الوزير يقيّم المؤسسات الصناعية.. فمن يقيّم الوزارة؟!

الوزير يقيّم المؤسسات الصناعية.. فمن يقيّم الوزارة؟!

عقد وزير الصناعة خلال الأيام العشرة الماضية، سلسلة اجتماعات مع مدراء المؤسسات الصناعية العامة السورية، ومدراء الشركات والمعامل العامة، وامتلأت الصحف المحلية بأخبار جلسات تقييم أعمال المؤسسات، بعناوين من نوع: (وزير الصناعة ينبه، يحذر، يهدد بالإقالة، وصولاً إلى يقيل)!

فهو في اجتماعه بالصناعات الهندسية، التي تضم الكابلات والإنشاءات وسيرونيكس وبردى والصناعات التحويلية -كنار- وغيرها من المعامل والشركات، أدان أغلب الإدارات، إما بعدم النشاط وضعف المبادرة، أو بالتقصير بمسألة معينة، حتى أنه أمهل إدارة سيرونيكس 3 شهور، فإما تحسين العمل أو تغيير الإدارة.
المشاكل الكبرى ليست على الطاولة!
أما المسائل التي وضعت على طاولة الوزير، سابقاً وفي الاجتماع المذكور، لا تزال (دوارة)، مثل عدم توفر العمالة الفنية والكوادر التقنية المطلوبة، وهي المشكلة المشتركة لمختلف الشركات، والتي تعاني منها بشدة الإنشاءات المعدنية، التابعة للمؤسسة، بالإضافة إلى مسألة الخسارات الناتجة عن التعطل الكهربائي كما في الكابلات التي دفعت لكهرباء ريف دمشق لتوصل خطاً ساخناً لم يصل!، وما يتعلق بتأمين مستلزمات العمل، وتحديداً المستوردة منها، والتي تحتاج إلى مبادرة التجار، أو مبادرة الحكومة وأموالها، والتي عطلت شركة بردى لمدة تقارب عامين، بانتظار المتعهدين الذين يقبلون بشراء القوالب لتقلع الشركة بالعمل، والتي تجعل شركة سيرونيكس تنتظر العروض الفنية لشركات الخبرة الخاصة، لتقوم بالعمل في مجال تصنيع العدادات، شركة حديد حماة، التي توقف عملها قبل أن تقوم شركة هندية تم التعاقد معها قبل الأزمة بتجديد معمل الصهر، ولا تزال إلى اليوم تنتظر عودة الشركة المذكورة لتقلع بالعمل!.
نقص التمويل والتداخلات المالية
إن المشكلة العامة للشركات، وهي ضعف التمويل، والإنفاق الحكومي الصناعي، ما يجعل تأمين مستلزمات العقود الموقعة أمراً غاية في التعقيد، ويلغي بالتالي تنفيذ العقود ويؤخرها، فالإنشاءات المعدنية، تحتاج إلى استعادة جزء من آلاتها ومعداتها الكبرى الموجودة في معملها المدمر في منطقة القدم، لتقوم بإنجاز سخانات الطاقة الشمسية بالشكل المطلوب، أو تحتاج إلى تأمين حكومي لهذه الآلات البديلة، أو توفير السيولة التي تنقص شركة بردى على سبيل المثال نتيجة التداخلات المالية بين المؤسسات الحكومية، التي يمكن حلها بمقاصة مالية، كديون مؤسسة سندس على بردى، وديون بردى للآخرين مثل المصرف التجاري، والتي تعيق تأمين الملاءة المالية، وتحملها خسائر ناتجة عن فساد منظم سابق في الشركة، انتهاءً بالشركات التي كانت في المناطق الساخنة، والتي تحتاج إلى إعانات مالية مباشرة لتقلع في العمل، كما في كابلات حلب، التي طلبت 200 مليون ليرة، كحد أدنى لإعادة تأهيل صالة الشركة فقط كحل إسعافي، بينما حصلت على 40 مليون ليرة فقط، في موافقة وزارة المالية، على طلب وزارة الصناعة.
الكيميائية والغذائية:
إنفاق وإنتاج غير متناسبين
أما في تقييم كل من الصناعات الكيميائية، والغذائية فقد استخدمت الأرقام، حيث قارن الوزير بين تنفيذ الخطة الإنتاجية، وبين تنفيذ خطة الإنفاق على المستلزمات في عدة شركات، ليعتبر بان نسب أعلى للإنفاق، مقابل نسب أدنى للإنتاج، يعني عملياً، وجود هدر في الإنفاق، كما في شركة الأسمدة، وهي شبه متوقفة، التي أحيل إنفاقها على الوقود والزيوت البالغ 1,2 مليار ليرة خلال العام الماضي، إلى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، وكذلك الامر في الدهانات، وكذلك في مجمل تقرير المؤسسة العامة للصناعات الغذائية، الذي أشار إلى عدم استخدام موجوداتها بالطريقة الكافية، وطالب بمجموعة من دراسات الجدوى لخط كونسروة جديد في دمشق، ومعمل معكرونة، رافضاً مقترحات دون الجدوى مثل مقترح شركة بصل السلمية لإنتاج الفلافل.
الإعلام ينتظر توقيع الصناعة..
تعتبر اجتماعات تقييم وزارة الصناعة لعمل المؤسسات الصناعية ككل إيجابية، وتحديداً الإنطلاق من تقييم الإدارات واستخدام الأرقام والتوازنات بين الإنتاج والتكاليف المعيارية، التي تشي بالهدر، والفساد، لكن هل تم تقييم عمل وزارة الصناعة ككل؟ أو قياس لمستوى مسؤوليتها عن مجمل أداء القطاع العام الصناعي؟
حيث تشير الزيارات للمعامل إلى أن العراقيل الكبرى والتي لا يمكن حلها من الشركات أو المعامل، هي عقبة موضوعية تجاه الإقلاع الجدي بالعمل، وهو الذي يعتبر الشرط الموضوعي للفعالية وتخفيض الهدر الموجود بجدية على مستوى الإدارات. فالمشاكل الكبرى في الصناعة العامة هي الكهرباء وخسائرها وكلفها المرتفعة، وغياب الحلول المرنة، والإنفاق الضروري لحلها هذا أولاً، بالإضافة إلى الموازنة الاستثمارية الإنتاجية التقشفية، التي تجعل عمل الشركات بالحدود الدنيا، وصولاً إلى مشكلة العمال والفنيين الضروريين، مع استمرار استنزافهم وتوقف العمل وإنتاجيته عليهم، انتهاءً بطريقة تأمين المستلزمات التي (تنفض الحكومة) يدها منها، وتتركها للتوافقات بين الشركات والتجار والمتعهدين، والتي تجعل العمل الصناعي، ينتظر مبادرتهم!.
أن تنقل وسائل الإعلام كلام الاجتماعات، يختلف عن سماع الشركات كلاً على حدة، لأن ذلك يعني تحديد الدور السلبي الحاسم في مزيد من التراجع لما تبقى من الصناعة العامة: هل يتركز في الخطة الحكومية التقشفية، والتي تحيل حل المشاكل الكبرى مثل الكهرباء الصناعية، والعمالة، وتأمين المستلزمات؟ أم أن تقصير وهدر الإدارات وضعف مبادرتها هو الحاسم؟.. وبناء عليه ربما ينبغي أن تجيب وزارة الصناعة عن السبب الذي يجعلها تعرقل وصول الصحفيين إلى المعامل والشركات، وتربط المسألة بموافقات الإدارة المركزية، تلك الموافقات التي تتطلب (تلاً من التوقيعات المؤجلة)..

 

آخر تعديل على السبت, 27 شباط/فبراير 2016 13:54