التهرب الضريبي إثراء غير مشروع... يعرقل إعادة توزيع الثروة بين السوريين

يعتقد أغلب المتهربين ضريبياً، سواءً كانوا من التجار، وهم أصحاب الحصة الكبرى من كعكة التهرب تلك، أو من أصحاب المهن المختلفة أن تهربهم شطارة، أو أنهم «سارقون شرفاء» لكونهم احتالوا على «جيبة» الدولة، أو أن الضريبة التي يدفعونها ما هي إلا اقتطاع مالي ليس له من مقابل، ويسهل ضعف الكفاءة وغياب عنصر النزاهة تهرب هؤلاء ويشجعانه، إلا أن يتجاهلوا الحقيقة الوحيدة، وهي أن لتهربهم هذا أثاراً سلبيةً على بنية الاقتصاد الوطني، ويؤذي طبقات وشرائح المجتمع الأخرى ويضر بهم، لأنه، وبالمحصلة النهائية سيحّدث اختلالاً في توزيع الثروة بين السوريين، حيث تصل حصة الأرباح إلى %75 من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، بينما تفترض العدالة بالحد الادنى، عدم تجاوز حصة الأرباح  حدود الـ%50 لتحقيق عدالة الحد الأدنى في توزيع الناتج المحلي..

التهرب الضريبي إثراء غير مشروع

التهرب الضريبي جزء من مكونات الفساد، وهو صاحب حصة غير قليلة في الفاقد الاقتصادي الناتج عن فاتورة الفساد الإجمالية، فالضرائب هي الممول الرئيسي للخزينة العامة للدولة، لذلك، فإن التهرب الكبير الذي يزيد عن 200 مليار ليرة حسب آخر التقديرات، سيقلل من الموارد المالية الضرورية لتمويل الموازنة العامة، وسيقلل من إمكانية تنفيذ الخطط التي يجري لحظها لغياب التمويل، أي أن هذا التهرب سيؤثر على مجمل العملية التنموية في البلاد، وعلى انخفاض معدلات النمو الاقتصادي، وسيترك آثاراً اجتماعية واقتصادية سلبية كزيادة الفقر والبطالة، والأهم من كل هذا، هو انعكاس التهرب الضريبي على زيادة الفجوة بين طبقات المجتمع السوري، وبما يساهم في تعميق الفوارق الاجتماعية، لأن أغلب أصحاب المداخيل المحدودة (نحو %90 من السوريين من عاملين في الدولة او في بعض المؤسسات الخاصة والمسجلين في التأمينات) لا يستطيعون التهرب من دفع مستحقاتهم الضريبية، التي تقتطع مباشرة من رواتبهم، إلا أن كبار ومتوسطي المكلفين هم الذين يقومون بعملية التهرب الضريبي، وهذا التهرب سينعكس بتكديس الثروات والأموال بين أيدي قلة من السوريين، لندخل بحلقة من الإثراء غير المشروع لهؤلاء المكلفين المتهربين، مما سيؤدي إلى زيادة الفجوة بين طبقات المجتمع، خاصة وأن الضريبة تعتبر الأداة الأساسية في إعادة توزيع الدخل بين طبقات المجتمع، مما يفترض به المساهمة في تقليص الهوة التي تفصل بين الطبقة الغنية والطبقة الفقيرة، وهذا يعني أن الاستمرار في التهرب الضريبي سيعيق عملية إعادة توزيع الثروة بين السوريين وسيعرقل تنظيم الاقتصاد الوطني..

 

أثرياء سورية يملكون 23 مليار دولار

يدعم التقرير الصادر عن شركة ويلث إكس (Wealth-X) حديثنا عن التهرب الضريبي ودوره في تراكم الثروات، والذي يبين أن إجمالي صافي الثروة العالية جداً للأفراد (UHNWIs) التي يملكها أثرياء سورية تبلغ نحو 23 مليار دولار، والتي تشكل %38.7 من الاقتصاد السوري قبل بداية الأزمة الحالية (الناتج المحلي بالأسعار الجارية يقدر بنحو 60 مليار دولار في 2010)، كما أن عدد الأثرياء ممن يملكون 30 مليون دولار على الأقل (2 مليار ليرة) يبلغ نحو 215 شخصاً، لتتربع سورية بموجب هذه الارقام المرتبة السادسة على مستوى الشرق الأوسط بعدد أثريائها، وقد يتساءل البعض عن العلاقة بين هذا التقرير والتهرب الضريبي، إلا أن الجواب بسيط بطبيعة الحال، فجزء من هذه الثروات المتراكمة عبر عقود خلت، ما هو إلا نتاج تهرب متجذر من دفع الاستحقاقات الضريبية، مما ساهم في تكديس مثل تلك الثروات بين أيدي البعض، ولو كان هناك عدالة ضريبية لما كنا لنرى جزءاً غير قليل من تلك الثروات بين أيدي أصحابها اليوم..

 

تخفيض التكليف الضريبي.. دون جدوى

بعد أن حققت وزاراة المالية في السابق سقف طموحاتها، بتجهيز قسم خاص «للأكابر» من المتهربين، جاءت الوزارة الحالية لتنشئ قسماً لمتوسطي المكلفين، إلا أنني أجزم بأن تلك الأقسام جميعها لم تنجح في زيادة نسبة التحصيل الضريبي من الشرائح المتهربة ولو بنسب بسيطة، كذلك هو حال المطالبين بتخفيض التكليف الضريبي، والذي يتخذونه ذريعة شكلية لتهربهم، وليس من الصعوبة تفنيد مثل تلك الإدعاءات، لأن تراجع نسبة التكليف الضريبي كانت عنوان المرحلة السابقة، إلا أنها لم تنجح في الحصول على تحسن فعلي في أرقام التحصيل الضريبي على دخل الأرباح الحقيقية للقطاع الخاص بشكل أساس، فالقانون 20 لعام 1991 حدد معدلات ضريبة دخل تبدأ بالشريحة الأولى بنسبة %13.4 وتتوقف عند معدل %60,3  للأرباح التي تزيد عن مليون ل.س، أما القانون رقم 24 لعام  2003، حدد الضريبة على الأرباح الصافية بما يتراوح بين %10  كحد أدنى و%35  للأرباح التي تزيد عن 3 مليون ل.س، أما المرسوم التشريعي 51 لعام 2006، فإنه خفض سقف الضرائب على الأرباح من %35 إلى %28 عن الأرباح التي تزيد عن 3 مليون ل.س، كما جرى توسيع الشرائح بما يقلل من نسب الضريبة، ولكن كل هذا التخفيض لم ينعكس إيجاباً إلا بنسب محددة على التحصيل الضريبي عن الأرباح الحقيقية للقطاع الخاص..

 

التشهير بالمتهربين ضريبياً

من الأجدى بالحكومة السعي لابتكار أساليب جديدة لزيادة التحصيل الضريبي من جيوب كبار المتهربين ضريبياً وليس الفقراء بالطبع، بخلاف التسهيلات والإعفاءات التي يفرطون في إعطائها لأصحاب رؤوس الاموال، وذلك من خلال فرض عقوبات رادعة قادرة على إجبارهم سداد تهربهم، أو الإعلان عن أسماء المتهربين بالإعلام والصحافة، لعلها تجبر بعض هؤلاء الفاسدين على دفع ولو جزء من تهربهم الضريبي المتراكم، والذي لم يكن وليد اللحظة بالتأكيد..