جمعية العلوم الاقتصادية تستعيد أمجادها: آثار رفع الدعم تهدّد الأمن الوطني..
ربما لم تشهد سورية في تاريخها المعاصر إجماعاً واسعاً على موقف ما، كما تشهده الآن في الرفض الواسع المعلن وغير المعلن للسياسات النيو ليبرالية للفريق الاقتصادي في الحكومة الحالية؛ حيث تضم قائمة رافضي هذه السياسات المنظمات الشعبية وعلى رأسها التنظيمان العمالي والفلاحي، ومعظم القوى والأحزاب السياسية وفي صفوفها أعداد متزايدة من قيادات وقواعد حزب البعث، وتضم القائمة كذلك معظم الشخصيات العلمية والأكاديمية الوطنية، وحتى غرف التجارة والصناعة. هذا الموقف الموحد تجلى بشكل يبعث على التأمل في ورشة العمل التي نظمتها إدارة جمعية العلوم الاقتصادية بمشاركة عدد من الاقتصاديين والباحثين، يوم الأربعاء 30/7/2008، وتناولت فيها المنعكسات الاقتصادية والاجتماعية لسياسات رفع الدعم، بعد مرور ثلاثة أشهر على تمرير هذا القرار.
الندوة تمت بحضور وسائل الإعلام المختلفة، وافتتح أعمالها د.كمال شرف، بالقول: «إن سجالاً كبيراً عشناه خلال عام ونيف، بين أركان الفريق الاقتصادي الحكومي، وبين قوى ومؤسسات وطنية وباحثين وأكاديميين حول موضوع (الدعم الحكومي). هل نستمر به على صورته التي كانت سائدة؟ أم نجري عليه بعض الجراحات؟ أم نستغني عنه؟
ونبه عدد كبير من الاقتصاديين، وعدد من السادة المهتمين بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية إلى المخاطر التي يمكن أن تتأتى نتيجة لرفع الدعم عن المحروقات، وخاصة المازوت وعن بعض السلع الأساسية المدعومة. وكذلك جاهد هؤلاء ضد سياسات الفريق الاقتصادي، وانعكاساتها على التنمية الاقتصادية والاجتماعية».
وأشار د. شرف إلى أن «قضية الدعم الاقتصادي، هي ظاهرة عارضة، تم اللجوء إليها أثناء الحربين العالميتين. وكان الهدف منها المحافظة على وجود كم سلعي محدد بسعر ثابت لا يتأثر بتغيرات العرض والطلب. وبعد انتهاء الحرب أجرت الدول إصلاحات تهدف إلى تحقيق التوازن بين العرض والطلب، وتم في هذا الإطار وضع خطط للسيطرة على السياسة السعرية».
ثم تناول د.شرف بعض ما كُتب في الصحافة عن الموضوع، وتوقف بداية عند تقديرات النائب الاقتصادي عبد الله الدردري في مجلس الشعب الذي رأى أن تهريب مادة المازوت يتراوح بين مليار ومليار ونصف ليتر سنوياً، من مجمل الاستهلاك المقدر بـ10 مليار ليتر.. وأن كلفة استيراد الليتر 37 ليرة..
كما استعرض تصريحاً لوزير النقل اللبناني أكد فيه أن كمية المازوت المهرب من سورية إلى لبنان «بلغت 500 مليون برميل في السنة أو ما قيمته 15 مليار ليرة سورية نسبة الدعم من هذا المبلغ 11.5 مليار ليرة».
وكان لافتاً استشهاد د. شرف بعدد من المقالات والدراسات المنشورة في جريدة قاسيون، التي كانت وما تزال تأخذ على عاتقها مهمة مواجهة السياسات الليبرالية، والدفاع عن القطاع العام وكرامة الوطن والمواطن، حيث توقف عند مقال للدكتور منير الحمش نشرته «قاسيون» في 14 تموز 2007، تحت عنوان «مسألة إلغاء الدعم» يقول فيه: «إن الحجة جاهزة لدى الحكومة، فالأسعار الحالية أقل بكثير من تكلفة الإنتاج (أو الاستيراد) وهذا يؤدي إلى تحقيق خسائر تتحملها الخزينة، وهذا يؤدي بدوره إلى تحقيق عجز في الموازنة، كما أنه يشجع على التهريب».. و«الدخول في لعبة الأرقام (المقصود الأرقام التي قدمتها الحكومة عن عبء الدعم) تقودنا إلى مناقشات لا نملك معطياتها الأساسية. ويقصد الباحث معطيات (تصنيع) الرقم، ومدى تعبيره عن التكلفة الحقيقية».. «يقترح الباحث مناقشة هادئة بعيدة عن التشنج، يكون الهدف منها وضع موضوع الدعم في مصلحة الاقتصاد الوطني من جهة، ومصلحة الشعب من جهة ثانية».. و«في ظل اقتصاد السوق الاجتماعي، لابد من وضع أي قرار اقتصادي في هذا الميزان، أي استخدام آليات السوق بما لا يضر بمسيرة التنمية وتحقيق العدالة الاجتماعية، وإذا كانت سياسة الدعم ضرورية قبل إقرار التوجه نحو إقرار اقتصاد السوق الاجتماعي، فقد أصبحت بعد ذلك ضرورية».
وتطرق د.شرف إلى مقال د. نزار عبد الله في «قاسيون» 3/11/2007 «لماذا إلغاء الدعم» الذي يتساءل فيه:
ـ لماذا لا تنشر الإدارة الاقتصادية بنود الدعم أو حجمه، علماً أنها تتكلم عنه منذ عدة سنوات، ولماذا لا تنشر الأرقام المقدرة أو الفعلية كل عام في الموازنة؟ وبيّن د. شرف أن الكاتب لم يتوقع رفع سعر المازوت والغاز بالشكل الذي تم فيه، وفي مقال لاحق للكاتب نفسه يقترح حلولاً بديلة لرفع السعر.
كما توقف عند «قاسيون» الصادر في شباط 2008 وكان أبرز عناوينه: «هل بدأت الغارة الثالثة في محاولة رفع الدعم» حيث بيّن قول الكاتب: لقد لحست الحكومة كلامها ووعودها بعدم المساس بالأساسيات. وأن هذه الأساسيات خط أحمر لا يمكن الاقتراب منه. ويضيف: «إن الفريق الاقتصادي مرر مشروعه رويداً رويداً».
وأخيراً بيّن د. شرف أن هناك عشرات المقالات والدراسات العميقة التي نشرت خلال هذه الفترة، أخص منها دراسة بعنوان: «الدعم.. تحديات الواقع ومسؤولية القرار». وجميعها تستحق الثناء والتقدير لأنها وضعت أمام الإدارة الاقتصادية الحكومية معطيات هامة، وأعتقد أنها حجمت من التمادي في بعض القرارات..
منير الحمش: هدف ومطلب للصهيونية والعولمة!!
أكد الحمش في ورقته المقدمة للورشة أن «القيادة السياسية حسمت (الصراع) بين التمسك بدور الدولة الاقتصادي والاجتماعي، والتوجهات الاقتصادية الليبرالية الجديدة، عندما أقرت التوجه نحو «اقتصاد السوق الاجتماعي»، إلا أن الفريق الاقتصادي استمر باتخاذ الإجراءات المؤدية إلى التحول نحو اقتصاد السوق، معتبراً أن إعطاء صفة الاجتماعي للسوق إنما هي مرحلة انتقالية، لتهيئة الأجواء للانتقال النهائي إلى اقتصاد السوق.
والتقت السياسات الاقتصادية المنبثقة عن النظرية الليبرالية الاقتصادية الجديدة، مع السياسات والبرامج التي بدأت تتبلور في إطار صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وفي ما يدعى (توافق واشنطن)، حيث انضمت حكومة الولايات المتحدة إلى هاتين المؤسستين الدوليتين.
إن موضوع اللااستقرار في المنطقة العربية ليس خياراً عربياً، إنما هو شرط أمريكي إسرائيلي. وهذا كلام خطر جداً على مستوى اللااستقرار في المنطقة العربية.
لا يمكن الحديث عن نمو اقتصادي مع بقاء البنية السياسية جامدة. هذا كلام غير معقول على الإطلاق، ومن الضروري أن يتطور المجتمع بكل جوانبه. فالتنمية هي مجموعة تدابير وليست مجرد خطابات وكلام. ويجب أن تظهر النخبة أو الطليعة أو قادة الفكر انسجاماً بين القول والفعل. لا يستطيع أحد إقناعنا بأفكاره، إذ™ا كنا نرى على الواقع عكس تلك الأفكار. علينا أن نقول ما يجب قوله في وقته المناسب، لكي لا نتخلف عن عملية التنمية الاقتصادية. وباعتقادي التنمية بحاجة إلى ديمقراطية ومشاركة الناس في القرار والرأي.
رفع الدعم يعني تهديد السلم الاجتماعي. هذه الفوارق الهائلة بين مجموعة صغيرة من الأثرياء، ومجموع الناس، تسحق الطبقة الفقيرة يوماً بعد آخر، وهذا هدف ومطلب الصهيونية والعولمة.
د.نبيل مرزوق: المس بالدعم زاد.. وسيزيد الخلل..
بدأ د. مرزوق حديثه بالقول: نحن طرحنا موضوع الدعم بجانبه الاقتصادي الإنتاجي والآثار المترتبة عليه، تكلمنا عن الاستثمار والإنتاجية والتنافسية، وأكدنا أن الدعم هو جزء من السياسات الاقتصادية الكلية، وضمن هذا الإطار نحن نتحدث بمسألة الدعم.. المسار الحكومي حالياً هو باتجاه ليبرالية السوق، وإحدى المشاكل الأساسية لحرية السوق وليبرالية السوق هي مسألة الأسعار، وإذا كان الدعم هو أحد العوامل المشوهة للسعر، إذاً يجب التخلي عنه.. لكن الأسعار الحقيقية تعيدنا إلى معالجة مشكلة القيمة على المستوى الاقتصادي الكلي..
والسؤال: هل يستطيع الاقتصاد الوطني اليوم تحمل أعباء تصحيح المعادلة؟ هل سورية قادرة أن تعبر بسلم الرواتب والأجور؟ أين قانون القيمة على صعيد الاقتصاد الكلي؟ الموضوع بحاجة إلى سلسلة من الإجراءات.
نحن نقول: على هذا الأساس يمكن النظر إلى دور هذا الدعم، لأن المس فيه سيزيد الخلل، وهذا ما لاحظناه عندما ازداد التضخم.. الخلل بمستويات المعيشة.. وقد تراجعت القدرة التنافسية.
وأوضح د. مرزوق أن هناك شيئاً إيديولوجياً، غير اقتصادي ورغبة جامحة أكثر فأكثر في الاندماج بالسوق العالمي.. هل هذا حالياً يخدم مصالحنا الوطنية، لماذا هذا الإصرار على الاندماج؟
نحن مواطنون سوريون لا نريد أن ندمج مع السوق العالمية، نحن بلد نريد أن ننمو ونتطور ونحقق مستوى معيشة أفضل بسياساتنا الصحيحة، لا بالركض وراء السوق العالمية، لأن ذلك ليس مهماً ولا مجدياً، هناك مشكلة لدى الحكومة هي مشكلة إيديولوجية بالدرجة الأولى، فالحكومة تريد أن تطبق اقتصاد السوق بأي ثمن، بغض النظر عن النتائج المترتبة عليه.
عزت الميداني: نتائج اقتصادية واجتماعيةخطيرة
تحدث الميداني في مداخلته عن التضخم في سورية، ومسبباته ووسائل مكافحته. مبيناً أن التضخم هو أحد الجوانب الهامة جداً لعملية رفع الدعم، وتهدف هذه المداخلة إلى تحديد أسباب التضخم في سورية، واقتراح الطرق والوسائل التي يجب اتباعها لمكافحة التضخم، لأن العجز عن وضع وتطبيق سياسات اقتصادية مالية نقدية لمحاربة التضخم والتغلب عليه، يخلق في المجتمع توقعات تضخمية مستقبلية، تصب في زيادة الإنفاق وتحوّل التضخم إلى تضخم متسارع منفلت تصعب السيطرة عليه. هذا النوع الأخير يهدد بانتشار الفقر والعوز على نطاق واسع في المجتمع وله نتائج اقتصادية اجتماعية أمنية سياسية خطيرة جداً، هناك اتجاه لتشكيل احتكارات قلة في الاقتصاد السوري، مثل شركات الاتصالات (النقالة) والشركات القابضة.
غسان القلاع: أين عدالة توزيع الناتج المحلي؟
تناول غسان القلاع نائب رئيس غرفة تجارة دمشق في ورقته منعكسات رفع الدعم عن المواد الغذائية وعن الكهرباء والمحروقات، وأكد أن كل زيادة في أسعار المازوت سوف تؤدي إلى انخفاض مستوى المعيشة للسكان ولا سيما لأصحاب الدخل المحدود، وللتأكيد، ليسوا كلهم من ذوو الرواتب الحكومية.
إن زيادة أسعار المازوت والكهرباء ستؤدي إلى حدوث تضخم في الاقتصاد قد يصعب السيطرة عليه مما يؤثر على مختلف نواحي الحياة الاقتصادية في البلد.
وأوضح القلاع أن المشكلة في سورية تتلخص في أن الدعم المباشر وغير المباشر يتم تغطيته في معظمه بأسلوب عجز الموازنة، أي الدعم يؤدي إلى حدوث ضغوطات تضخمية تزيد عن الطلب الكلي وتحدث فجوة تتزايد حدتها مع تزايد الكتلة النقدية المتداولة والمصدرة.
وأشار إلى أن التضخم هو ضريبة يدفعها ذوي الدخل المحدود لأصحاب الريوع والعقارات، لأن أصحاب الرواتب تتآكل قيم رواتبهم الشرائية مقابل ارتفاع أسعار العقارات والأراضي، وهذه نقطة غير تنافسية كونها تؤثر في عدالة توزيع الناتج المحلي.. إن المتغيرات التي طرأت على مختلف عناصر التكلفة انعكست سلباً على الأسعار، وبدأت العملية تأخذ شكلاً وحجماً ليس من السهل معالجته بتدابير زجرية فقط، بل من المؤكد ضرورة معالجته بأساليب اقتصادية على المدى الطويل.
د. مأمون البحرة: الانفتاح لم يكن مدروساً..
د. مأمون البحرة تناول أهم الصعوبات والمعوقات التي تقف في وجه تطور الصناعات وبالأخص النسيجية، ورأى أن الانفتاح على الأسواق الأخرى كان وبالاً كبيراً على صناعتنا، فأخذت البضائع المنافسة من الدول العربية والصين ودول أخرى تنهال على بلدنا، وشكلت إغراقاً كبيراً في الأسواق السورية بكمها وأسعارها بدلاً من أن تنهال منتجاتنا على أسواقهم، والسبب الذي أدى إلى ذلك بسيط جداً وهو أن الدول الأخرى ترعى صناعتها وصناعييها، وتعمل بشكل دائم على تطوير صناعتها بشتى الوسائل.
فالصناعة السورية غير قادرة على الصمود أمام الكم الهائل من المنتجات المستوردة بأسعارها المخفضة لعدم وجود منافسة عادلة.
أما بالنسبة للصناعات النسيجية كان الانفتاح بالاستيراد غير المدروس جيداً لقسم من هذه الصناعة ومسيئاً بالنسبة للقسم الآخر.
وحدد واجبات الدولة باتجاه الصناعة بسبعة إجراءات أبرزها، تقديم الدعم للصناعة، مكافحة التهرب من الرسوم الجمركية، إيجاد مخبر تحاليل معترف به دولياً، تعديل قانون العمل.
علي عبد العلي: قرارنا الوطني سيُصادَر إذا لم نحقق الأمن الغذائي..
من جانبه أكد علي عبد العلي عضو المكتب التنفيذي في اتحاد الفلاحين، عضو مجلس الشعب، أن «قاسمنا المشترك مصلحة الشعب. الملامح الاقتصادية بدأت تظهر آثارها على كل المستويات في سورية، ونحن كشريحة منتجة في القطاع الزراعي ندفع ضريبة أكثر، في فترة من الفترات توجهنا باتجاه الزراعة وتحقيق الأمن الغذائي، وقمنا بإجراءات اقتصادية للانتقال من الندرة إلى الوفرة، وكمنتجين زراعيين، قدمنا الغذاء للوطن. ما يجري حالياً من توجهات وخصوصاً في رفع الدعم هو موضوع ظاهره رحمة وباطنه عداء... في القطاع الزراعي يعمل أكثر من 8 مليون نسمة، ولدينا محاصيل لها طابع اجتماعي، وفي حال الاستمرار برفع الدعم، ماذا سيكون مصير هذه القطاعات الواسعة؟
المازوت أحد مستلزمات الإنتاج وقد انعكس ارتفاع سعره سلباً على كل السلسلة الطويلة من المواد المختلفة. وأوضح العلي أن القمح سعرته الدولة بـ 13 ل.س، ولم يكن عند الفلاح هامش الربح المجزي نهائياً، بسبب ارتفاع سعر المازوت، وإذا رفع الدعم عن البذار وغيرها، فعلى الزراعة السلام!! يجب التفكير بالزراعة أولاً وأولاً وأولاً».
وأكد العلي أن الإنتاج الزراعي بكل محاصيله في خطر، ومع أن الاقتصاديين المصريين نبهونا إلى الزراعة وضرورة الاهتمام بها، إلا أن ما يجري هو العكس تماماً في ضوء السياسات الاقتصادية المتبعة، ومن المؤكد أن قرارنا الوطني سيصادر إذا لم نحقق الأمن الغذائي!..
د. قدري جميل: يجب صياغة خط وطني للفقر
تحدث الدكتور قدري جميل في ورقته عن أثر رفع الدعم على الفقر ومستوى المعيشة من خلال تعريفه لمفهوم الدعم، ولماذا الدعم أصلاً، فقال:
«ميزة الدعم كظاهرة عالمية في العالم الثالث وليس في سورية فحسب إنه جاء ليغطي جزءاً من الهوة الموجودة بين مستوى الأجور ومستوى الأسعار، لذلك أي حديث عن الدعم دون معرفة الهوة بين الأجور والأسعار، ودون تصحيح الأجر هو حديث غير علمي، ولا أساس له، ويزيد من أخطار التوترات الاجتماعية.
اليوم هناك ارتفاع أسعار عالمي، وهذا الارتفاع ليس ظاهرة عضوية عميقة في الاقتصاد الدولي.. ولكن هناك مصادفتان.
المصادفة الأولى: ارتفاع أسعار المواد الغذائية لم يبدأ إلا بعد ما انتهى تحرير اقتصادات دول العالم الثالث من كل أنظمة الحماية التي كانت تدعم المحرومين والفقراء.
المصادفة الثانية: تتوقع الأمم المتحدة خلال هذا العام نتيجة ارتفاع الأسعار المواد الغذائية أن يموت جوعاً 100 مليون إنسان ومليار تحت التهديد حسب النظرية المالتوسية التي يجري تطبيقها على الأرض.
لم يعد البحث في موضوع الدعم قضية اقتصادية فقط بل في كل الأزمة العالمية الشاملة الحالية والأولى من نوعها باعتبار أن الأزمات السابقة كانت إقليمية، وهذا ما أدى إلى انهيار للمؤسسات الناتجة عن هذه العمليات، هذه ظاهرة على السطح إنما العمق أكثر لذلك الدعم يمس جوهر الأمن الوطني..
واضاف د. جميل: إنه نتيجة لتسونامي الأسعار الجارف في العالم لن تبقى جزر في استقرار إلا المناطق التي حوصرت من الرأسمالية الأمريكية مثل كوبا وكوريا الشمالية... وهذا ما يؤكد أن القضية ليست تكتيكية بل سياسية.
وفي الحديث عن الفقر في سورية أكد جميل أن 30 % فقراء وحسب الخطة الخمسية العاشرة 11 % فقط، هل هذا مقياس صحيح بالنسبة لسورية، يجب صياغة خط وطني للفقر لأن في سورية مستوى الأسعار السوري والتقاليد التاريخية لسلة الاستهلاك السورية خط خاص سوري للفقر..
أهم إنجاز حققته نقابات العمال سنة 1987 انها حددت السلة الغذائية ب2400 حريرة للعائلة السورية 60 % والمواد غير الغذائية 40 %.
واعتماداً على كلفة الوجبة الغذائية للفرد وهي 97 ليرة للفرد الواحد «الحد الأدنى» ينفق على الغذاء لكل أسرة سورية يبلغ 5.6 فرداً 16.300 في الشهر وهو ما يسمى خط فقر الغذاء حسب انفاق الاسرة، ينتج أن مستوى الدخل الضروري لتغطية حاجات الغذاء (للعائلة) 13580 ليرة
وبجمع قيمتي الإنفاق على السلع الغذائية وغير الغذائية نحصل على الانفاق الاجمالي الشهري والذي يساوي 27160 ليرة وهوالحد الأدنى لمستوى المعيشة وبالتالي فإن الأجر الضروري يجب أن يكون 22000 ليرة وهوخط الفقرحسب الدخل الا إن واقع الاجور لا يعترف بذلك، إن الزملاء الذين حملوا الأجور مسؤولية التضخم تقديراتهم لم تكن صحيحة، هناك شيء من الدخل الوطني يذهب فاقداً اقتصادياً لأسباب لها علاقة بالفساد والنهب 20 % من الدخل الوطني يذهب خارج الدورة الاقتصادية ويأتي من يقول لا توجد نقود.. ونريد موارد.. إن ضعف مستوى الأجور يؤدي إلى ضعف في الطلب، هناك في سورية تمركز للثروة وتمركز للفقر، أي هناك مشكلة عضوية بحاجة إلى حل جذري، والسؤال ماذا فعل رفع الدعم في حالتنا؟ إنه خلق مجموعة من الأمور يمكن اختصارها كالآتي:
إن مشكلة الأجور بحاجة إلى نمو صاروخي، والنمو الصاروخي لا يتم بهذا الشكل
(زراعة، صناعة) إذ يمكن القول إن النمو في سورية (صفر تحت الصفر)!.
يوجد تضخم ولا إنتاج..
السياسة الاستثمارية في بلادنا خاطئة..
الكتلة النقدية زادت، والكتلة السلعية نقصت، وهذا هو السبب الحقيقي للتضخم، في بلدنا هناك جوع وعطش..
زادت القيمة الاسمية ولكن القيمة الحقيقية للأجر انخفضت.
ارتفاعات الأسعار... شكلت الفجوة بين الأجور والأسعار..
النتيجة الحقيقية لكل هذا أنه لا يمكن الصمود في وجه التحديات دون الدعم، الدعم هو أداة اقتصادية هامة للتحكم بالتطور الاقتصادي والاجتماعي.
د. حيان سلمان: منظمة التجارة آيلة للسقوط...
موضوع الدعم هو موضوع اقتصادي واجتماعي، وكل محاضر تناول الموضوع من جانبه الشخصي وهذا شيء طبيعي.
لاتوجد دولة في العالم إلا وتدعم اقتصادها سواء كان بجانبه الإنتاجي أو الاستهلاكي وأكبر سلعة في العالم مدعومة، وهذا ما يجب أن نركز عليه، أحد المسؤولين الأمريكيين في أحد اجتماعات منظمة التجارة العالمية تكلم عن الدولار وقال: هذه عملتنا وتلك مشاكلكم، فالدعم مرتبط بالاقتصاد وليس لاعتبارات اجتماعية، وهنا لا أقلل من الاعتبارات الاجتماعية.
سورية أمنت ذات يوم الأمن الغذائي، ولم نحتج إلى من يتحدث بالأمن الغذائي، الآن ما مصير القمح والقطن والشوندر الذي يعتبر من المواد الاستراتيجية، إن مردودية الهكتار الواحد بدأت تتراجع، من جهة أخرى أحد مربي المواشي قال لي: لدي 500 رأساً اقترحت على أحد أقاربي أن يربيها ويعطيني في آخر السنة 125 رأس، ولولا خوفي من الله لتركتها في العراء!! الدعم مرتبط بقضية اقتصادية لزيادة الناتج الكلي.
النقطة الثانية: هناك تضخم تكلفة، فالسلعة التي كانت تكلف بحدود المائة ليرة كانت تنزل إلى السوق بأكثر من 400 %.
النقطة الثالثة: منظمة التجارة آيلة للسقوط، وسقوطها كان عبارة عن تناقض بين من يدعم المنتجات الزراعية وبين من لا يدعم، وأمام الدول النامية مجالان فقط للمنافسة: الزراعة، والغزل والنسيج.
د.سنان علي ديب: المبرر عجز الموازنة...
تناول د. علي ديب مجموعة من العناوين، وبيّن أنه سواء كانت تبريرات القرار صحيحة أم خاطئة، فهذا لا يهم في الوقت الحالي، المهم دراسة دقيقة للانعكاسات السلبية الناتجة عن اتخاذ هذا القرار وفق بيانات دقيقة ودون أي تلاعب، وهذا التشخيص يبقى ناقصاً إذا لم نغيره بعمل جاد، وأهم شيء هو صون كرامة المواطن، وإرادة صادقة، ووحدة الوطن.
وتساءل د. ديب: أليست مسألة إنقاذ الاقتصاد السوري وتضافر كل القطاعات هي الأهم؟ أين السياحة الداخلية الخارجية؟ ما انعكاسات رفع الدعم عليها باعتبارها (قاطرة النمو)؟!.
ماذا حصل للتعليم في المحافظات من الريف إلى المدينة؟ وهل القطاع العام أكثر القطاعات التي تأثرت برفع الدعم؟ ما مدى مصداقية الفريق الاقتصادي بتأكيده أن المبرر هو عجز الموازنة؟ كيف ساعد القرار على تآكل الأجور بالنسبة للعمالة الخارجية؟ ولماذا القرار يتخذ ثم يظل سنوات لتصحح انعكاساته، أم أن قراراتنا تؤخذ دون أية أهمية لانعكاساتها؟
صدر من بعض المسؤولين أقاويل من أجل الرفع الكلي للدعم، ما مبرر هذا القرار؟ وهل المؤشرات الآنية تتحمل قراراً من هذا النوع؟.
عزت الكنج: إعادة توزيع الدعم كلمة حق يراد بها باطل!
أكد عزت الكنج نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال وممثل النقابات في الورشة، أن الدعم في كل دول العالم لا يتم احتسابه بالمعنى الاقتصادي أكثر مما يتم احتسابه بالبعد الاجتماعي، لأنه يحقق مسألتين في غاية الأهمية:
1) العدالة في توزيع الناتج القومي.
2) ردم الفجوة القائمة بين الأسعار والأجور.
ورأى الكنج أنه عندما طرحت فكرة إعادة توزيع الدعم، كانت كلمة حق يراد بها باطل، فطالما أن العقد الاجتماعي بين النظام السياسي والجماهير العريضة لا يزال قائماً، نحن بأمس الحاجة إلى الدعم، طالما أن الأجور منخفضة في البلد هل استمرار الدعم هو السبب في عجز الموازنة..؟ ليس الدعم أهم الأسباب ولا كل الأسباب، بل السياسات الاقتصادية والمالية وراء هذا العجز، بالإضافة إلى تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي والنفط، وأوضح أن الإنتاج المادي في الصناعة هو الذي يخلق التنمية لا المصارف والتامين والعقارات كما يدعي البعض، وأنه لايمكن الفصل بين الوضع الاقتصاد الكلي والاجتماعي، والتحديات المطروحة كالبطالة، الفقر، ارتفاع المتزايد للأسعار شهرياً، وانخفاض مستوى المعيشة وزيادة عدد الفقراء، إن كل ما يقال ويصرح به حول معدلات النمو وأرقامها مزورة وغير صحيحة والدليل عدم تحسن المستوى المعيشي للمواطنين. وتساءل الكنج: هل لهذه السياسات الاقتصادية وما يرافقها أساس حقيقي لبناء اقتصاد قوي يؤسس لاقتصاد مقاوم؟، وهل باستطاعته الصمود والمواجهة في ظل الظروف الدولية والإقليمية المحيطة بنا؟.
وأكد الكنج أن مجرد ذكر اقتصاد السوق الاجتماعي أصبح يخلق مشكلة للمواطن السوري بعد أن تحول إلى مجال للتهكم، وبرأي بعض الاقتصاديين ليس فيه شيء من الاقتصادي الاجتماعي بسبب غياب دور الدولة وتدخلها في ضبط حركة السوق والمحافظة على مصالح الفقراء، وندرة البرامج الإنمائية التي تنعكس على معيشة المواطن، والعمل ضمن برنامج إصلاح اقتصادي تسوده الضبابية، وغير واضح وغير منهجي، فالسياسات الاقتصادية الجارية أغفلت الجانب الاجتماعي كلياً.
واستغرب الكنج أن البعض يقول الخطة الخمسية العاشرة هي الكفيلة بالإصلاح الاقتصادي مع العلم أن عجز الموازنة كان 44 ملياراً في العام الأول، وأصبح /192/ مليار ليرة في عامها الثالث، مؤكداً أننا في ظل هذا الإصلاح لن نحقق مستوى معيشة أفضل لا للعمال ولا للفلاحين والفقراء.
وفي موضوع الصناعة، أوضح الكنج أن الصناعيين يستحوذون على اهتمام الحكومة بإعطائهم الضوء الأخضر، متسائلا: ما نفع رأس المال دون قوة العمل؟ بعض الصناعيين يريدون صناعة متطورة منتجة وعمالاً بلا أجور واستيراد مادة أولية دون ضريبة وجمارك، ومع ذلك مازال العامل يوقع استقالته مسبقاً، وما زالت الأجور متدنية وعقود الإذعان تفعل فعلها، ولهذا السبب نحن في حالة حوار دائم مع المعنيين حول تعديل قانون العمل.