تشريح الخطة الخمسية «الجدلية» العاشرة.. يؤكد فشلها
حظيت الخطة الخمسية العاشرة بنقاش وجدل كبيرين لم تشهدهما أية خطة خمسية سابقة، سواءً في طبيعة توجهاتها، أو في النتائج المرتقب تحقيقها منها، فكما كانت نتائج الخمسية التاسعة أرضية للخطة العاشرة، ستكون الخطة الحالية كذلك أرضية للحادية عشرة، وهذا يدفعنا للتساؤل، هل ستسلم الخطة الخمسية الحالية للخمسية التي تليها واقعاً أفضل مما استلمته هي، أم أن هذا الواقع سيكون أسوأ مما كان عليه في السابق؟ لتكون بذلك السنوات الخمس الماضية عبئاً على الاقتصاد السوري، لأنها أعادت عجلته إلى الوراء، ليقال لمخططيها ومنفذيها: «كأنك يا أبو زيد ما غزيت»، أو بالأحرى ليتك ما غزيت، خصوصاً وأن كبار منظري ومنفذي الخطة الخمسية بدؤوا يتملصون من النتائج، وعلى رأسهم النائب الاقتصادي بقوله: « لا يمكن لمس نتائج الخطة الخمسية العاشرة أو حتى التي تليها على أرض الواقع في جميع القطاعات بشكل مباشر»... إذاً، هؤلاء المتفائلون الذين أرهقوا أحلام الشعب السوري بوعودهم المؤكدة أن الخطة الحالية ستساهم بتحسين المستوى المعيشي والاقتصاد السوري على حد سواء، (طلعوا فافوش)..
من تحت الركام
من تحت الركام، وفي ظل واقع اقتصادي شبه جامد، استطاعت الخطة الخمسية التاسعة (2001 – 2005) تحقيق نتائج متواضعة نفتقد إلى تحقيقها، ونتحسر عليها اليوم، حيث تمكنت هذه الخطة من تحقيق نمو في مجال الزراعة بنسبة 3,7%، وكان متوسط التضخم 3,4%، واستطاع الاقتصاد الوطني تأمين نحو 140 ألف فرصة عمل وسطياً في كل عام، وبالتالي فإن عدد العاطلين عن العمل كان يتزايد 56 ألف شخص سنوياً، وحافظت الخطة الخمسية التاسعة على حصة الرواتب والأجور من الدخل القومي بحيث بلغت 38%، وكان وسطي الادخار من الدخل المتاح نحو 35%، فهذه النتائج برأينا هي أهم مؤشرات نجاح الخطة الخمسية العاشرة عند البدء بأية محاولة لتقييمها أو الحكم عليها..
تحليق التضخم عالياً
التوازن بين التدفق السلعي والنقدي المرتبط بالتضخم، والذي لم يتعدّ متوسطه في الخمسية التاسعة 3,4%، قرر التحليق عالياً في الخمسية العاشرة، ولم يكن ذلك بقرار منفرد، بل بفضل السياسات التي انتهجتها الحكومة وفريقها الاقتصادي، حيث تضاعفت أسعار أغلب السلع والخدمات، وانخفضت القدرة الشرائية لليرة السورية وللمواطن السوري أيضاً. وتشير أرقام المصرف المركزي إلى أن التضخم السنوي التراكمي هو:
10,3% في العام 2006
4,5% في العام 2007
15,15% في العام 2008
2,8 في العام 2009
ومن المتوقع أن يكون 5% حسب تقرير آفاق الاقتصاد العالمي لصندوق النقد الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، أي أن التضخم التراكمي وصل إلى 143,26% على اعتبار أن العام 2005 هو سنة الأساس = 100، وبالتالي فإن متوسط التضخم خلال الخطة الخمسية العاشرة هو بحدود 8,65%، أي أن التضخم تضاعف عما كان عليه في الخمسية التاسعة، وبالتالي تراجع مستوى المعيشة لدى المواطن السوري عما كان عليه في الخمسية التاسعة..
أنين الزراعة
وضعت الخمسية العاشرة في حساباتها تحقيق معدل نمو يصل إلى 4% في المجال الزراعي، حيث ستكون مساهمة قطاع الزراعة بحدود 330562 مليون ليرة من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة (1505337 مليون ليرة سورية)، مقارنة بـ267812 في الخمسية التاسعة، وبنسبة تصل إلى 22% من الناتج، هذا إذا ما حققت الخطة نمواً بنسبة 5%، وهذه النسبة من النمو المحقق يؤكدها أغلب المسؤولين اليوم، لكنه، وبالانطلاق من تثقيلات الإنتاج الزراعي لعام 2000، يتبين لنا أن الإنتاج النباتي 80 نوعاً يشكل 642 نقطة من أصل 1000 نقطة، حيث احتلت الحبوب المركز الأول بـ177 نقطة موزعة على الشكل التالي: (قمح 145 نقطة، شعير 25 نقطة، محاصيل أخرى 7 نقاط)، والمحاصيل الصناعية استحوذت على 124 نقطة ثقلها الأساسي القطن بـ98 نقطة، أما الأشجار المثمرة فإنها شكلت 202 نقطة..
فوسطي إنتاج القمح خلال سنوات الخطة الخمسية العاشرة 3264 ألف طن، أي ما يشكل 14.5% من مجمل قيمة الإنتاج الزراعي، بينما كان وسطي هذا الإنتاج في الخطة الخمسية التاسعة 4728 ألف طن، أي أن سدس الإنتاج الزراعي السوري قد تراجع بنسبة 31% خلال الخطة الحالية..
وبالانتقال إلى الشعير الذي حقق إنتاجاً وسطياً خلال سنوات الخطة العاشرة يقدر بـ859 ألف طن، بينما كان وسطي إنتاجه خلال الخطة التاسعة 1050 ألف طن، أي أن إنتاجه تراجع أيضاً بنسبة 19% في سنوات الخطة الحالية.
أما القطن، فإن وسطي إنتاجه خلال سنوات الخطة العاشرة 674 ألف طن، في الوقت الذي كان وسطي إنتاجه في الخطة التاسعة 935 ألف طن، أي أن عشر الإنتاج الزراعي السوري قد تراجع أيضاً مع انخفاض إنتاج القطن السوري بنسبة تصل إلى 28% في الخطة الخمسية الحالية...
أي أن أكثر من ثلث الإنتاج النباتي، وربع الإنتاج الزراعي قد تراجع إنتاجه وسطياً بنسبة 26%، وبالتالي فإن قيمته بالأسعار الثابتة قد تراجعت حتى لو حاول البعض بالتضليل من خلال اعتماد قيمة الإنتاج الزراعي بالأسعار الجارية التي لا تعكس حقيقة نمو هذا القطاع وغيره من القطاعات الأخرى، وهذا يعني أن الخطة الخمسية العاشرة فشلت في تحقيق نمو ايجابي في محاصيلها الأساسية الثلاثة..
ارتفاع مؤكد
تسعى الخطة الخمسية العاشرة لتحقيق 1250 ألف فرصة عمل وتخفيض معدل البطالة إلى 8%، كما أشارت الخطة في بند تخصيص الموارد وتوزيع الاستثمارات إلى أن إحداث اثر ايجابي واضح على الحد من الفقر يكون عن طريق تطوير القطاع الزراعي، واعتباره من القطاعات الرائدة التي يتوجب زيادة إسهامها في الناتج الإجمالي لأنه من خلالها يمكن إيجاد المزيد من فرص العمل الزراعية وغير الزراعية في الريف والبادية، وهذا يعني أن تراجع الإنتاج الزراعي أدى عملياً إلى زيادة البطالة والفقر أتوماتيكياً، على اعتبار أن الخطة هي التي ربطت بين نمو الزراعة وانخفاض كل منهما، كما أن أرقام عدد العاطلين عن العمل ـ حسب المكتب المركزي للإحصاء ـ هم اليوم بحدود 458 ألف متعطل، يشكلون 8,5% من قوة عمل إجمالية تقدر بـ5382 ألف، لكن قوة العمل في سنوات الخمسية التاسعة وكذلك نسبة البطالة (8%) كانت أقل مما هي عليه اليوم، وهذا يعني أن عدد العاطلين عن العمل قد تزايد خلال الخمسية العاشرة، لأنه حتى لو حافظت نسبة البطالة على نسبة 8% فلا يعني هذا بكل الأحوال استقرار أعداد العاطلين عن العمل بل يعكس ارتفاعهم، وذلك بحكم عامل النمو السكاني الذي يؤدي بدوره لزيادة حجم قوة العمل في سورية...
أسئلة مشروعة
من المعروف أن حصة الرواتب والأجور كانت بحدود 38% من الناتج المحلي الإجمالي في الخطة الخمسية التاسعة، لكن العديد من الاقتصاديين يشيرون إلى أن هذه النسبة لا تتعدى اليوم 20% من الناتج الإجمالي، هذه النسبة التي يتوقف على أساسها ارتفاع أو انخفاض المستوى المعيشي للسوريين..
فهل يستطيع المسؤولون الاقتصاديون تحديد نسبة «معامل جيني» الذي كان بحدود 37% في الخمسية التاسعة، هذا المعامل الذي يحدد ويبيّن عدالة توزيع الدخل الوطني من عدمه، وكذلك حجم ونوعية الفئات القادرة على الادخار، لأنه يبنى على أساس تشريح عوائد النمو الاقتصادي، خصوصاً وأن النمو الاقتصادي المحقق في السنوات الخمس السابقة كان في القطاعات الريعية التي تعود بالفائدة الكبرى على أصحابها وبالصغرى على الاقتصاد الوطني؟؟..