا في القطاع العام أو المرافق العامة.
إن معالجة الوضع الاقتصادي المتردي الذي أوقعت ـ هذه الحكومة ـ الوطن به، لا تتم برفع الدعم، وإنما بزيادته بعد أن توقف وتقضي على قطار نهب المال العام وسرقته من المسؤولين ـ كباراً أم صغاراً ـ كما تطالعنا به كل يوم الصحف السورية الرسمية منها وشبه الرسمية، وآخرها صحيفة الثورة في عددها سابق الذكر.
إن معالجة الوضع الاقتصادي المتردي تكون بوقف الهدر ومنعه، وبإعادة الأموال الخاصة المنهوبة والمسروقة والتي تقدر بعشرات المليارات حسب إحصاءات داخلية وخارجية، لأن عودتها إلى خزينة الدولة توفر كل الدعم وحتى ـ المجانية ـ لكل ما تنوي الحكومة رفع الدعم عنه.
فما بال حكومتنا ـ الرشيدة ـ تسارع لارتكاب جريمة التجويع والتشريد لجميع المواطنين، لأن من يودع أمواله خارج الوطن ـ ولو بقيمة ليرة سورية واحدة، وبأية عملة، إنما يخدم العدو الصهيوني والإمبريالية العالمية، ويرتكب أكبر خيانة بحق وطنه ومواطنيه، وبذلك فهو ليس مواطناً.
إن إجراء مثل هذا العمل ـ طرح مسألة ـ رفع الدعم ـ للمواطنين والتذرع بأنه قرار شعبي وطني، إنما يريدون من ورائه: «أن يحمل الشعب كتاب إعدامه بيده».
والوطن والمواطن من وراء القصد