تخلف أم (؟)

يحتوي تقرير أعدته الأمم المتحدة ويوصي الدول الفقيرة «بزيادة التصنيع لتحصل على فرصة أكبر للوصول إلى الأسواق العالمية لتعزيز اقتصادياتها» العديد من المؤشرات الهامة، أهمها اعتراف المنظمة الدولية أن تعزيز اقتصاديات الدول الفقيرة لايتم إلا من خلال الصناعة الوطنية القوية القادرة على اختراق الأسواق العالمية ومنافسة السلع الأخرى بجودتها وتطورها، فركيزة أي اقتصاد وطني قوي هي الصناعة بالدرجة الأولى، وليس قطاع الخدمات كما يحاول البعض الترويج له..

 لكن حكومتنا كغيرها من الحكومات الانفتاحية تقوم بإهمال الصناعة التي نمتلك الكثير من مقومات قوتها وإمكانية تطورها وهي المواد الأولية الاساسية لأية صناعة، بديلاً عن الاهتمام بها وتعزيزها، فكيف نصدّر العديد من منتجاتنا الزراعية كمواد خام وبأسعار متدنية، ثم نقوم باستيرادها مصنعة جاهزة بأضعاف مضاعفة؟! مع العلم أن تصنيع معظمها ممكن، لأنها لا تحتاج إلى تكلفة كبيرة أو تقنية متطورة، فالقطن مثلاً، يختلف سعر تصديره في الحالة الخام عن سعر تصديره مصنعاً كألبسة جاهزة بنسبة 1200%، والتبغ يختلف سعر تصديره مصنعاً أيضاً بنسبة 1600%.
ويأتي النفط ضمن هذا التصنيف، فالحكومة تؤكد أن فاتورة استيراده مكرراً ومصنعاً مرتفعة (تتجاوز في حساباتها 300 مليار ليرة)، وهذا الفارق، وبغض النظر عن تضخيمه، ما هو إلا نتاج القيمة المضافة على النفط الخام الذي نقوم ببيعه لهم (200 ألف برميل يومياً) رخيصاً، ثم يقومون هم بعملية تكريره وبيعه لنا مصنعاً بأرقام مضاعفة، علماً أن تكلفة إقامة مصفاة لتكرير النفط لاتزيد عن 2 مليار ل.س، أي لا تمثل سوى 7% من الدعم الحكومي المزعوم على المشتقات النفطية سنوياً، والتي تلغي إذا ما تم إقامتها الفاتورة المفترضة أو تقلل 80% من حجمها على الأقل.
الأغرب هو خوف الأمم المتحدة، التي تسيطر الولايات المتحدة على الكثير من قراراتها وتعين معظم مسؤوليها، على الدول الفقيرة وصناعتها واقتصادياتها، في الوقت الذي تتخلى فيه حكومتنا المؤتمنة على ثروات الشعب عن الصناعة وهي دعامة الاقتصاد الأساسية، والوحيدة القادرة على امتصاص البطالة المرتفعة التي تعاني منها البلاد.