القطاع العام هو الذي أنتج سورية التي نعيشها اليوم من الناحية الاقتصادية ؟
ستيركوه ميقري ستيركوه ميقري

القطاع العام هو الذي أنتج سورية التي نعيشها اليوم من الناحية الاقتصادية ؟

عنوان هذا المقال لم يوضع جزافاً أو لأسباب صحفية، بل هو قول لأحد الاقتصاديين المسؤولين في وزارة الصناعة، ففي حديث لإحدى الصحف المحلية دار حول مشروع قانون إصلاح القطاع العام، وضح هذا المسؤول أنه سيتم الأخذ بعين الاعتبار آراء جميع الجهات المعنية من مؤسسات القطاع العام واتحاد نقابات العمال حول مشروع قانون الإصلاح هذا، وستتم مناقشتها بجدية.

 هنا لا بد من طرح السؤال الهام التالي: أين كنتم أيها المسؤولون عندما كانت الحكومة السابقة تذبح القطاع العام من الوريد إلى الوريد تمهيداً لدفعه نحو موته والتخلص منه، عبر خصخصته وبيعه بأبخس الأثمان، وهو الذي أنتج سورية التي نعيشها الآن من الناحية الاقتصادية كما تقولون؟ وماذا فعلتم أصلاً كي تنقذوه من براثن هؤلاء؟.

الغريب في الموضوع أن الحديث الذي كان يجري على قدم وساق (ليلاً و نهاراً فقط).. حول الإصلاح الإداري وإصلاح القطاع العام، كان فارغاً شكلاً ومضموناً، بل يمكن القول: كذباً وخداعاً وتضليلاً لغاية «في نفس يعقوب»، في ظل الاتجاهات الثلاثة التي كانت قد توضحت في الحكومة السابقة، فالأول يعتبر أن القطاع العام بقايا عصر انتهى، والثاني كان يعتقد أنه لا جدوى من إصلاح القطاع العام، والأخير غير مهتم لا بالقطاع العام ولا بغيره، ولكن لابد أيضاً من طرح سؤال آخر وهو: من الذي اتخذ قرار الإصلاح؟ ألم يكن القرار سياسياً؟!..وكيف يعهد لحكومة هذه اتجاهاتها فيما يخص القطاع العام بمهمة الإصلاح، وهي لم تكن أبدا مهمة مستحيلة أو مهمة صعبة، وهناك الكثير من الأمثلة التي أثبتت أن إصلاح القطاع العام كان ممكناً، بل وأكيداً؟؟ وعلى سبيل المثال هناك معمل أحذية السويداء الذي تحول من الخسارة إلى الربح حتى في عهد الحكومة السابقة، وهناك أيضاً مثال جديد حيث ذكر تقرير نقابة عمال الغزل في حمص، بأن «الوليد للغزل» من الشركات التي رجحت كفتها إلى الربح، محققة ربحاً مقداره 98 مليون ل.س خلال العام الماضي، إضافة إلى أن مخازينها ضمن الحدود الطبيعية حيث سوّقت إنتاجها للسوقين المحلية والخارجية. ‏

ومما لا شك فيه انه من أهم الدروس المستخلصة من سلوك الحكومة السابقة، هو ذلك الدرس الذي يقول: إن ضعف المحاسبة أحياناً، وغيابهاً كليا في غالب الأحيان، كان واضحاً أنه لن يؤدي يقيناً ومنطقياً بنا إلا إلى الخراب الذي نحن نوشك على الاندفاع نحوه، وإن وضع الدراسات دون تنفيذ أو تنفيذ دون محاسبة مع وضع الدراسات جانباً دون الأخذ بها ،هذه نتائجها الطبيعية!. لذلك فقد اكتفينا من الدراسات، وجاء وقت التنفيذ، خصوصاً إذا علمنا أنه لا يوجد فرق بين مشروع قانون الإصلاح السابق والمشروع الذي يعد حالياً، غير أن مشروع القانون الجديد يراعي ظروف ووضع القطاع العام الحالي كما قال المسؤول.‏

ولكن المتابع لبواطن الأمور، يرى أن الأساس النظري للإصلاح هو على الورق حالياً، وأما الأساس الفعلي فهو بكل أسف أضحى «في خبر كان» كما يقول المثل، حيث تفيد الأخبار المتداولة أن موازنة الدولة لعام 2012 قد ازدادت عن موازنة عام 2011 بـ58%، وبلغت  تريليون و326 مليار ليرة سورية، في حين أن  المبالغ المرصودة للاستثمارات بلغت 28% من كتلة الموازنة فقط، وقد كانت سابقاً لا تقل عن 45% منها.. حقا غريب أمر حكومتنا الحالية، إذ كيف تزيد الموازنة بنسبة 58% وبالوقت نفسه تخفض من كتلة المبالغ المرصودة للاستثمار لمصلحة الإنفاق الجاري؟؟ فإذا كانت النوايا جاهزة فعلاً لتحقيق الإصلاح المنشود والمحكي عنه وال الوقت، فإن الأفعال تنفي ذلك، مع موازنة خيالية لم نكن لنحققها حسب وضع الموازنات السابقة إلا بعد مرور سنوات عدة، وإنفاقها الجاري يتجاوز ضعفي إنفاقها الاستثماري، في حين  أن التقرير الأخير الصادر عن المؤسسة العامة للصناعات النسيجية كمثال، أظهر جملة من الصعوبات تتمثل في ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب عدم تحقيق الخطط الإنتاجية نتيجة غياب العمال المتكرر إضافة إلى نقص الكوادر التسويقية الخبيرة في شركات المؤسسة، ناهيك عن قدم الآلات الإنتاجية وصعوبة تأمين التمويل اللازم لتنفيذ العديد من المشروعات، وطبعاً لم يتحدث التقرير عن دور الفساد المتجذر في مرافق القطاع والقطاعات الأخرى، ولو تحدث عنها بشكل عميق وشفاف فحدث ولا حرج،  فهل تحتاج هذه الصعوبات التي يعاني منها قطاعنا النسيجي، ذلك القطاع الذي كان في يوم من الأيام قطاعاً رائداً وأصبح للنسيج السوري سمعة عالمية كبيرة كالدامسكو والبروكار والنسيج القطني، هل يحتاج هذا القطاع إلى النوايا والدراسات، أم يحتاج إلى من يرأف بحال قطاعنا العام ويدافع عنه انتماءً، فيبدأ فعلياً في حل مشاكله الماثلة أمامنا كشعاع شمس في يوم صيفي مشمس؟

 

بعد كل ذلك.. ولإيماننا أن الفرصة لم تفت بعد، لم يعد أمامنا من خيار إلا انتظار الإصلاح لقطاع هو الذي أنتج سورية التي نعيشها اليوم من الناحية الاقتصادية.. وإن غدا لناظره قريب.