ح.م ح.م

الانفتاح الاقتصادي أحال المنتج الوطني إلى التقاعد المبكر!! العقوبات فرصة أخيرة لإعادة الاعتبار للإنتاج الوطني.. فهل سنحسن استغلالها؟!

 تركت سنوات الانفتاح الاقتصادي الماضية خلفها صناعة وطنية هزيلة غير قادرة على المنافسة المتكافئة، وهذا ما جعل من سورية معبراً مريحاً للبضاعة الأجنبية، لأن تحرير الاقتصاد قبل تمكين الصناعة قد أضر بالمنتج الوطني، وأخرجه من سوقه الطبيعية، وميزان التبادل التجاري مع تركيا ومصر وغيرها من الدول خير شاهد بالتأكيد، فبضاعتهم غزت أسواقنا بزمن قياسي، ليبقى ميزاننا التجاري معهم خاسراً، ولكن، ولسخرية القدر، ما أتى بقرار حكومي في السابق، وأضر بالصناعة الوطنية، جاءت اليوم عقوبات اقتصادية خارجية، لتعطل كل شراكاتنا وانفتاحنا الاقتصادي السابق مع العديد من الكتل الاقتصادية، وهذا ليس بالأمر السلبي بالمطلق على الاقتصاد الوطني، فـ«رب ضارة نافعة»، لأن خلفنا صناعة وطنية يجب إعادة الاعتبار لها، ولكن إذا ما أحسن السوريون استغلال العقوبات الحالية لتفعيل طاقاتهم وثرواتهم الداخلية، وبناء الهوية المتميزة والمنافسة لمنتجهم الوطني..

 

 

 امتحان

العقوبات الاقتصادية بقدر ما هي مضرة بالاقتصاد، فإنها ستشكل فرصة مؤاتية لاستغلال طاقاتنا الاقتصادية الداخلية، فنحن أمام واقع اقتصادي جديد، سيفرض انسياباً محدوداً للسلع الأجنبية القادمة للسوق الداخلية كماً ونوعاً، وهذا سيضع على كاهل صناعتنا الوطنية أعباء تأمين حاجات السوق المحلية بالدرجة الأولى، وتحسين وتطوير إنتاجها لاختراق أسواق عالمية بالدرجة الثانية في المستقبل القريب، فالمنتج المنافس يخترق أية عقوبات مفروضة، فالاستفادة الإيجابية من العقوبات الحالية أمر لا مفر منه، إذا ما أردنا بناء اقتصاد وطني متين انطلاقاً من إمكاناته الذاتية.

 

فرصة ضائعة

دول عديدة سبقتنا إلى حصار مشابه من دول العالم، ولكن تجارب بعضهم كانت نموذجاً يمكن الاستفادة منه، فالاتحاد السوفييتي نشأ بعد الحرب العالمية الأولى، والحصار الأوروبي الحديدي كان مفروضاً عليه،  وكانت الغاية خنقه، ولكنه، وبعد عشرين عاماً فقط انتقل الاتحاد السوفييتي من بلد زراعي إلى دولة صناعية يحسب حسابها، وكذلك هو حال النموذج الإيراني، الذي تجاوز العقوبات ببناء دولة صناعية، فحسب المثل الشعبي «الضربة يلي ما بتقتلك بتقويك»، وهكذا كان حال هذين النموذجين مع العقوبات، وبالنسبة لنا فالفرصة الحالية مؤاتية بالتجربة لتحسين الصناعة والمنتج الوطني، ولكن المشككين بالقدرة على الاستفادة من هذه الفرصة كثر، ولهم أسبابهم ومبرراتهم في إدعائهم هذا..

 

آمال

أخرجت سنوات الانفتاح الاقتصادي صناعات وطنية بالجملة من السوق السورية، لوضعها في ظروف منافسة غير متكافئة مع منتج وافد إلى أسواقنا على «صهوة» الاتفاقيات الثنائية، ومعاهدات التبادل التجاري الحرة، لتحيل إنتاجنا الوطني إلى التقاعد المبكر، وهذا لم يكن من محض اختياره، بل أجبرته على الاستسلام لهذا الواقع، فمن صناعة النسيج التي أغلقت 30% من ورشاتها ومصانعها الصغيرة في سنوات الانفتاح القليلة الماضية، لتخسر بسببها الأسواق الخارجية أيضاً، مروراً بصناعة الموبيليا التي يشتهر بها ريف دمشق، فبلدات عدة امتهنت العمل به، إلا أن الاستيراد أغلق عشرات الورش في سقبا، وحمورية، وغيرها من البلدات السورية، والتي غزاها المنتج التركي في عقر دارها، وصولاً للأدوات الكهربائية التي ملأت أسواقنا بأنواعها ومنشئها، فقائمة صناعتنا المتضررة تقول، ونحن لسنا هنا بصدد البكاء على أطلال صناعتنا الوطنية، بل إننا من المتأملين أن تعيد العقوبات الاقتصادية الحالية صناعاتنا الوطنية الناشئة إلى مكانها الطبيعي، وهي السوق المحلية، على أن تستعيد صناعتنا الوطنية أسواقها التاريخية الخارجية الضائعة، والتي حرمتها منها اتفاقيات التجارة الحرة، وقرارات الانفتاح الاقتصادي، فالعقوبات فرصة تاريخية لإعادة ترتيب أولوياتنا ..

■■