نهاية دعم المحروقات.. وتبدل في أشكال الفساد
أنهت الحكومة العبء الأكبر المترتب عليها، وهو الدعم الاجتماعي، وستنقله في موازنة العام القادم إلى خانة الخسائر المدورة من أعوام سابقة، أي أنها لن تنفق أي مبلغ دعم اجتماعي لاحق، لا على الوقود ولا على غيره.
تم استكمال تحرير الأسعار، وتحديداً أسعار المحروقات، وأصبحت أسعار الوقود في السوق السورية أسعاراً عالمية، وأعلنت (محروقات) بأن أسعار هذا العام ستنقلها من العجز إلى الفائض، أي ستحقق مرابح من بيع الوقود.
انتهى دعم المحروقات بعد أن أنهى كبار الفاسدين السوريين مرحلة طويلة من استغلاله، وهو الذي اعتبر دائماً (سيفاً ذا حدين) في تجربة الاقتصاد السوري، فمن جهة كانت أسعار الوقود المدعومة، عماد مستويات الأسعار العامة المنخفضة في سورية، ما كان يسمح بمستوى معيشة مقبول نسبياً، في ظروف تثبيت الأجور الطويل، كما كان الدعم يؤمن انخفاض تكاليف الإنتاج، معطياً ميزات تنافسية للمنتجين السوريين، رغم تراجع الإنفاق الاستثماري، ومجمل عمليات تطوير وتوسيع القاعدة الإنتاجية السورية.
أما من الجهة الأخرى، فقد شكل دعم المحروقات، أهم موارد مراكمة أموال الفساد الكبير، المستفيد من مواقع النفوذ في قطاع النفط، التي كانت أرقامها غير معلنة لفترة طويلة، حتى أن المستوردات السورية من المحروقات كانت أوسع من الحاجات السورية، باعتبار أن القرار الاقتصادي المتحكم بتسويق النفط استيراداً وتصديراً، كان يستجر حصة فائضة تذهب غالباً، لتجارة الوقود المهرب، بنسب وصلت في عام 2005 إلى ربع قيمة المستوردات الإجمالية من المحروقات، وما يعادل نسبة 2,1% من الناتج بحسب دراسة (سورية 2025(.
المفارقة أن هذه السياسات كانت الذريعة، لليبراليي سورية ليتخلصوا من عبء الدعم، وفي هذا توافق مع السياسات الليبرالية الغربية، التي تدفع أتباعها إلى أنواع أخرى من الفساد المرتبط بها تحديداً، وليس الفساد البيروقراطي، الذي يبقي دور الدولة متسعاً، ويسمح إذا ما تغيرت أوزان القوى في المجتمع لصالح المصلحة العامة، بانتقاله إلى جهاز اقتصادي منتج ومنضبط، فكان الهدف التخلص من هذا الدعم الاجتماعي الواسع الذي يتحمله الإنفاق العام القادم من إنتاج السوريين وهذا ما خسره السوريون اليوم.
التحرير ينهي الفساد؟!
فكيف نضمن أن الفساد لن يطال قطاع النفط بعد اليوم؟! تجربة العام الماضي بالسماح للقطاع الخاص باستيراد المحروقات، أثبتت أنها بوابة هامة للفساد، حيث حصل هؤلاء على القطع الأجنبي من المركزي لتمويل مستورداتهم، وسعروها بضعف السعر الحكومي وعادوا ليستبدلوا أرباحهم بالقطع الأجنبي من السوق السوداء، مشكلين ضغطاً هاماً على قيمة الليرة حسب المصرف المركزي.
ولاحقاً ظهر فساد التوزيع الحكومي في تكرار حصول محطات مغلقة على المازوت، أي أن السوق السوداء للمحروقات لا تزال لديها حصتها رغم عدم وجود هامش سعر فارق بين أسعارنا وأسعار الدول المجاورة، بل عبر تحميل السوريين أسعاراً احتكارية فوق السعر العالمي!.
آخر ما ورد في سياق قطاع النفط، هو تصريحات للوزير يتعلق باستيراد المشتقات حيث أشار إلى وجود حالة تنافسية (قد تصل أحياناً إلى 30 شركة تتنافس..)
لكن ما الذي يضمن أن تكون هذه (التنافسية) تنافسية حقا؟!، فتجارب استيراد مختلف المستلزمات الحكومية أثبتت أن هناك تضخيماً في الكلف عن الأسعار العالمية، في القمح والشعير، والخميرة والسكر وغيرها..
نهاية طالما أن الفساد الكبير، لا تواجهه ضغوطات شعبية فعلية تعيق حريته المطلقة، فإن قطاع المحروقات وهو القطاع الذي تخصص له موارد هامة، لن يتخلص من حصة الفاسدين، سواء كان مدعوماً أم غير مدعوم، و(أضعف الإيمان) في الظرف الحالي، أن يكون التوزيع محمياً بالرقابة الشعبية الحقيقية، وأن تكون عروض الاستيراد التنافسية معلنة بوضوح: الجهات العارضة، أسعارها، وكيفية اختيار الشركات التجارية الموعودة لتأمين حصة سورية من استيراد الوقود، إلى أن نعود للإنتاج.. لعل فساد تجارة النفط لا يعيق في المراحل القادمة، توسيع إنتاج النفط، والتخلص من الحاجة لاستيراد المشتقات، مقابل تصدير النفط الخام!.