«الغرب» يؤجل أزماته.. منتظراً «ريع الدمار» !
يسجل عام 2015 تغيرات في أرقام النمو الاقتصادي العالمي بعضها ذو دلالة عميقة، والآخر راهن ومرتبط بالتكتيك المتبع في التعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية.
إنخفاض النمو في الدول الصاعدة الكبرى، مثل الصين مقارنة بأرقامه العالية في أعوام سابقة، والتي تعد «مصنع العالم» أصبح اتجاهاً عاماً لن يتم تعويضه بسرعة، وبالطرق التقليدية للعلاج الرأسمالي للأزمات، وهو يدل على أن الأزمة انتقلت إلى الطور الاقتصادي العميق، الذي يجر وراءه تراجعاً في المؤشرات كافة.
أما التقدم الطفيف الذي سجلته الدول المتقدمة في عام 2015، فهو تحسن بسيط مقارنة مع أسوأ سنوات ركودها في النصف الثاني منذ النصف القرن العشرين، ومع ذلك لن يكون اتجاهاً عاماً، فهو لا يتعدى «مكاسب من الأزمات المفتعلة»، تحديداً حرب العملات، وتراجع أسعار النفط، والتي حققت خسارات سريعة لبعض الدول مثل روسيا، والبرازيل التي تراجع نموها بنسبة تصل إلى -4، -1.5% على التوالي، كما الصين التي خسرت نصف نقطة في نموها مقارنة بـ 2014. ومجمل ما سبق من أزمات بعضها موضوعي والآخر سياسي، انعكست تحسناً في مؤشرات منظومة الغرب، التي استفادت من النفط الرخيص، وحسنت صادراتها البينية، بين أوروبا والولايات المتحدة، واستفادت من رؤوس الأموال الخارجة من روسيا ومن الصين خلال اضطرابات 2015 المالية في كلتا الدولتين، وحققت زيادة في نموها إلا أنها لم تتعد 0.3% عن نمو 2014.
إلا أن هذا (التحسن) النسبي لمنظومة الغرب، لا يملك أي ركائز استمرار للعام القادم وذلك لجانبين: الأول هو التوقعات بتفجر موجة جديدة من الأزمة المالية في البنوك الكبرى مثل «دوتشيه بنك»، وعودة التوقعات بتفاقم أزمة أوروبا المالية، وصولاً إلى صعوبة استمرار الاتحاد الأوروبي، وسط أزمة الديون التي لم ولن تجد حلاً لها، مع سياسات دفع الدين للأمام، وتوسيعه، وفرض التقشف لحماية البنوك.
وفي السياسات يكمن السبب الثاني في وهن تقدم النمو في الدول المتقدمة، فدول الشرق والجنوب الصاعدة، وتحديداً في آسيا تضع قواعد سياسية جدية، للإحاطة بمفاعيل الأزمة الاقتصادية العالمية، لتوسع الطلب الداخلي، ما قد يوسع «الحصانة والعزل النسبي» عن اقتصاد العالم المضطرب، حيث تجاوز تأثير الاستهلاك الداخلي في هذا العام تأثير الصادرات في النمو الصيني، كما يتم بناء منظومة استثمارية مالية بديلة في آسيا، والبريكس، متمثلة ببنك التنمية والبنى التحتية الآسيوي وغيره، ومنظومة تجارية تعاونية تتضح في مشروع الطريق والحزام، والمشروع الأوراسي.
أما الغرب فيتبنى خياراً اقتصادياً سياسياً وحيداً حتى اليوم، وهو إعاقة تقدم الآخرين عبر التأخير بل والتدمير، وهو ما يفسر التصعيد المتزايد في بحر الصين الجنوبي والعقوبات على روسيا، وغيرها، هذه السياسة هي «بارقة الأمل»، التي يؤجل على أساسها الغرب حل أزماته المستعصية مثل الديون الحكومية الأمريكية والأوربية واليابانية، هذه الأزمات التي تدار بسياسة زيادة الدين وتوسيعه، إلى أن يأتي «الحل العسكري الخارجي» بنتائج، ويأتي «ريع الدمار» من الشرق! إلا أن هذا الخيار يواجه قوى عسكرية هامة في روسيا والصين تحديداً، تفرض السلم بقبضة من حديد، ما يجعل أفق منظومة الدمار الرأسمالية مغلقة، وأفق البدائل مشرعاً للانفتاح.