موجة ارتفاع دولار جديدة..  تبدد أمل الاستقرار رغم ملامح الانفراج السياسي
مراد جادالله مراد جادالله

موجة ارتفاع دولار جديدة.. تبدد أمل الاستقرار رغم ملامح الانفراج السياسي

شهد الأسبوع الأخير من تشرين الأول الجزء الأكبر من نقلة سعر الدولار أمام الليرة خلال هذا الشهر بـ 9 ليرات تقريباً، فمن 341 ليرة/$ يوم السبت الماضي بتاريخ 24/10/2015، إلى 350 ليرة/$ نهاية الأسبوع يوم الخميس 29/10/2015، بعد أن بلغ 353 ليرة/$ يوم الأربعاء الفائت. فهل ينتظر السوريون نقلات كبرى أخرى في الأسابيع القليلة القادمة؟! 

كانت آمال السوريين تنتظر انخفاضاً لسعر الدولار أو استقراره بالحد الأدنى مع بداية شهر تشرين الأول وفق ما لاح من آفاق لحل الأزمة السورية بعد العمليات العسكرية الروسية، لكن المواطنين فوجئوا باستمرار ارتفاعه تدريجياً مع نقلات كبيرة نسبياً في الأسبوع الماضي الذي أغلق عندها سعره بـ 350 ليرة/$، منتقلاً 16 ليرة في الشهر الأخير بعد أن كان بحدود 334 ليرة/$ في بداية هذا الشهر.

لقد عقد جزء من السوريين آمالاً على احتمال استقرار سعر الدولار بعد أن كانت الارتفاعات طفيفة نسبياً خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من هذا الشهر “تشرين الأول” والتي خلالها انتقل 6 ليرات فقط بينما شهد الأسبوع الأخير نقلة نوعية بـ9 ليرات! وهو ما أوحى بشرارة ارتفاعات جديدة تبخرت معها آمال السوريين بأي استقرار قريب.

فعلياً يستمر سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية بالارتفاع التدريجي المنتظم دون أي استقرار في السوق السوداء، ففي 9 أيلول كان عند 323 ليرة/$، ومع نهاية أيلول بلغ تقريباً 334 ليرة/$. ولكن ما شعر به السوريون عملياً وما لم يجد أحدٌ حتى اللحظة تفسيره هو تلك النقلات الكبرى التي جرت في الأسبوع الأخير.

السعر الرسمي يتمايل فرحاً

الطامة الكبرى أن السعر الرسمي سواء الخاص بنشرة المصرف المركزي المعدة للتدخل، أو بنشرة أسعار شركات الصرافة أيضاً، تعرض لنقلات كبرى في الأسبوع الأخير. فبالنسبة لسعر المركزي المعد للتدخل، نلاحظ أنه كان 251 ليرة/$ بتاريخ 1/10، وارتفع 4 ليرات فقط حتى تاريخ 24/10 أي خلال 24 يوماً، بينما شهد السعر الرسمي في الأسبوع الأخير ارتفاعاً بمقدار 10 ليرات من 255 إلى 265 ليرة/$، وهو ما يعزز نقلات السوق السوداء غير المنضبطة باتجاه الارتفاع. 

في الاتجاه ذاته تقريباً سار سعر الصرف الخاص بشركات الصرافة الذي شهد ارتفاعاً بحوالي 8 ليرات خلال 24 يوماً، من 316 في 1/10 إلى 324 ليرة/$  في 24/10، فيما شهد الأسبوع الأخير نقلة نوعية أخرى بـ7 ليرات خلال أربعة أيام من 323 في 24/10 إلى 330 ليرة/$ بتاريخ 28/10. هذا وقد تحدثت أوساط إعلامية عن بلوغ السعر حدود 335 ليرة/$ في يوم الخميس 29/10 بعد اجتماع رسمي لجلسات التدخل، وفيما لو صح ذلك فإنه يعني قفزة أخرى في يوم واحد تبلغ 5 ليرات وبقرار رسمي!. 

هوامش ربح جديدة لقطاع الصيرفة

بالنسبة للمراقب البسيط لا تُلحظ الارتفاعات التدريجية التي تمهد لنقلات نوعية شهرية تقريباً، إلا أنهم فجأة يستشعرون النقلات النوعية غير المفسرة حتى اللحظة من أحد. إلا أن الثابت حتى اللحظة أن للمصرف المركزي والحكومة دوراً مشتركاً في نقل سعر الصرف إلى هذه المستويات سواء بشكل تدريجي أو على شكل نقلات نوعية، وبشكل منسق مع الفعاليات التجارية والاقتصادية الأخرى في سوق الصرافة وغيرها، فهذه الارتفاعات تجيء بشكل دوري لتُختَم بإعلان رسمي عن جلسات تدخل تعني بيع مزيد من الدولار للسوق عبر شركات صرافة محددة. وهو ما نقلته صفحات إعلامية عن جولة جديدة من التدخل خلال الأسبوع المقبل.

إن جولة التدخل الجديدة هذه تعني أن الحكومة والمصرف المركزي وبالاتفاق مع التجار والصيارفة وغيرهم يمتثلون إلى تمرد لسوق السوداء وابتزازها وطلبها المتزايد تحت ضغط رفع السعر كما كل مرة، وهو ما يعني اتفاقاً على هوامش ربح جديدة من تجارة الدولار العامرة التي يرعاها كل هؤلاء، وبكميات أكبر من السابق تتوافق مع مستويات أرباح أعلى تراكمت بالعملة السورية في الفترات السابقة للتدخل، وآن الأوان لتحويلها إلى رأسمال على شكل دولارات جديدة للمتاجرة أو للهروب خارج الاقتصاد السوري. 

ووفقاً للأحاديث المنشورة، فإن التدخل المنتظر سيبيع المواطنين الدولار بسعر قياسي جديد هو 345 ليرة/$ وحتى 10 آلاف دولار!، وللتجار بسعر 335 ليرة/$ عن طريق شركات الصرافة، والتي بدأت يوم الخميس الفائت وفق بعض صفحات الفيسبوك من خلال شركة صرافة محددة محظية دائماً بحصة كبيرة من بيع دولارات التدخل! 

سر النقلة الأخيرة

إن كل ذلك يعني موجة جديدة من ارتفاع الدولار ستبطئ ارتفاع سعره كما سابقاتها لبضعة أسابيع لتعاود الهبة من جديد، فالأدوات التي يستخدمها المصرف المركزي برعاية الحكومة ثابتة لم تتغير، ولكنها تفضي دائماً إلى نتيجة معروفة هي: ارتفاع قياسي للدولار من جديدة، وهدر مزيد من الدولارات، وتمكين السوق السوداء وتجارها مرة أخرى من المضاربة على الليرة السورية، التي تتراجع بانخفاضها أجور السوريين على مرأى وبمشاركة جميع الناهبين. 

ويبقى السؤال: ما سر هذه النقلة الأخيرة في سعر الدولار بعد أن لاحت بوادر حل للأزمة؟ حيث كان من المفترض أن يمهد أي جو إيجابي في المجال السياسي والعسكري بعد تقدمات الجيش الأخيرة إلى استقرار سعر العملة، بينما نلاحظ أن ما جرى هو عكس ذلك، فهل رفع أحد الطلب على الدولار إلى مستويات قياسية جديدة ما أدى  إلى نقلة أخرى في سعره؟ ربما! وإذا كان الأمر كذلك، فعلينا أن نفسر أيضاً سبب الطلب المرتفع على الدولار في ظل احتمال انفراج الأزمة سياسياً، فهل يستعجل أحدٌ ما في الداخل الظفر بدولارات أكبر للأيام المقبلة؟! 

للفاسدين رغبة في ذلك لا شك فهم بحاجة إلى رأسمال جديد وبعضهم بحاجة للهروب بأرباحه بعملة صعبة. وإن كنّا لا نستطيع الجزم في ذلك بالنسبة للارتفاع الأخير، إلا أننا ندرك أن الآلية التي عكف عليها هؤلاء في الأزمة هي الاستبدال المستمر لأرباحهم بالليرة السورية، وتحويلها إلى دولار، فما الذي يمنعهم من تكرار هذه العملية الآن في الوقت الذي تلوح فيه احتمالات هدوء الأوضاع؟!