معايير الفقر السوري
لأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة كما يقول محمود درويش يحق لنا أن نحصي الفقراء في بلدي، ولأنهم من تتغنى بنصرتهم الوزارات، والبحث عنهم من أجل مد يد العون لهم تقدم لهم المعونات،وتحصيهم اللجان، تصيب قليلاً وتتجاوزهم كثيراً.. هذا ليس بشعر أو تهيؤات، بل إنها اعترافات وزارة العمل، وبلسان وزيرها رضوان الحبيب عن كم الأخطاء الهائل، وعدد الشكاوى المرعب.
وفي كل مرة وبعد توزيع الدفعات المالية على غير المستحقين، والمارقين بما استطاعوا من آلاف الليرات في جيوبهم الجشعة، لا بد من تصريح جديد لوزير العمل ينقل المعونة إلى اتجاه جديد،وخيارات جديدة في رحلة البحث عن المستحقين، والدفاتر القديمة التي لم تجد نفعاً عندما قدمت على أنها إنقاذ للفقراء، وشد لأزرهم كدعم المشاريع الصغيرة، وتوزيع الدجاج على الفلاحين، وماكيناتالخياطة على سيدات الأرياف، ودورات الغزل، وشك الخرز.
الوزير الحبيب يتحدث الآن عن عدم العدل في معايير المعونة الاجتماعية، وأنه تم توقيف الدفعة الثالثة منها بهدف وضع معايير جديدة للمستحقين، بحيث تستهدف الفئات الأشد فقراً، ولتصل المعونةالاجتماعية للمستحق، وأن المعايير القديمة مجرد كلام، وهي التي كلفت الدولة مليارات الليرات، ومئات التصريحات الصحفية للوزيرة السابقة التي أنكرت على السوريين فقرهم، وأنه لم يكن هناكتحقق ميداني عادل بين المحتاجين لهذه المعونة.
الوزير الحبيب يذهب إلى أبعد من فكرة المعونة عندما يتحدث عن عدم ربطها بالتنمية الاجتماعية، وأن اشتراطات أن يكون المستفيد غير موظف، وليس أمياً، وليس لديه طفل متسرب من المدرسةغايتها التمكين وليس دفع المال.
كما أن السيد الوزير ضد الدفع المالي، لأن المبالغ المدفوعة لم تحقق شيئاً، ولم تترك أثراً كهدف اجتماعي، ولهذا لا بد من عملية التمكين ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال استهدافجغرافي للمناطق المتأثرة، كالمناطق الشمالية الشرقية، ومنطقة ريف جنوب حلب، فهذه المناطق فقيرة ويجب أن تستهدف بـ12 إلى 13 مليار ليرة بمشاريع يتم تقسيمها على هذه المناطق.
الوزير الحبيب يعرف إذاً من هم الفقراء، وأين يتواجدون ويتكاثرون مع فقرهم، ويدرك تماماً حجم الرقم الذي يجب أن يوزع على هؤلاء المنتشرين حول جوعهم، ونضيف إليهم مناطق توزع مهجريالفقر والتصحر في ريف دمشق ودرعا والقنيطرة والسويداء، والفلاح السوري بشكل عام الذي سحقته الحكومة المنصرمة بنار رفع دعمها للمحروقات، وتركته وحيداً في إنتاج المحصول وبيعهبخسارة، وذلك من أجل إنتاج البرامج التي تتحدث عنه كرمز لنمط اقتصاد الدولة الزراعي، وأما على الأرض حيث يعيش ويأكل يغني الفلاح الرمز أنشودة لزمان مضى.
هواجس وزير العمل مشروعة، ووصفه لمعايير المعونة غير العادلة في مكانه، ولكن يبقى الأكثر إيلاماً هو عن دور الوزارة في اتخاذ قرارات محاسبة المتسببين في هذه الفوضى في مفصل هام منحياة السوريين الاقتصادية على اعتبار أن غالبيتهم ممن يستحقون هذا العون.
أما عن معايير الفقر السوري فكلنا نعرفها، وفي كل مواقع المسؤولية بدءاً من أصحاب القرار والمسؤولين الصغار والمتابعين، وصولاً إلى الوزيرة السابقة التي أنكرت فقراءنا، ومن نافذة معتمة يمكنمشاهدة أولئك المنتشرين في الحقول، والنائمين تحت برد الخيام، والمتسولين المتكاثرين في شوارعنا، وباعة البسطات، والشباب العاطل عن العمل حالماً بمسابقة تشمله عوضاً عن حملة الابتدائيةوالإعدادية بينما الحكومة تصدح ليل نهار بسمفونية الحكومة الالكترونية.
الدكتور رضوان الحبيب.. ببساطة المواطن السوري أقول لك: غير بعيد عن وزارتك الجديدة توجد سوق الحرامية، وكذلك بقايا السوق العتيق حيث الفقراء يمارسون شقاءهم، وبين السوقين تقع الحكايةوالمعيار.