النمو الاقتصادي الأزمة تطرق باب الشرق المنتج..
تَصْدُر دورياً في بداية كل عام، مجموعة من التقارير الدولية عن منظمات ومؤسسات دولية كبرى، التي تقرأ واقع الاقتصاد العالمي خلال عام منصرم، لتعلن الأرقام وترسم توجهات اقتصادية وسياسات، لهذه الأرقام دلالات قد لا ترصدها التقارير وقد تعكس هذه الارقام نتائج غير دقيقة كونها تعتمد منهجية إحصائية محددة، إلا أن للسياسات الموجهة دولياً قراءات تعكس استجابة مراكز النظام الاقتصادي العالمي للأزمة العميقة التي تعصف به..
محرر الشؤون الاقتصادية
ترصد «قاسيون» أهم التقارير الاقتصادية الدولية الصادرة عن عام 2015، و سنستعرض في هذا العدد، خلاصات أهم الأرقام والتوقعات، مع قراءة لدلالاتها، لنذهب في أعداد لاحقة إلى تفاصيل الأرقام الأخرى، وأهم التوصيات السياسية التي تذهب إليها هذه التقارير، وأهمها تقرير الأمم المتحدة السنوي للتجارة والتنمية لعام 2015، وتقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي لعام 2015.
الأزمة مستمرة..
والنمو ما زال تحت الحد السابق!
ما تزال أرقام النمو العالمية النهائية لعام 2015، غير مؤكدة، إلا أن توقعاتها أصبحت أكثر موثوقية، وهي تشير إلى أن الاقتصاد العالمي ما يزال يرزح تحت أزمة النمو، التي كشفتها الأزمة المالية المنفجرة في عام 2008-2009، ومعيار ذلك أن متوسطات النمو العالمية بعد «الانفجار المالي»، ما تزال أقل من الوسطي العالمي للنمو في مرحلة ما قبل الأزمة المالية والذي بلغ 4% في عام 2007.
فتوقعات النمو العالمي لعام 2015 قد نمت بمعدل وسطي 2.5%، محافظة على معدل نمو العام الماضي 2014.
يسجل عام 2015 تغيرات هامة، تدل على تعمق الأزمة، رغم محاولات التحكم بها، من قبل القوى المالية الكبرى المهيمنة على الاقتصاد العالمي، تلك المحاولات التي تظهر آثارها المؤقتة في هذا العام.
أزمة مالية- تجارة الدولية- اقتصاد الحقيقي
إذا ما عدنا إلى مسيرة 7-8 سنوات ماضية، نستطيع أن نرصد التتابع التالي، فالأزمة التي هزت القطاعات المالية في الدول المتقدمة منذ 2008 أدت إلى نكسات عالمية للنمو الاقتصادي بمجمله في دول العالم كافة ليبلغ معدل النمو -2.1% عام 2009، إلا أنها عادت لتنعكس تحسناً سريعاً في عام 2010 مع خطط الإسعاف المالي الكبرى، التي غطت معالم الانهيار، ليشهد عام 2010 نمواً اقتصادياً عالمياً بمقدار 4.1%، أي أعلى من معدل 2007، إلا أن هذا الرقم ما لبث أن كشف عن وهَنِه، بالانتقال التدريجي للأزمة المتعمقة من موضع إلى آخر خلال الأعوام اللاحقة مباشرة، فكان تراجع التجارة الدولية إجمالاً، وتحديداً في الدول المتقدمة أبرز المعالم، حيث شهد نمو التجارة العالمية أدنى معدل له في عام 2012 لتنمو بمقدار 2% فقط، بينما في مجموعة الدول المتقدمة تراجعت الواردات بمقدار -0,4%، ونمت الصادرات بمعدل طفيف 0,2% فقط، بينما كانت تجارة الدول النامية والصاعدة أفضل نمواً بمقدار 4%.
استمر الاتجاه المتراجع للمعدلات العالمية للنمو والتجارة الدولية في عامي 2013-2014، إلا أن عام 2015 شهد مؤشرات تدل بوضوح على انتقال الأزمة إلى أزمة اقتصادية عميقة، بدليل وصولها إلى مواضع إنتاج الثروة الحقيقية، أي إلى القطاعات الحقيقية، فتراجعت معدلات النمو في آسيا ككل، وهي التي تعتبر القارة الأكثر ديناميكية، وقيادة للنمو الاقتصادي، ولا يقتصر الأمر على الصين التي خسرت نصف نقطة بالمقارنة بـ 2014، بل يتعداها إلى مجموعة من الدول التي كانت تسرع من وتيرة النمو، كروسيا، والبرازيل، والشكل المرفق يشير إلى تغيرات النمو بين 2007، و 2015 لأهم مناطق العالم.
2,5 للنمو العالمي.. 1,9 للمتقدمة
لم تستطع أي من مناطق العالم أن تعود إلى النمو بالمعدلات ذاتها التي كانت تنمو فيها قبل الأزمة المالية العالمية في عام 2008.
أعلى معدلات النمو في الدول المتقدمة، سجلت هذا العام في الولايات المتحدة، وبريطانيا بمعدل نمو بين 2- 2.3%، بينما معدل النمو في دول منطقة اليورو 1.5%، متحسناً عن معدل نمو 2014 الذي بلغ 0.3%، أما اليابان فتنمو بمعدل تتباين تقديراته بين تقرير الأمم المتحدة، وتقرير صندوق النقد ليتراوح بين 0.9-1,5%.
المنطقة ذات المعدل السالب
الدول المتحولة، وهي مجموعة دول أوروبا الشرقية، وروسيا وجورجيا، شهدت تراجعاً في النمو، وفي مقدمتها روسيا التي تراجع نموها بنسبة -3.5% مع أزمة النفط، بينما يتوقع الصندوق أن ينخفض معدل نمو روسيا في 2015 إلى -4,1%.
جنوب وشرق آسيا.. الهند مكان الصين
جنوب آسيا أعلى مناطق العالم نمواً، بنسبة 6.7%، تقودها الهند التي لديها أعلى معدل نمو لعام 2015 والبالغ: 7.5%، وتعتبر الهند الدولة الوحيدة من بين الدول الصاعدة الكبرى التي شهدت زيادة في معدل النمو في عام 2015 عن عام 2014.
النمو الوسطي في شرق آسيا بلغ في 2015: 5.7%، بعدما تراجع نمو الصين إلى 6,9%، وهي التي نمت في عام 2014 بمقدار: 7,4%، أي أن الهند احتلت في عام 2015 موقع الدولة الأعلى نمواً عالمياً، متقدمة على الصين التي أخذت هذا الموقع في العام الماضي.
ما تزال الهند والصين بعيدتان عن مستويات نموها قبل الأزمة،حين كانت الهند تنمو بمعدل 10.1%، والصين بمعدل 14.2% في عام 2007.
تراجع البرازيل ومجمل أميركا اللاتينية
منطقة أميركا اللاتينية والكاريبي، شهدت تراجعاً في معدل نموها في هذا العام إلى 0.8%، وهي المنطقة التي استطاعت بعد الأزمة مباشرة أن تحقق معدلات نمو مرتفعة، في عام 2010، بمعدل 5,8%. البرازيل وصلت إلى معدل نمو 7.6% في 2010، ولكنها بدأت بالتراجع، وصولاً إلى -1.5% في العام الحالي.