هل تم كسر هيمنة النيوليبرالية على الأكاديميات الاقتصادية؟!
أعادت صحيفة الغارديان البريطانية تسليط الضوء على واحد من أهم ملفات الأزمة الاقتصادية والمتعلقة بالجانب المعرفي والأكاديمي الذي يحدد قدرات المحللين ودارسي علم الاقتصاد في التنبؤ بالأزمات الاقتصادية وتوقعها وتفاديها، وهو محاولات الخروج من هيمنة النمط النيولبيرالي على مناهج تدريس علم الاقتصاد في معظم دول العالم وعلى رأسها الأكاديميات الغربية.
الغارديان التي استعرضت شيئاً من التغييرات الحاصلة في المؤسسات الأكاديمة توقفت عند سؤال أكبر مفاده: هل يكفي ذلك الحجم من التغيير؟
فالمقالة المنشورة بتاريخ 28/4/2016، عُنونت بالتالي: “هل تغيرت طريقة التدريس الجامعي للاقتصاد بشكل كاف؟!”. في السياق أعادت الغارديان التذكير بأن (التدريس الجامعي للاقتصاد تعرض لضربات موجعة بعد الأزمة شملت وبحالة نادرة انتقادات جوهرية لكل التخصصات) وذلك بعد فشله على الأقل بالتنبؤ بتلك الأزمة وعدم القدرة على شرح آليات ومخاطر الاقتصاد المعاصر، وهو ما دفع مجموعات من الطلاب الساخطين للمطالبة بتغيير هيمنة «النظريات النيوليبرالية» وأحاديتها القطبية وتعزيز التنوع في تدريس النظريات الاقتصادية في المراحل الجامعية، وذلك وفق توضيحات الصحيفة.
مبادرة الطلاب الساخطين!
واحدة من أهم نتائج المطالبات بالتغيير وجدت طريقها إلى النور عبر (جمعية اقتصاد ما بعد الصدمة، Post-Crush Economics Society) في جامعة مانشستر البريطانية والتي تم تغطية انتخاباتها بشكل أكبر مؤخراً، في حين تعمل شبكة (Rethinking Economics) على ربط الطلاب من أصحاب وجهات النظر المتقاربة داخل المملكة البريطانية، وكلا التجمعين على تواصل مع “المبادرة الدولية للتعددية في علم الاقتصاد».
لم تتوقف محاولات إيجاد أدوات ضغط على المؤسسات الأكاديمية عند الدور الطلابي فقط، بل ترافقت بدور هام لبعض الأكاديميين الاقتصاديين وعلى رأسهم «روبيرت سكيدلسكي»، وهو اقتصادي كينزي وعضو مجلس اللوردات البريطاني عن حزب المحافظين قبل خروجه من الحزب، بالإضافة إلى الاقتصادي «ها جون شانغ» المدرس في جامعة كامبيردج والذين شكّلوا مع الحركة الطلابية مجموعة «”Reteaching Economics.
تاريخ الاقتصاد يرى النور!
الصحيفة نقلت عن عدد من الأكاديمين البريطانيين تأكيدهم أنه تم إضافة عدد من المقررات التدريسية في سنوات التعليم الجامعي أبرزها تاريخ الأفكار الاقتصادية والذي يعطي الطلاب رؤية عن الاقتصاد خلال مراحل زمنية طويلة ويساعد على فهم سياق الاقتصاد الدولي وفق تعبير المحاضر في جامعة (Qeen’s University Belfast)، وكذلك أضيف مقرر جديد في جامعة لندن يعالج مسائل النمو الاقتصادي من منظور تاريخي.
إن ما عرضته الغارديان يوضح أن الأزمة الرأسمالية المندلعة في عام 2008 والمستمرة حتى اليوم بتفاعلاتها المختلفة، هي ليست واحدة من أهم ثوابت التحليل الاقتصادي والسياسي خلال الأعوام الثمانية الماضية، بل هي محدد لتطور المجتمع البشري بشكل رئيسي، وهو ما لم يعد ممكناً إغفاله، فإعادة النظر بالجانب العلمي الأكاديمي المهيمن سابقاً والذي أصيب بهزة ولا يزال يعرج في محاولات لإيجاد بدائل علمية يشكل نقطة مفصلية في مرحلة الأزمة الرأسمالية والتي ستحدد ما بعدها.
من الجدير ذكره في هذا السياق أن ملف هيمنة الطروحات النيولبرالية على المؤسسات الأكاديمية وتحديداً في كليات الاقتصاد هو ظاهرة شملت أنحاء العالم كلها، وكانت قاسيون قد سلطت الضوء على ضرورة مواجهة تلك الظاهرة التي ضربت الجامعات السورية وعلى رأسها جامعة دمشق- كلية الاقتصاد في مطلع القرن الواحد والعشرين والتي واجهتها جريدة قاسيون بالمطالبة بإعادة النظر في مناهج كلية الاقتصاد، ولمزيد من الاطلاع يمكن العودة للاستطلاع الذي أجرته قاسيون المنشور في 14 حيزران 2015 في العدد 710، تحت عنوان (كلية الاقتصاد أولى ضحايا اقتصاد السوق الاجتماعي ترفض أيديولوجيته).