استمرار تمركز الثروة في (الشمال) على حساب (الجنوب)!
قال تقرير الثروة العالمية لعام 2015، الصادر عن بنك (كريدي سويس)، أن إجمالي ثروات الأسر على الصعيد العالمي، والتي بلغت في عام 2015، حوالي 250 ترليون تراجع بمعدل 4,7% عما سبقه، منخفضة بمقدار 12,4 ترليون دولار، من (263 ترليون دولار عام 2014)، وأكد التقرير أنه ورغم زيادة الثروة في كل من الولايات المتحدة والصين، إلا أن الثروة العالمية انخفضت نتيجة تراجع قيمة الثروات المقيمة بالعملات المحلية مقابل الدولار.
قاسيون ستضيء في هذه التغطية على أبرز جوانب هذا التقرير، والذي جاء في 65 صفحة وأعده البنك السويسري، حيث شمل التقرير بيانات عن اتجاهات تمركز ثروات الأسر، وثروات الأفراد، وتوزعها بين الدول والقارات والشرائح المختلفة.
أثر الدولار يكسب الولايات المتحدة
فيما لو اعتمدنا على أساس أسعار صرف ثابتة لأعوام سابقة، فإن التقرير يبين نمو الثروة في عام 2015عما سبقه في كل من أمريكا الشمالية، حيث زادت الثروة بأكثر من 5 ترليون دولار)، وأوربا حوالي 4 ترليون، وهما الأعلى، بينما حلت منطقة (آسيا والمحيط الهادي) ثالثاُ، ثم الصين، فأمريكا اللاتينية، فالهند، وأخيراً أفريقيا.
أما باعتماد الأسعار الجارية، فسنجد أن نمو الثروة اقتصر على أمريكا الشمالية بمعدل (4,4% مما كانت عليه، أي ما يعادل 3,8 ترليون دولار)، والصين بمعدّل (7% مما كانت عليه، أي ما يعادل 1,4 ترليون دولار)، بينما انخفضت الثروة في أوربا بمعدل 12% نتيجة انخفاض قيمة اليورو (حوالي 10,6 ترليون دولار) وفق الأسعار الجارية.
كما أوضح التقرير أن التراجع في قيمة الثروات المالية بلغ 3,3% فقط في حين بلغ التراجع في الثروات غير المالية 6,6% ما أسهم في زيادة ظاهرة اللامساواة وفق ما أكد التقرير.
أوربا وأمريكا الشمالية 68% من الثروة العالمية!
وفيما لو أخذنا البعد السكاني في تقييم حجم الثروات سنلحظ مستويات اللامساواة على الصعيد العالمي بين ما يعرف بدول الشمال الغني ودول الجنوب الفقير، حيث يوضح التقرير أن عدد السكان البالغين، في أوربا وأمريكا الشمالية مجتمعتين يمثل 18% من السكان البالغين في العالم، بينما تستحوذ هاتين القارتين على 68% من الثروة العالمية. فيما بلغت حصة الصين من الثروة العالمية 9% فقط رغم أن سكانها البالغين يشكلون21% من سكان العالم، أما بالنسبة للهند وإفريقيا فإن حصتهم من السكان البالغين في العالم تعادل 10 مرات حصتهم من الثروة العالمية. وإجمالاً بلغت حصة كل من الصين والهند وأمريكا اللاتينية وإفريقيا حوالي 14% من الثروة العالمية فقط، رغم أنهم يشكلون حوالي 60% من سكان العالم!
10% الأغنى يحوزون حوالي 90% من الثروة
في عام 2015 بلغت حصة الـ 1% الأغنى في العالم حوالي 48,9% من إجمالي الثروة العالمي، أما حصة الـ 5% الأغنى فهي تشكل 76,6% من الثروة العالمية أما حصة الـ 10% الأغنى فقد بلغت 87,7%. والجدير بالذكر أن الاتجاه العام لنمو حصة هذه الفئات آخذ بالارتفاع، بعد انخفاضات مؤقتة في فترة إنفجار الأزمة الرأسمالية في 2008، حيث أكد التقرير أنه: (من الصحيح أن عام 2015 شهد انخفاضاً في أعداد أشد الأغنياء (HNWI)* لأول مرة منذ عام 2008، إلا أن حصتهم من الثروة مستمرة بالارتفاع رغم الانتكاسة التي أصابتهم في عام 2008).
71% من سكان العالم لهم 3% من الثروة!
يبين الشكل (1) توزع الثروة بين سكان العالم وفق أربع شرائح مختلفة على أساس حصة كل شريحة من الثروة وهي موزعة على الشكل التالي:
الشريحة الأولى وهي أسفل الهرم، والتي يحوز كل فرد من أفرادها 10 آلاف دولار أو أقل من الثروة، ويظهر التقرير أن هؤلاء يشكلون 71% (3,4 مليار شخص) من عدد سكان العالم، إلا أن مجموع ما يحوزوه من الثروة لا يشكل أكثر من 3% من إجمالي الثروة العالمية وهو ما يقدر بـ (3 ترليون دولار) فقط!
الشريحة الثانية وهي التي يحوز كل فرد من أفرادها على ثروة تترواح بين (10-100) ألف دولار. وهؤلاء يشكلون حوالي 21% (حوالي 1 مليار نسمة) من إجمالي عدد سكان العالم، وهؤلاء مجمتمعون يحوزون 12,5% من الثروة العالمية أي ما يعادل (31,3 ترليون دولار) فقط.
الشريحة الثالثة يحوز كل فرد من أفرادها على ثروة تترواح بين (100 ألف- مليون) دولار، ويشكلون 7,4% فقط (349 مليون نسمة) من عدد سكان العالم ويحوزون على 39% من الثروة العالمية ما يعادل (98,5 ترليون دولار).
الشريحة الرابعة وهي أعلى هرم الثروة، والتي يحوز كل فرد من أفرادها على مليون دولار وما فوق، فهم يشكلون (0,7%) فقط، أي (34 مليون نسمة) من عدد سكان العالم فهم يحوزون على (45,2% من الثروة)، أي ما يعادل 112,9 ترليون دولار.
نصف مليونيرية العالم للولايات المتحدة!
كما بين التقرير أن عدد أولئك الذين يحوزون أكثر من مليون دولار إنخفض إلى 33,7 مليون شخص في عام 2015 بعد أن كانوا حوالي 36 مليون شخص في عام 2014، كما لاحظ التقرير أن هذا الانخفاض انعكس على بلدان معينة بانخفاض عدد (مليونيريها) كاليابان وفرنسا أبرز الخاسرين (681 و631 ألف مليونير على الترتيب لكل منهما)، أما أبرز المليونيرية الجدد فقد كسبتهم الولايات المتحدة (903 آلاف شخص)، ثم المملكة المتحدة (68 ألف)، فالصين (152) ثم هونكونغ (6 آلاف شخص).
وفي الشكل (2) تبيان لتوزع المليونرية بين الدول العالم، حيث يظهر الشكل أن الولايات المتحدة وحدها تحوز على 46% من هؤلاء في عام 2015 بعد أن كانت حصتها 41% منهم في 2014!.
هوامش:
(HNWI)*:High Net Worth Individual، أي الأفراد ذوو صافٍ للثروات العالية، وهم من يحوزون على ثروات تفوق المليون دولار بعد طرح ديونهم منها.
خلاصة:
يعكس توزيع الثروة على المستوى العالمي واحدة من أبرز أزمات الرأسمالية في مرحلة الإمبريالية، فالتمركز لا يزال يكرس دول الشمال (أوربا وامريكا الشمالية واليابان) كأبرز محتكري الثروة العالمية على حساب دول الجنوب، علماً أن الميل العام لإنتاج هذه الثروة ينزاح تدريجياً إلى دول الجنوب.
وإن أبرز الأمثلة الفاقعة هو حال دول البريكس الذين باتوا يمثلون أكثر من ثلث الناتج الإجمالي العالمي إلا أن حصتهم في مليونرية العالم لا يكاد يُلحظ، وذلك رغم ولوج الصين لعالم الأثرياء باستحواذها على 4% من أغنياء العالم و9% من الثروة العالمية، وبمعدلات نمو ثروتها العالية التي بلغت 5% بين (2000-2015)، إلا أن حصة كل من الصين والهند وأمريكا اللاتينية وإفريقيا مجتمعين 14% فقط من الثروة العالمية وهم يشكلون حوالي 60% من سكان العالم.
كما أن السمة الأبرز هي اشتداد ذلك التمركز على صعيد المليكات الفردية وذلك باتساع حصة الـ1% من الثروة رغم إنخفاض عددهم.