مؤشر مدركات الفساد للعام 2007
صدر في أواخر أيلول الماضي 2007 عن منظمة الشفافية الدولية، المؤشر السنوي حول الفساد تحت عنوان "مدركات الفساد لعام 2007" ويعتبر هذا التقرير مكملاً للتقرير العالمي للفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية سنوياً، في محاولة لرصد معايير إحصائية واستطلاعية تطمح إلى قياس مستوى الإدراك للاستغلال المالي والاقتصادي، واستخدام الرشوة لتحقيق المكاسب الشخصية والانتفاع غير المشروع في مجموعة من دول العالم.
تشمل حوالي 180 دولة، وركزت المنظمة في تقريرها خذا العام حول الفساد في القضاء، في حين كانت قد ركزت في تقرير عام 2005 على قطاع البناء والتشييد، وخصص تقرير عام 2006 على الفساد في الصحة.
أما تقرير "مؤشر مدركات الفساد للعام 2007 " فهو يدرج الدول في قائمة تتراوح الدرجات فيها من صفر (أعلى درجة فساد) إلى 10 نقاط (أعلى درجة شفافية) ويعتمد التقرير على مؤشر تم تجميعه من دراسات قام بإعدادها خبراء ومن مصادر رجال الأعمال المقيمين خلال العامين الماضيين، ومن المصادر التي يرجع إليها القائمون في إعداد المؤشر دراسات أجراها البنك الدولي ووحدة الاستخبارات الاقتصادية وبنك التنمية الإفريقي وبنك التنمية الآسيوي. ويذكر أن مؤشر إدراك الفساد (للشفافية الدولية) الذي يقيس مستوى إدراك الفساد لا الفساد نفسه، يركز على القطاع العام، ويعتمد تعريفا معينا للفساد يلخص بـ " إساءة استعمال السلطة الموكلة لتحقيق مصلحة شخصية" سواء كانت تلك المصلحة مكاسب إدارية أو مالية أو غير مادية، مثل الأهداف السياسية أو الطموحات المهنية.
ويشير تقرير مدركات الفساد إلى مفارقة من المهم ذكرها، وهي أن الدول الغنية (التي تفخر بتدني مستوى الفساد فيها) تمارس الفساد خارج أراضيها وعبر الشركات التجارية، لكن نتائج هذه الممارسات لا تظهر إلا في الدول الفقيرة، ويشير التقرير إلى أن الفساد في الدول الفقيرة يمارسه المسؤولون الكبار ويرتبط مباشرة برشى تقدمها الشركات الدولية التي تتخذ الدول الغنية مقرات لها فيما هي تمارس الفساد في الدول الفقيرة، وهو ما يؤثر في ترتيب الدول عالمياً، الأمر الذي يجعل الانتقادات التي توجه من الدول الغنية إلى الفقيرة وتتهمها فيها بشيوع ظاهرة الفساد، هذه الانتقادات تبدو في هذه الحالة لا تتمتع بالمصداقية، خاصة عندما تدعوها إلى تحقيق الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية.
فالمؤسسات المالية في الدول الغنية تقوم بنهب ثروات الدول الفقيرة، فتزيد من فقرها وفي الوقت ذاته تمتنع عن إعادة الثروات المسروقة بسبب نظم الحماية المصرفية والمالية في الدول المتقدمة، هذا فضلاً عن أن النظام القضائي بروتينه المعقد يعطل استرجاع البلدان الفقيرة لثرواتها المنهوبة.
ويوضح الجدول المرفق "مؤشر مدركات الفساد للعامين 2007،2006 للدول العربية" كما قدمه د. عامر خياط مدير عام المنظمة العربية لمكافحة الفساد في عرضه للتقرير العالمي للفساد 2007 (1)
ومن أجل قراءة سليمة للجدول، نبين ما يلي:
1 - الجدول يضم الدول العربية وهو مستخلص من جدول يضم 180 دولة في العالم.
2 - يعتمد الترتيب على عدد نقاط مؤشر إدراك الفساد (CPI) التي حازتها كل دولة، وتتراوح هذه النقاط بين 10 (خالي من الفساد) وصفر (فاسد جداً).
3 - يتضمن الجدول ترتيب الدول العربية وفق المرتبة العالمية لعامي 2007،2006 والمرتبة العربية للعامين المذكورين. وهذا الترتيب يشير إلى التسلسل الرقمي لتدرج الدول العربية ابتداء من أقلها فساداً إلى أكثرها فساداً.
ويلاحظ من الجدول أن قطر التي حازت على المرتبة الأولى بين الدول العربية عام 2007، حصلت على 6 نقاط فقط، مما جعل ترتيبها العالمية 32، في حين أن الصومال لم تحصل سوى على 1،4 نقطة مما جعلها تقع في نهاية الترتيب العربي 19 وكذلك في نهاية الترتيب العالمي 179.
وفي إشارة خاصة لسورية، نجد أنها لم تحصل إلا على 2،9 نقطة عام 2006 ثم انخفضت إلى 2،4 نقطة عام 2007.
وفي حين كانت مرتبتها العالمية 2006 (93) نقطة، أصبحت عام 2007 (138) نقطة، كما أن مرتبتها بين الدول العربية كانت عام 2006 (14) فانخفضت في العام التالي 2007 إلى 16، وهذا يعني أن 15 دولة عربية كانت أقل فساداً، ويأتي بعدها كل من السودان والعراق والصومال.
ويلاحظ أن تراجع مرتبة سورية عالمياً وعربياً، مع أن مرتبتها أصلاً غير مطمئنة، يترافق مع السير قدماً بتحويل الاقتصاد إلى اقتصاد سوق وتحرير الأسعار وتحرير التجارة الخارجية، وفتح أبواب سورية أمام الاستثمار العربي والأجنبي، مما يجعلنا مضطرين للربط بين اتساع رقعة الفساد والانفتاح الاقتصادي وسياساته التي تصر الإدارة الاقتصادية على انتهاجها، ضاربة عرض الحائط بمتطلبات التنمية في ظل اقتصاد السوق الاجتماعي الذي أقرته القيادة السياسية، ومتجاوزة بذلك متطلبات النهوض الذي تطمح إليه جماهيرنا العمالية والفلاحية والكسبة وأصحاب الدخل المحدود وجماهير الشعب الفقيرة.
والفساد هو أحد أركان عملية التحول نحو اقتصاد السوق الحر، فجهابذة الليبرالية الاقتصادية الجديدة، ينطلقون من أهمية الدور الذي يلعبه رأس المال في تحقيق النمو الاقتصادي، الذي يعترفون بأنه في ظل السياسات الليبرالية الاقتصادية الجديدة سوف يصيب الطبقة الغنية، إلا أنهم يقولون أنه بفعل قانون (التساقط) سوف تنعم الطبقات الفقيرة (مستقبلاً) بخيرات النمو.
ومن أجل أن نزيد القارئ قناعة بالربط ما بين اتساع رقعة الفساد وما بين السياسات الاقتصادية الكلية الليبرالية الاقتصادية الجديدة، نروي هذه الحادثة الواقعية التي نقلتها إحدى الجرائد الأميركية الكبيرة في حينه.
فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تعهد الغرب بمساعدة الدول الاشتراكية السابقة على التحول نحو اقتصاد السوق، ومن بين هذه المساعدات كان برنامج لتدريب عناصر من المخابرات الروسية في الولايات المتحدة بإشراف المخابرات المركزية الأميركية في الولايات المتحدة.
وفي أول دورة، ومع نهايتها سأل ضابط التدريب الأميركي، أعضاء الدورة الروس فيما إذا كان لديهم أية أسئلة أو حالات يمكن طرحها، فقال أحد الضباط الروس أنه يشعر أن الجريمة المنظمة في روسيا قد نشطت كثيراً، كما أن أعضاء المافيات يزداد نفوذهم وتتعدد أنشطتهم مما يلحق أضراراً كبيرة في الاقتصاد والمجتمع، وسأل: كيف نواجه ذلك.
أجاب الضابط الأميركي بكل جدية ووضوح:
(دعوهم وشأنهم ... دعوهم يراكموا الثروة ويزيدوا من رأس مالهم).
وكانت هذه النصيحة أبلغ تعبير عن حقيقة التحول نحو اقتصاد السوق وسياساته، دعوا اللصوص يجمعوا الثروة ويراكموا رأس المال..... فهذا هو قانون الليبرالية الاقتصادية الجديدة وسياساتها.